• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : المقداد ( الصحابي والإمامي الكبير ) .
                          • الكاتب : يحيى غالي ياسين .

المقداد ( الصحابي والإمامي الكبير )

من الشخصيات المظلومة تاريخياً هي شخصية الصحابي الجليل والموالي الكبير للإمام علي عليه السلام .. المقداد بن عمرو رضوان الله تعالى عليه ..

وحسب قول أحد المشايخ الكرام ونحن في صدد الحديث عن المقداد ، أن سبب مظلوميته أنه لا عشيرة له .. !!  فافهم .

والمسؤولية تقع علينا بالخصوص نحن اتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام ، لأنه من رجال التشيّع ونجمٌ لامع في سماء الولاية العلوية المقدّسة ، فلا بد أن نرتفع بمستوى ذكره ومعرفته الى مستوى ذكر سلمان وأبي ذر وعمار رضوان الله تعالى عليهم في مجالسنا وكتاباتنا .. 

وللمقداد مواقف إسلامية عظيمة ، فهو فارس الإسلام بل كان يُعدّ بألف فارس ، وكانت بطولاته مشهودة في جميع معارك الإسلام وبالأخص معركة بدر ، وهو من الأربعة الذين تشتاق لهم الجنة ..

وهو رضوان الله عليه من حواريي أمير المؤمنين الأربعة ( سلمان وأبو ذر وعمّار والمقداد ) . ولو راجعنا رواية الإمام الباقر عليه السلام لوجدنا موقف المقداد في مسألة اغتصاب الخلافة من أمير المؤمنين وما حصل للبيت العلوي من انتهاكات.. يفوق موقف وتصرّف سلمان وأبي ذر وعمار ، الرواية : 

قال الباقر (ع) : " ارتدّ الناس إلا ثلاثة نفر : سلمان وأبو ذر والمقداد ، قلت - الراوي - : فعمّار ؟.. قال : قد كان حاص حيصة ثم رجع ، ثم قال : إن أردت الذي لم يشكّ ولم يدخله شيء فالمقداد .

فأمّا سلمان ، فإنه عرض في قلبه عارضٌ أن عند أمير المؤمنين (ع) اسم الله الأعظم لو تكلّم به لأخذتْهم الأرض وهو هكذا ، فلُبّب ووُجئت عنقه حتى تُركت كالسِّلعة ( الغدة في الجسم ) ، فمرّ به أمير المؤمنين (ع) فقال له : يا أبا عبد الله !.. هذا من ذلك ، بايع فبايع .

وأمّا أبو ذر فأمره أمير المؤمنين (ع) بالسكوت ، ولم يكن يأخذه في الله لومة لائم ، فأبى إلا أن يتكلم فمرّ به عثمان ، فأمر به ، ثم أناب الناس بعد ، وكان أول من أناب أبو ساسان الأنصادي وأبو عمرة وشتيرة وكانوا سبعة فلم يكن يعرف حق أمير المؤمنين (ع) إلا هؤلاء السبعة " . ( المصدر رجال الكشي ) .

ومسألة تفاضل الناس فيما بينهم مطلقة ولا تختصّ بفئة دون اخرى ، فالانبياء والأئمة الذين هم أكمل البشر يتفاضلون فيما بينهم ، قال تعالى ( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۘ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ ۖ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ۚ ) البقرة ٢٥٣ .  وعن الإمام الصادق ، عن أبيه عليهما السلام ، قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، وأبوهما خير منهما ) البحار ج٣٩ ص٩٠ .

وهكذا يتفاضل اصحاب الانبياء والأئمة فيما بينهم ، فورد عن الإمام الحسين ع ( فإني لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي ) الإرشاد للمفيد ج٢ ص٩١ .

ولقد تفاضل أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام فيما بينهم ، وكان الأربعة : سلمان والمقداد وأبو ذر وعمار لهم الأفضلية والمراتب العليّة رضوان الله عليهم ، ولقد اقترنت اسماءهم في أحاديث مدح عظيمة وردت عن النبي الأكرم والأئمة الأطهار وقد نقلها العامة والخاصة . ففي معجم الطبراني الكبير - من مصادر أبناء العامّة - حديث : " أن الجنة تشتاق إلى أربعة ، علي بن أبي طالب ، وعمار بن ياسر ، وسلمان الفارسي ، والمقداد بن الأسود رضي الله عنهم " .

