• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : اعترافات الملازم زكي / 16 .
                          • الكاتب : راضي المترفي .

اعترافات الملازم زكي / 16

يقترب عقرب الساعة من الدقيقة العاشرة بعد منتصف الليل والليل يرخي سدوله بهيبة ظلامية مرعبة والنقيب زكي يراقب المجهول عندما رن جرس  الهاتف الميداني ورفع سماعته فأتى صوت امر الفوج مسلما ومحذرا بالقول : الايرانيون بدئو هجومهم وقطعاتهم تقترب من الحافات الامامية لقطعاتنا  واضاف امر الفوج مطمئنا : ان مدفعيتنا ستحصدهم حتما لكن مع ذلك يجب الاستعداد لصد من يصلون الى قاطعنا والامساك بالارض بقوة وعدم التخلي  عنها مهما كانت الظروف وسنمدكم بالعتاد والمؤن .. فقط اصمدوا لساعات وهنا دوى صوت قذيفة سقطت على مقربة من موضع النقيب زكي وتبعتها  ثانية وثالثة ورابعة ووو وانقطع صوت امر الفوج بعد ان علاه صوت القذائف وحدثت الجلبة داخل قاطع السرية والسرايا الاخرى ثم بدأ صوت  الرصاص مسموعا وعند مرور النقيب زكي بموضع احد الجنود الخائفين رآه يضع يده على الزناد وقبل ان ينبهه بعدم الرمي واطلاق النار كان الجندي يطلق صلية طويلة جدا ظن معها الجنود الاخرين ان الايرانيين اقتربوا من الساتر الخاص بالسرية فاطلقوا جميعا العنان لبنادقهم فبدأت تقذف ححمها من دون توقف وهكذا فعل جنود السرايا والوحدات الاخرى القريبة من سرية النقيب زكي وفلت الزمام من يد امر السرية واصبح الرمي حرا والتلفون الميداني يشارك البنادق صهيلها المحموم لكن صوته يضيع في زحمة اصواتها حتى ظن امر الفوج ان سرية النقيب زكي تتعرض الى ثقل الهجوم فطلب من اللواء الاتصال بالفرقة وتقديم اسناد ناري لاحدى سرايا فوجه وهكذا اكتملت مشاركة جميع الاسلحة لتشارك بقتل خوف احد الجنود الذي تصور قطع الظلام امام موضعه جنودا ايرانيين يتقدمون نحوه وعلمت المقرات المتتابعة ان قطعات الفرقة الحادية عشرة وتحديدا احد افواج لمش 47 يتعرض للهجوم الايراني ويصمد بوجهه واصبح التركيز على هذه المنطقة في حين كان الايرانيون يتقدمون بهدوء وبسرعة في منطقة بعيدة جدا عن المنطقة التي التهبت وتكاد تكون خالية من التحصينات العراقية وفيها وحدات قليلة لانها بحسابات القادة الميدانين منطقة ميتة لايمكن للعدو التفكير بجعلها بوابة لهجوم كبير غرضه استعادة السيطرة على منطقة المحمرة وقد استطاعوا ان يحدثوا خرقا طوليا بين خطوط القطعات وتقدموا بالعمق واستطاعوا شل حركة القطعات المتجحفلة هناك ولم ينتبه القادة في الصباح الا والقوات الايرانية تقاتل خلف قطعاتنا بعمق بعيد فأعلن وزير الدفاع في مؤتمر صحفي قائلا : ان الايرانيين دخلوا في جيب مهلك سيلاقون حتفهم وفنائهم فيه وعقد اجتماعا سريعا لكبار القادة الميدانيين وتم بعد الاجتماع اعدام قائد الفرقة الثالثة المدرعة وقائد قوات المحمرة واخرين فاصبح القادة الميدانيين بين كماشة الهجوم الايراني واعدامات الحكومة وخيم الرعب على الجميع ومع مرور كل دقيقة كان الإيرانيون يعززون تواجدهم ويزداد عددهم ويستولون على ارض جديدة وتنهار امامهم سواتروقطعات اخرى .
