• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : قراءة في كتاب .
                    • الموضوع : قراءة في رواية (القضبان لا تصنع سجنًا)‎‎ - الجزء الأول .
                          • الكاتب : حبيبة المحرزي .

قراءة في رواية (القضبان لا تصنع سجنًا)‎‎ - الجزء الأول

القضبان لا تصنع سجنا
قراءة غير عادية في رواية بتصنيف استثنائيّ (الحلقة الأولى)
يوم بدأت قراءة الرّواية "القضبان لا تصنع سجنا "  لجبّار عبّود آل مهودر العراقيّ والّتي أهداها لي مشكورا يوم زار تونس مع مجموعة طيبة من المجالس العراقية أثناء تظاهرة "تونس تحتضن بغداد" أواخر سنة 2021 .
تقدّمت في فصولها بكمّ من الرّعب والتّوجّس من أن يكون اللّاحق أفظع واشنع.ممّا طوته الصّفحات المقروءة وكم تمنّيت أن تكون بعيدة عن الواقع وان تكون من محض الخيال لا غير ولم أسأل المؤلّف خوفا من إجابة تؤكد تخوّفي وتوثّق فظاعات موجعة مؤلمة.
مضيت في القراءة بوجع كبير وعاتبت الكاتب في سرّي "لماذا هذا الكمّ من الأذى والأسى؟"
ركنت الرّواية جانبا أيّاما واسابيع وظللت في حيرة من أمري لكنّ شيئا ما في صفحاتها يشدّني إليها وشيء آخر موجع جدّا يقول كفاك ألما وتالّما. ثم قرّرت قراءتها لكن بحزن كبير ،حزن لا يضاهي قيد ذرّة ممّا ضرّج الشّخوص الذين حوّموا في أحداث الرّواية بأرواحهم الّتي صودرت منهم أو بنفسيّة شوّهها الجلاّد من أجل كلمة حقّ أو رفض لقرار ظالم مستبدّ. وركبني عناد أصمّ بألاّ أسأل الكاتب إن كانت الرّواية سيرة ذاتيّة بكمّ يمتدّ إلى المعاناة الجماعيّة،. وصدّرت الخيال حاضنة للأحداث مستندة إلى تصنيف على الغلاف ك "رواية" لكنّ دقّة الوصف والغوص في المآسي والتي بعضها سمعنا عنه وأقحمته الشاشات والهوائيات والأنترنيت فضاءاتنا ليكون مادّة إعلاميّة في أخبار متفرّقة  معدّلة خوفا على مشاعر المشاهدين وسلامتهم الأمنيّة وراحة بالهم. لكن وامام  التّشرذم والتّخبّط بين كمّ لا يطاق من الأذى المادّيّ والمعنويّ الذي طفحت به فصول الرواية وأمام غرق الأحداث في العنف والجريمة بقرارات سياسيّة آثمة متجبّرة قرّرت  أن أسال الكاتب إن كانت الأحداث والشّخوص باسمائهم ونسبهم وأماكن تواجدهم حقيقة أم خيالا؟
وكم تمنّيت وأملت أن يخفّف عنّي وعن كلّ من يقرأ الرّواية الحمل والضّنك بأن يبشّرنا بأنّ كلّ ما في الرّواية لا يعدو أن يكون من محض الخيال وقد بيّتّ في نفسي أن الومه واعاتبه على هذا الإغراق في الالم والعذاب والجلد للباثّ والمتلقّي .. لكنّ الجواب نسج ثوب الحداد على بني الإنسان وما عانوه من ظلم الطّغاة والظّالمين .هي الحقيقة والواقع بعينهما موثّقان بالأسماء والألقاب والأماكن والتّواريخ.
جواب الكاتب "جبار عبود آل مهودر" هو الذي جعلني أصنّف المؤلّف لا هو بالسّيرة الذّاتيّة مثل "سبعون" نعيمة ولا "حياتي" لأحمد أمين ولا "أيام" طه حسين, ولا بالرواية كمساحة إبداعية عادية يمتزج فيها الخيال بالواقع .