وعلى غرار قاعدة التفاضل ايضاً ، نجد أن نفس هؤلاء الصفوة -الأربعة - يتفاضلون فيما بينهم ببعض الفضائل . فتارة يكون التفاضل بالعلم او الايمان او ثبات الموقف والعقيدة ..

وتميّز المقداد عليهم بأمر دقيق أشار اليه الائمة وهو : ثبات موقفه العقائدي اتجاه أهل البيت وعدم تزلزله في أحلك الظروف وأخطر المواقف مع الانقياد المطلق لهم والتناغم مع حركتهم في أدق اللحظات .. 

فقد يكون لأحدنا ايمان في الظروف الطبيعية ولكننا نهتز عند الهزاهز ، وقد نكون منقادين لهم صلوات الله عليهم في الأحوال الاعتيادية ولكننا قد نترك أوامرهم ونجتهد من عنديات أنفسنا بدافع العاطفة وغيرها .. أو نقوم بالتفكير بدلاً عن الائمة ونتمنى عليهم أن يقوموا بكذا وكذا ويستعملوا فضائلهم أو كراماتهم .. 

أمّا المقداد فلقد نجح في كل ذلك ، فلم يتزلزل ايمانه ولا انقياده ابداً وبدقة متناهية كما نفهم من الروايات والأخبار الواردة ، وخاصة رواية الإمام الباقر ع في أعلاه ..

ولا ينبغي أن نفهم الأفضلية لأحد هؤلاء الأربعة منقصة للآخرين بما نعرفه ونفهمه نحن عن النقص .. !! بل هو من باب : حسنات الأبرار سيئات المقربين ..  

فما يتميّز به المقداد عن باقي الخواص من أصحاب أمير المؤمنين ( سلمان وعمار وأبو  ذر ) - بشكل نسبي وحسب قاعدة حسنات الأبرار سيئات المقربين - كما قلنا أنه :

١. الثبات والطمأنينية والاستقرار في ولائه لأهل البيت عليهم السلام وخاصة لأمير المؤمنين ع .

٢. الدقة في الانقياد والطاعة ، فلا يجتهد في التصرف ولا يملي على أهل البيت تصرفاتهم حتى داخل نفسه .

وهاتان الفضيلتان هما بتوقيع وشهادة المعصوم عليه السلام ، فقول الباقر عليه السلام : " إن أردت الذي لم يشك ولم يدخله شئ فالمقداد " . وقول الصادق عليه السلام : " ما بقي أحد بعد ما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله إلا وقد جال جولة إلا المقداد فإن قلبه كان مثل زبر الحديد " . ويصفه الامام الصادق في لحظة الهجوم على أمير المؤمنين ع : " كان المقداد أعظم الناس إيماناً تلك الساعة " . وعنه عليه السلام ايضاً : " فأمّا الذي لم يتغيّر منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله حتى فارق الدنيا طرفه عين ، فالمقداد بن الأسود لم يزل قائما قابضاً على قائم السيف ، عيناه في عيني أمير المؤمنين عليه السلام  ، ينتظر متى يأمره فيمضي " . وعنه عليه السلام : " إنما منزلة المقداد بن الأسود في هذه الأمة ، كمنزلة ألف في القرآن لا يلزق بها شئ " . فهذه قلائد شرف من المعصوم لهذا الصحابي والإمامي الكبير ..

☆ درس دقيق في الولاء نتعلّمه من المقداد :

سلمان المحمدي وأبو ذر أكثر إيماناً من المقداد رضوان الله عليهم ، قال الإمام الصادق عليه السلام ( الإيمان عشر درجات ، فالمقداد في الثامنة وأبو ذر في التاسعة وسلمان في العاشرة ) . البحار ج٢٢ ص٣٤١ .

ولكن قد تغلّب المقداد عليهم بشيء دقيق ، بنظرنا يُعتبر منقبة لسلمان وأبي ذر ، في حين اعتبرها الائمة نوع من المؤاخذة عليهم وفاز بها المقداد .. وهذا درس بليغ ودقيق لا بد من أن نتعلّمه من المقداد في الولاء والاتّباع وهو :

● بالنسبة لسلمان المحمدي ، فإنه تمنّى أن يستعمل أمير المؤمنين الإسم الأعظم في مجابهة القوم والدفاع عن مظلوميته . 