لكن في اماكن اخرى من القاطع استمات الجنود العراقيون وقاتلوا قتالا وحشيا لم تشهده الحروب وصمدوا بالمواضع حتى تكسرت جميع الهجمات الايرانية المتتالية للحد الذي غطت به جثث القتلى المكان ومع الخسائر الكثيرة في الارواح احتفظ العراقيون بسواترهم في كثير من اماكن القاطع مما حدى بالقائمين على الهجوم الايراني ترك هذه الاماكن التي استبسل اصحابها بالدفاع عنها واتجهوا الى تعميق الخرق الذي احدثوه املين الحصول على مكاسب اعلامية تزحزح معنويات الجيش العراقي وتوصلهم الى الحدود الدولية وكان لرماة واعداد الرشاشات الاحادية والرباعية صمود اثار حنق الايرانيين وغضبهم بعد ان استبسل هؤلاء وقاموا بحصد كل الموجات الايرانية القادمة ولم يتهاون هؤلاء المقاتلين الا بعد ان نفذ او كاد ينفذ عتادهم مما جعل الايرانيون يصرون على تكثيف هجماتهم الواحدة تلو الاخرى وكانوا في احداها استولوا على رشاشة احادية وراميها وجندي اخر احياء بعد ان ابادوا من الايرانيين العدد الكبير وبدلا من اسر هذين الجنديين ومعاملتهم وفق اتفاقيات جنيف او تعاليم الاسلام بمعاملة الاسرى قاموا بتقطيعهم بالحراب احياءا وسط مظاهر قسوة وحشية لايمكن وصفها بسهولة .
وكانت سرية النقيب زكي نالت حصتها من الموجات الايرانية لكنها صمدت بشكل لم يتوقعه حتى النقيب زكي نفسه وكان العريف جاسم حسوني مقاتلا ماهرا ذو خبرة كبيرة بمعالجة الاهداف وتوجيه نيران السرية نحو مكامن الخطر مما وفر للنقيب زكي معاونا مخلصا خبيرا . ومهما كان الدافع فقد ابلى جاسم حسوني بلاءا رائعا ورفع معنويات مقاتلي السرية والنقيب زكي عاليا حتى انقطاع اخر الموجات الايرانية القادمة باتجاههم وكان لاهازيج حوشي مطير اثرها البالغ وصراخه بصوت عالي ( عالو بيك يلمنك تجي العيله ) ويا ( كاع ترابج كافوري ) ويختمها دائما ب( يعماره ابنج عايف روحه ) واستشهد من السرية ثلاثة جنود كان اولهم ذلك الجندي الذي اطلق الرصاصة الاولى وخرقت احدى الشظايا الصغيرة بدلة النقيب زكي واحدثت جرحا صغيرا في ذراعه واسرع عريف جاسم على الفور ومزق فانيلته وجعل منها رباطا لجرح امر السرية الذي رفض الاخلاء تحت عنوان عدم اهمية الجرح او تاثيره وليس تحت مسمى اخر واصيب العريف احسان اصابتان كانت الاولى في أليته والثانية في رأسه ونقل وبقية الجرحى لوحدة الميدان الطبية لكن احسان اصر رغم جراحه على العودةللسرية تحت وابل النيران ومشاركة اصدقائه رفاق السلاح مصيرهم .وتصارع في نفس النقيب زكي الفرح بالنصر والحزن على من مات او جرح من افراد السرية . ورد على اتصال امر الفوج بشرح الموقف كاملا وكيف صمدت السرية بوجه خمسة هجومات ايرانية واستطاعت دحرها والانتصار عليها وكيف كان موقف رجال السرية الابطال وتشبثهم بموضعهم والدفاع عنه حتى اخر قطرة من دمائهم وكيف استشهد ثلاثة جنود وجرح اخرين . . هنأه امر الفوج بالنصر ووعده بارسال جميع الاحتياجات من مؤن وعتاد وتعويض مراتب وطلب منه ابلاغ تحياته لكل منتسبي السرية واخبارهم بأنه سيكون معهم في شرف صد العدو .