"القضبان لا تصنع سجنا" هي بين هذا وذاك لذلك فتصنيفها استثنائيّ. وتأكيد الكاتب على الواقعية بكل أبعادها ومؤثّثاتها كان آخر مسمار في نعش السلم الافتراضي الذي يتشبّث به المتلقّي وهو يغرق في تفاصيل موجعة بإثم إجراميّ انتقاميّ معيب مشين. لكن حتى وإن ادّعى أنّ الأحداث خياليّة ما كنت لاصدّقه لأنّ كلّ حرف وكلّ كلمة وكلّ تركيب يطقّ أذى وأسى لا يمكن أن يكون إلاّ من قلب المحنة والمعاناة الحقيقية الواقعيّة.
رواية بغلاف أسود سواد حداد الثكلى والارملة سواد جلباب الخنساء وأمّ الشّهيد وابنة القتيل وكلّ المضطهدين المهجّرين في سلسلة آثمة كانت وماتزال تعيد إلى الأذهان مآسي جمّة لا تحصى ولا تعدّ.
حداد عامّ متوزّع على الغلاف كلّه وجها وجنبا وقفا ، لكن نورا يطق من بين قضبان حديديّة لنافذة سجنيّة يتوسّطها القضيب الحديديّ الاسود القاتم فاصلا بيّنا، وعلى الجانبين تتداعى القتامة بانعكاس الضوء على بقية القضبان فتتماهى مع البياض تأثرا وتجانسا مع ضوء يتسرّب في تؤدة نحو الأسفل منسّبا قتامة المشهد. كفارقة مشهديّة تقوم على  التضادّ بين الاسود والأبيض .الابيض الّذي يجمًل السّواد .تقنية تذكّرني " ببيير سولاج " فنان السّواد والذي بلوحة تغرق في السّواد، يطقّ منها  قبس مبيضّ ينقذ السواد من سواده وينتزعه من حداده ويبعث املا لدى المتلقي يجعل نقطة البياض مهما كان صغر حجمها و مكانها فهي شرارة الجمال الضّدّيّ الذي ينسف كلّ قتامة ويخالط التّشاؤم بالتفاؤل. ذاك البياض ثمّن السّواد واغرقه في الماضويّة المنقضية المتهاوية في غياهب مرّت وانتهت لتفسح المجال للنّور يبشّر بتعميم البياض الآخذ في الانتشار كأمل منتظر حتميّ.
بياض مندفع ينحدر نحو الأسفل، نحو الرعية المظلومة المضطهدة.حتّى يبلغ آخر الصّفحة بذاك الظّل المنساب تحت الحروف اللاّتينيّة في امتداد خلفيّ خفيّ يفتح أملا على مستقبل أفضل بدأ في أعلى لغلاف وانتهى أسفله في امتداد إلى الفضاء المحيط.
العنوان برتقاليّ ناريّ بلون لباس السّجناء والمقادين إلى المقصلة أو المشنقة. ليدلّ كلّ حرف فيه على من أعدم وعذّب وذاق مرارة الدّهاليز التّعذيبيّة الآثمة وساحت دماؤه ظلما وتوقّفت أنفاسه ظلما وغدرا. ليرتسم اسم المؤلف بالابيض النّورانيّ المتسرّب من بين القضبان وكأنّه امتداد للأمل وانتصار ودليل على النّصر والثّبات ليكون شاهدا على فظاعات مشينة موجعة عايشها واكتوى بنارها المؤلّف وأهله وجيرانه ومعارفه.
على الغلاف الخلفي كلمة الكاتب والشاعر عبد الزهرة الديراوي يثبت فيها واقعيّة الأحداث بكلّ تجرّد مع الزمان والمكان والشخوص أيضا.. شهادة غاصت في الرواية وعلاقتها بالمؤلف معاناة وحياة وابداعا وتوثيقا ..
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=167502
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 04 / 23
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29