وعلى الرغم من أن هذا نوع من الإيمان العالي بمنزلة وكرامة أمير المؤمنين ع ومقامه العالي .. وذلك بإمتلاك الإسم الأعظم ، فقد ورد :  " إن اسم الله الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفاً ، وإنما كان عند آصف منها حرف واحد ، فتكلم به فخسف بالأرض ، ما بينه وبين سرير بلقيس ، ثم تناول السرير بيده ، ثم عادت الأرض كما كانت أسرع من طرفة عين ، وعندنا نحن من الإسم أثنان وسبعون حرفاً ، وحرف عند الله استأثر به في علم الغيب عنده " . الكافي : ج١ ، باب ما اعطي الأئمة عليهم السلام من أسم الله الأعظم ، حديث ١ .

ولكن مجرد تمنيّه استعمال الإسم الأعظم من قبل أمير المؤمنين فيه نوع من الإملاء على الإمام او الاعتراض على عدم الاستعمال .. لو تأملنا . 

ولعل هذا من إشارات ما ورد عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله : " يا سلمان لو عرض علمك على مقداد لكفر ، يا مقداد لو عرض صبرك على سلمان لكفر " . البحار ٢٢ ، ص٣٥٣ 

● أمّا أبو ذر : فإنه قد غلبت عليه عاطفته وتكلّم على الرغم من الإمام قد أمره بالسكوت .

ورغم أن هذه العاطفة تنمّ عن ولاء عالي وغيرة طاغية لو صحّ التعبير ، الا أنه رغم ذلك لا يغفر لمثل ابي ذر مخالفته لأمر الإمام . 

● أمّا المقداد فكان أكثر صبراً وتسليما ، وهذا نص رواية الإمام الباقر ع والتي ذكرناها في الأعلى ..

☆ اشتياق الجنّة للمقداد

المقداد أحد الأربعة الذين تشتاق لهم الجنّة بنص رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقد جاء في معجم الطبراني الكبير : "  أن الجنة تشتاق إلى أربعة : علي بن أبي طالب ،  وعمار بن ياسر ، وسلمان الفارسي ، والمقداد بن الأسود رضي الله عنهم " . وكذلك راجع الخبر في بحار الأنوار ج٣١ ص٦٢٧ .

والشوق هو ( حركة الهوى ) كما في لسان العرب لإبن منظور ، ويمكن ان نفهم الاشتياق هنا كناية عن :

١. الاستحقاق العالي للجنة .

٢. الاشتياق يحصل عند الابتعاد بعد الحضور والوصال ، فهمّ اذن معرّفون عند الجنّة ، ولا أحسب أنها غير ولاية أمير المؤمنين عليه السلام ، لأنها الجنة في نسختها الدنيوية ، في الخبر : " قال رجل في المجلس : أسأل الله الجنة فقال أبو عبد الله عليه السلام : أنتم في الجنة فاسألوا الله أن لا يخرجكم منها ، فقالوا : جعلنا فداك نحن في الدنيا ؟ فقال : ألستم تقرّون بإمامتنا ؟ قالوا : نعم ، فقال : هذا معنى الجنة الذي من أقر به كان في الجنة فاسألوا الله أن لا يسلبكم " . ( بحار الأنوار ج٦٥ ص١٠٢ ) .

٣. قد تكون كناية عن السرعة التي يقترب بها الى الجنة ، بإيمانهم وأعمالهم .. 

٤. يمكن أن نفهم بأن هذا سيحصل بعد دخولهم الى الجنة ، فكلما كانوا في درجة اشتاقت لهم الدرجة التي تليها .. وهكذا . عن الإمام علي (عليه السلام) : " إن أهل الجنة ليتراؤون منازل شيعتنا كما يتراءى الرجل منكم الكواكب في أفق السماء " . ( ميزان الحكمة ج١ ص٤٣٢ ) .

.. غديركم مبارك ، ثبتّنا الله على ولاية أمير المؤمنين عليه السلام




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=170705
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 07 / 19
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28