سال النقيب زكي العريف جاسم في فترة الهدوء بعد ان اشاد ببطولته وصموده وقيادته السرية في موقف حالك وصعب .. لماذا كل هذا الصمود وهذه الشجاعة الخارقة وانت الحانق على الوضع والباحث عن فرصة للوقوع بالاسر حتى كدت توهمني بالاستسلام قبل بداية الهجوم .؟
. سيدي لم تكن القضية فورة عاطفية ولم تكن دفاعا عن احد لكني اؤمن بقوة بمبدأ ( اذا حضرك الموت فمن العار ان تموت جبانا ) والايرانيون لم يعرفوا ولن يعنيهم موقفي من النظام فقط تنحصر معرفتهم بأني عدو يجب قتله لذا من العار ان اسلم رقبتي بيد قاتلي وانتظر رحمته التي لم ولن تأتي واذا اتت لم يكن لها مطلب غير حز رقبتي ومن هذا المنطلق دافعت عن نفسي واصدقائي وما اؤمن به من مباديء اخلاقية تردعني من ان اموت جبانا ولو كان الامر مختلف ونحن المهاجمون لاختلف تصرفي وطريقة تعاملي .
. انا اتفق معك بهذا التبرير المنطقي واعلم ان معادن الرجال تجليها المواقف الصعبة التي لايمكن تجاوزها من غير قرار حاسم وانت اليوم اثبت لي اني كسبت اخا وصديقا رائعا يمكن الوثوق به والاعتماد عليه ولو كان الامر بيدي لكرمتك باكثر مما تستحق رغم انك تستحق الكثير الكثير ايها المجنون ولو توافق القيادة في حالة اصرارها على عدم تكريمك لتنازلت لك عن رتبة نقيب زكي .
. وماذا تقول لسليمه لوسألتك عن رتبتك .؟.
. جاسم في هذا الوقت تجيد المزاح والدعابة وتتذكر ماهو بعيد عن الساتر وارض المعركة .؟.
. سيدي مع السيد الريس واجلاف الرعاة كتب علينا الموت كما كتب على المسلمين الصيام . لذا الامر عادي جدا ان احارب وان لا انسى المكان الاخر الذي انتمي له او اطمح بالعيش فيه وهي الحياة المدنية واولا واخيرا اردت ان اخرجك من قتامة ما نحن فيه وانقلك الى حيث الاحلام والحبايب وبعدين سيدي سؤال ..
. لو كان بيت الانسة سليمة - عذرا للمقارنة - خلف سواتر الجيش يعني بالتنومة او بالعشار وغاية الجنود الايرانيين اجتياح الساتر واحتلال البصرة وانت عراقي وقائد ميداني تقود سرية ماذا تفعل .؟ هل تنسحب امامهم حفاظا على حياتك او تقاتل دون ( اسليمه ).؟.
. عريف جاسم .. ماذا تتصور ان سليمه لها ميزة على أي عراقية عندي .؟ اذا كان هذا تصورك انت واهم .. لان سليمة اخترتها لي .. لقلبي .. لبيتي لكن بالنسبة للبصراويات لم اختارهن وانما فرضن علي اخوات وشقيقات يجب ان ادافع عنهن واحميهن اذا كنت غيورا ومالم اكن كذلك فحتى حليب امي حرام علي ولااستحق ان اتباهى برجولة او غيرة او شهامة مالم انظر لكل عراقية من هذا المنظار .. جاسم انا مستعد ان تقطعني الحراب ولايسحب جندي اجنبي عراقية من عبائتها او يسقط فوطتها وانا اتنفس الهواء .. ان رصيدنا المتبقي هو غيرتنا وشهامتنا وشرفنا .. ماذا لو ذهب تحت بساطيل الإيرانيين وهم يدخلون البصرة .؟ . هل اجد عذرا لنفسي واقول اني مختلف مع النظام واتمنى هلاكه وسقوطه واكتفي بالفرجة على الشرف المهان .؟ انها تبريرات لاتصدر الا من ذليل .. ان الموت دون البصرة ونسائها من وجهة نظري شرف عظيم وواجب مقدس وعليه القضية اليوم لاتتعلق بالنظام لان هذا النظام لاتعنيه البصرة او غيرها ولايعرف الشرف لكن انا وانت وحوشي واحسان والاخرين على ما جبلنا عليه من فطرة نعظم من يحافظ على شرفه وشرف الاخرين وكنت انت اليوم مثال رائع لذلك .
. عفوا سيدي لم اقصد اثارتك او استنهاض حميتك لكنها بدت مزاح وتحولت الى ما اوصلتنا اليه .
