برعاية الأستاذ الدكتور رياض شنته رئيس جامعة ذي قار، أقامت كلية الإعلام بالتعاون مع العتبة العباسية المطهرة أصبوحة للأديب علي حسين الخباز مسؤول اعلام العتبة وتقديم جميل من الدكتور ياسر البراك، وكانت لي مشاركة بقراءة ورقة عن الاديب وابداعه:
أقف أمام هذا الرجل مشتت النظر، من أية زاوية أنظر إليه؟ أو إلى أي أفق من آفاق إشراقاته أحدّق؟
رأيت مهنيته مشبعة بالطموح، وهو يتولى مسؤولية إعلام العتبة العباسية المطهرة، بدأ العمل باصدار سلسلة (دليل المحاور) عام 2009 للحاجة المعرفية والإيمانية لتغذية العقيدة بالمنابع الأصلية، حيث تبنت وحدة الدراسات والنشر في شعبة الإعلام هذا الاصدار من أجل احتواء المسائل الخلافية والأفكار المتضاربة المتصارعة من خلال جمع الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث والروايات من كتب الصحاح والكتب المعتمدة عن أهل السنة للرد على الخلاف والشبهات التي يوجهها الطرف الاخر، بالإضافة الى أنها مكان لتلقي العلوم الدينية والمعرفية والمشاركة الفاعلة في معارض الصور والنتاجات الفكرية والمهرجانات المتعددة .
علي الخباز أديب مسرحي، بدأ شاعرا في سن الأربعين، وظف شغفه بالشعر في الصياغات المسرحية بلاغة وخيالا وتجنيسا. تذهلني التقاطاته من الشائع المتداول المألوف وهو دليل على ابتكاراته الواعية ومحاولاته التجديدية في أنساق المروي؛ لأنه يقرأ بعين جديدة أحيانا يقلب الفكرة فيحيل المتهم قاضيا، والقاضي متهما، ويوصل الفكرة دون ملل مع اعتماد رؤيته على المرتكزات التاريخية الثابتة .
علي الخباز يحمل رسالة دينية وثقافية ممتزجتين تنحو باتجاه التجديد خاصة في نشاطاته الاخيرة المتعددة في كتابة النصوص المسرحية. من منا لم يسمع المقتل كل سنة حتى حفظنا صورها ورددنا مقاطعها، ولكن عند علي الخباز تتغير وجهات النظر باتجاه إخراج درر المعنى من أعماق المأساة.. الدرر دائما هناك بعيدا في الأعماق والغواص وحده يلتقطها، فكان الخباز يجهد نفسه لالتقاط اكثرها لمعانا في الخفاء في المكان غير المرئي .
يتفانى في عمله؛ لأنه يعشقه عشقا ولائيا خالصا في إعلام العتبة وترؤسه تحرير صحيفة صدى الروضتين. أصدر علي الخباز العديد من الإنجازات الثقافية السامية. كتب سلسلة من الدراسات حول نهج البلاغة ودراسات بلغت أكثر من 45 دراسة، وابتدأ بمجموعة شعرية (الآن أريدك أن تأتي) مهداة الى الامام المهدي (عجل الله فرجه.(
وكتب العديد من النصوص المسرحية منها: (الصراع، محاكمة حميد بن مسلم، الخدعة، عتبات الندم وغيرها)، والتي حصلت بعضها على جوائز من بين العديد من النصوص المهمة، وقد أسهمت في تنشيط المسرح الحسيني وحضوره في المهرجانات والمسابقات المتعددة.
وأحسب أن هذا الحراك الثقافي بدأ من نشاط إعلام العتبة العباسية المطهرة. وهو يسعى الى تدويل المسرح الحسيني من خلال طروحات نصوصه التي تنأى عن الاستفزاز معتمدة على الموضوعية في توظيف واقعة الطف وما سبقها ورافقها وبعدها، موظفا شعريته المضمرة في إنضاج سردية المسرح في الحوار والصورة والحركة والدلالة والرمز.
ربما يسأل أحد: ما الذي قدمه أو سوف يقدمه علي الخباز وهو يوظف واقعة الطف المكررة المعنى في مسرحياته؟
هنا تتضح قدرته على التميز وتجاوز المألوف وبراعته ورؤيته ونفاذ بصيرته، أن يحيل المكرر الممل الى دهشة الى صورة لم نرها سابقا، ذلك ما يسعى اليه الخباز، وحقق فيه الكثير ومازال يمارس حفرياته الواعية.
فقد نأى بمعتقده عن الانتماء الفطري او التقبل التلقائي الأعمى. سعى لإعادة صياغة ذاكرة تلقائية يقف عند حدث يتداوله الصغير والكبير ليعيد صياغته وتركيبة السؤال فيه وترتيب المعنى ليعكسه أحيانا أو يغير تسلسله عابثا بالراكد، ليتجلى معنى جديد للحدث نفسه، لذلك فإن علي الخباز أعاد للمسرح الحسيني ألقه.
يقول في أحد لقاءاته: "المهمة صعبة لا يمكن للمسرح ان يعيد بطريقته استنباط ما حدث عبر التاريخ دون ان يفهم الواقعة ويناقشها المناقشة المحفزة لذهنية المتلقي العام".
كما أنه ساهم إسهامة فاعلة في ترسيخ الرمز في المسرح الحسيني وكان آخرها محاضرة له بعـنـوان (أساليب أدب المناسبات/ الرمز الثانوي انموذجاً)، وهي محاضرة دعت الى استلهام الشخصية المحورية استلهاما عميقا وليس سطحيا، ليس إعادة شكلية السرد إنما سعى الى خلق بديل عن السردية العادية بمحاولة اللجوء الى أدب الرسائل، لكنه تجاوزها لعدم وجود سعة الحراك وتكرارها، فاقترح اسلوب الرد، لكن وجده يميل الى التصنيف الأدبي والنقدي، لذلك ظل يبحث عن اسلوب فيه سعة عمل وتفكر وتخيل وابتكار، فيه حراك ذهني يستقطب القارئ النشط.
وقد أورد أمثلة منها قصة يوسف باستلهام الرمز الثانوي مثل يعقوب وأصحاب السجن وزليخا والبئر والسيارة الذين انقذوه...الخ. هذه المكملات هي التي تخلق حراكا شعريا ومسرحيا يستلهم الوقائع بمشغل منتج... أحيانا يعكس أو يقلب الصورة لينتج صورة أخرى لا تقل عنها ألقا بل مجددا للمعنى الراكد في الأذهان والضمائر، وهو مستند بذلك الى ذات المرجعيات المعتبرة، ولا يتجاوزها من أجل عدم المساس بمصداقية الحادثة، وهو يروي حدثا بطريقة درامية وفق مخرجات معاصرة متجددة لمرويات مكررة.. هذا التوجه هو تجديد للمسرح الحسيني وكذلك للفكر الحسيني من أجل أن يشاع في كل الأمكنة والأزمنة وتصل الى مديات كانت منغلقة .
|