النشور المفجع
لم يقدر لهم أن يدفنوا بكرامةٍ كما أراد العُتُّلُ المتجبر الذي اختار لهم ميتة الكمد والحسرة، وكان له ما أراد. استودعتهم الأرض الرؤوم في رحمها وجمعتهم بين حناياها محرومين من زيارة حبيب مشتاق وملهوف ملتاع، ولم تتنشق أرواحهم البخور الأذفر ولم ترتوِ قبورهم من رائق الماء، ولم تسمع عندهم تراتيل يس والصافات.
حان وقت النشور المفجع. نعم فهم سينشرون لأكثر من مرة. ولكن لماذا ؟ إنهم يرومون أن يسمعونا ما حل بهم ونشاهد ما جرى عليهم من أليم الخطب. ولكن يا ترى من سيقوم بهذا النشور وهل سيُخرجون من الأجداث سراعاً ينسلون؟ مهلاً. مهلاً. لقد قوض الله لهم جنوداً في الدنيا من بني البشر انهمكوا في تقصي آثارهم وأرادوا لهذه الرفات والرميم أن تخرج من رحم الأرض الى ظاهرها بأبهى ما يكون، حتى توفر الفرصة كي تَنشر هذه الرفات ظليمتها وما جرى عليها عسى أن ترتوي من دمعة أم أو ولد أو زوجة حبيبة.
هذه المرة ليس من الملائكة، بل قوض الله لجنوده في الأرض بأن يقوموا بهذا النشور لتلك العظام وبانت للورى شكايتهم، حتى قد استطاع الأحبة من لثم ما بقي من تلك الأجساد. هدأ رنين المفجوعين وسكنت حشرجة الأرواح المكلومة، وتليت آيات القرآن لتهدئ من روع ما كُشف من ظلم وحيف جرى على تلك الأرواح البريئة. نعم لقد انكشف للورى ما أريد له أن يختفي من جرائم المأفونين من الطواغيت، وتليت اللعنات تترى عليهم تلاحقهم قبل لعنة الجحيم الأبدية. انتظرت الأرض كل ما جرى ودار ولم تصطبر على فراق هذه الرفات التي احبتها فهم أبناؤها ووديعتها، ودعتهم مجدداً للسكون والراحة بانتظار النشور الكبير.
شهداؤنا: لأرواحكم السلام.
أبطال مؤسسة الشهداء ، الطب العدلي ، اللجنة الدولية لشؤون المفقودين الجنود العاملين في كشف تلك الظليمة لكم كل ثناء وتمجيد.
أهالي الشهداء وأحبتهم: لكم كل العزاء والصبر والسلوان
|