. جاسم مثلما تعرف بالقرى عندما تتازم الامور وتحتاج الى استنهاض همم كانوا يستنهضون همة فئة معينة ويصيح المتوازي ( ها اخوتي العشاك .. وينهم ) فيتدافع الرجال ويتزاحمون حتى على الموت لان العاشق هو اول من يسترخص حياته من اجل قضية يقتنع بها حتى اذا كانت تخص اخر وانا كما تعلم عاشق اليس كذلك يا جاسم يا صديقي الشجاع .؟.
. سيدي التنوير بدأ يضيء منطقتنا من جديد واصوات الرمي تقترب منا اعتقد ان موجة ايرانية قادمة .
. اما آن لهذا الليل ان ينجلي .؟
. لم تبقى اكثر من ساعة وستكون المواجهة على المكشوف وعلى رأي العرب ( يحمد القوم السرى ) .
. جاسم اذهب الى حافة الفصيل الثالث وتاكد من وضع الرشاشة وعتادها واعدادها واطلب من امر الفصيل مراقبة الوضع وعندما يكون الايرانيين على بعد 400 متر يطلق صلية طويلة باتجاههم واخبر من تمر بهم ان لا يفتحو النار حتى يسمعوا صلية طويلة .
. امرك سيدي وقد يصل الإيرانيون قبل ذلك .
. اذهب وارجع لي في الحال .
اراد وزير الدفاع رفع معنويات القطعات والتغطية على الاعدامات التي نفذها بحق قادة ميدانيين وليعطي انطباعا لعزة ولغيره بأنه هو القائد ولا احدا سواه فطلب من قائد فق 11 تقديم اسماء ضباط ومراتب لتكريمهم برتب اعلى وانواط شجاعة وبشكل سريع يجب ان يتم قبل ظهر يوم غد فاستدعى قائد الفرقة امر لواء 47 وطلب منه اسماء سرية نقيب زكي ومن ضمنهم الشهداء والجرحي فاخبره بالموقف كاملا وكيف اصيب النقيب زكي ورفض الاخلاء ولم يترك الموضع الدفاعي وكيف قاتل جنود السرية عندما رأوا آمرهم يقاتل وهو جريح فاستبسلوا وصدوا خمسة هجمات حتى الرابعة صباحا ثم انكسرت على صخرة صمودهم الموجة السادسة قبل بزوغ الشمس بقليل .
تم اخبار وزير الدفاع بما جرى ونقل احد جنود السرية الجرحى للوزير وامر اللواء كيف بدأت المعركة وكيف كان عريف جاسم يتنقل بين المقاتلين ويقاتل ويقوي من العزائم وكيف كان حوشي مطير يهزج بهوسات ريفية تدفع الجنود الى الاستبسال وكيف قاد المعركة النقيب امر السرية بحنكة قائد خبير وناور واستخدم كل سلاح بمكان احتياجه وقد قاتل امر سريتنا بالبندقية والهاون والرشاشة والمسدس وكان وجوده امام السرية دافعا لان تستبسل وتصد الهجومات الايرانية المتعافبة .
. سأل وزير الدفاع امر اللواء .. هذا نقيب زكي من اهل وين .؟.
. عفوا سيدي نقيب زكي تكريتي .
. اريد اشوفه هو وسريته اليوم حتما وقبل الظهر ,
. امرك سيدي
. وصل النقيب زكي بذراعه المشدودة بفانيلة عريف جاسم حسوني ومعه خمسة جنود من كل فصيل الى مقر وزير الدفاع فاحتفى به وقلده امام كاميرات التلفزيون وبحضور بعض اعضاء القيادة العامة وقائد الفرقة وامر اللواء ثلاثة انواط شجاعة ورتبتين اعلى وحدد له موعدا لمقابلته بعد ان يعود الى بغداد ومنح الشهداء والجرحى نوطين شجاعة وثلاث رتب اعلى ومنتسبي السرية نوط شجاعة لكل منهم .
واصبح زكي صفوك الشمران ( المقدم زكي ) وعلى رأي احد مراتب السرية ( ماصايره حتى بافلام كارتون ) لم يمضي على وجوده اشهر بالجبهة يصير ( ماكو محط رجل على كتفه من النجمات ) بخت والله بخت .
احتفالية تكريم المقدم زكي على ارض المعركة وسط دوي المدافع ظهرت على شاشة التلفزيون في نشرة الاخبار الرئيسية فانتشر الخبر بالمنطقة واصبح بيت صفوك الشمران يكتظ بالمهنئين .

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=168593
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 05 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16