ههنا مفهومان :
1- الاختيار الإنساني : يتمحور حول ملائمة الفعل الإنساني ، وانسجامه مع ما يراه مناسبا له ، وهي نظرية أرضية تبحث عما يناسب الإنسان من خيارات حياته ، وفقًا للواقع والاضطرار والوعي .
ومثاله تساؤل موسى (ع) من قوله تعالى : { أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا } .
و قوله تعالى : { أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا} .
وقوله : { قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا } .
فالتساؤل يكشف أن خيارات موسى ع لها أهداف أخرى لا تتناسب مع الحدث المتكوّن أمامه من قبل العبد الصالح.
2- الاختيار الإلهي (الأصلح) : مفهوم إلهي مرتسم بقدر وفقا لعلم الله بحقائق الافعال،ومحدودية قدرة البشر وقوانين السنن والاسباب والمسببات ، ويتفعل بالقضاء الإلهي .
ومثاله إجابات صاحب موسى لتساؤلاته، التي تكشف أن الاختيار الإلهي ناظر إلى معايير غائبة عن إدراك النبي موسى ع :
{ أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبً}.
{ وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا }.
و { وأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ }.
ويتحدد علم الله بالأصلح للإنسان من قوله تعال : {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا }.
المائز بين المفهومين : أن الأول مؤقت محدود الإدراك لحقائق
السنن الوجودية ، ظني النتائج .
والثاني دائم مطلق يقين النتائج ، إذ يرتسم بالقدر الذي يتناسب مع السنن المتكوِّنة ، ويتحقق بالقضاء كنتيجة لهذا القدر، فالله رسم للإنسان الطريق وهو مسؤول عن خياراته { إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} .
فالطريق إلهي ، والأفعال بشرية ، والنتائج جزاءات تكوينية { مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ * وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا * وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ}.
ذلك ما يكشف فلسفة وجود الشريعة ؛ لأنها أعلم بمصالح الإنسان من نفسه ، وأعلم بسنن الوجود كيف تعمل وطبيعة علاقتها بالفعل البشري ؛ مثل الرزق والحفظ والابتلاءات والعواقب . فهي سنن مرتبطة بطبيعة السلوك الذي يحدثه الإنسان.
|