• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : قراءة في كتاب .
                    • الموضوع : الصبي والعجوز . قصة يكتبها القاص محمد سمارة .
                          • الكاتب : محمد سمارة .

الصبي والعجوز . قصة يكتبها القاص محمد سمارة

علی حافة النهر كان صیاد عجوز يقف وجيدا . ولم تكن

الوارس التي اخدت تغوص الى صفحة النهر ، قد كفت عن

الزعيق بعد . راقبها الصياد وهي تتعارك في الفضاء ، متأملا

اجنحتها الفضية التي أخذت تنثر حولها رذاذا يتوهج تحت أشعة

الشمس الدافئة . ونظر الى السكة الصغيرة - سبب العراك – وهي

تفلت من المناقير المشرعة ، و تتلوى في الفضاء كدودة صغيرة

. و تسقط في النهر ، وبدت السفن الراسية على الجانب

الآخر وهي تنفث دخانها الأسود كما لو كانت جبالا متحركة

تأملها الرجل مبهورا ، وشعر بتلك الرهبة الغامضية التي تتملكه

أحيانا إذ ننظر الى تلك السفن السود الضخمة ، فيستمع الى

هدير سكائنها تحت الماء ، وينظر الى الموج؛ إذ يندفع بعنف الى

الشاطىء مبللا ساقيه العاريتين . فكان يبتعد متذمرة ، حاملا عصاه

ذات الصنارة ، وقد خيل اليه أن الدنيا ستغرق ؟

يتأمل السفن وهي تغادر المرفأ أو ترسو بينما الرجال

ينتحركرن فوق ظهورها كمجموعة من النمل . ويتساءل عما إذا

كان .. يراه نملا فعلا ؟

يظل يرقب المشهد شاردا، ناسيا المنارة في الماء ويتساءل ثانية

ولكن أين تذهب هذه السفن العملاقة كل يوم ؟

بعد قليل ، وكان الصياد يستعيد ذلك ، برز من وراء الهضاب القريبة الواطئة صبي ذو عينين خرزيتين , حليق الرأس

يحمل بيده حقيبة جلدية متهرئة ، وكان يلهث . توقف الصبي

وراح يرقب الفلينة الطافية . وقال بشكل فجائي :

لم لا تسحبها ؟

فوجىء الصياد . التفت الى الصبي : يا إلهي .. من أين خرجت ؟

أشار الصبي الى الفلينة : أقول انها تهتز . لماذا لم تسحبها؟

رفع الصياد الصنارة كالمخدر، وكانت خالية إلا من طعم

يتدلى من طرف الخيط السائب .

ابتسم الصبي : هل أنت صیاد ؟

تردد الصياد ، نفث سحابة من دخان لفافته ، وتأمل قدمي

الصبي العاريتين ، ورأسه الحليق ، ودشداشته المتسخة . قال :

انك تلهث . لماذا ؟

كنت أطاردها ، لقد كانت فراشة ذات ألوان مغرية

رسم الصياد على وجهه دهشة مصطنعة ، قال : وهل طاردتها

حتى هذا المكان ؟

-ليس تماما ، لقد افتقدت أثرها فقط ، کنت كلما قاربت أن

أقبض عليها رفرفت مذعورة .

- ولماذا فعلت ذلك ؟

- آنها هواية . اليس جميلا أن نلصق الفراشات في الدفتر ،

ناظرين إلى ألوانها الزاهية ، وغبار أجنحتها ، الطحيني الأبيض ،

 

متأملین كل صنف . لقد قال المعلم ان ذلك يخلق فينا حب

الاستطلاع .

لوح الصبي بيد حائرة ، و بهره نورس غاص الى النهر ،

والتقط سمكة صغيرة ، وارتفع محلقا . هتف الصبي معجبا ،

ودار حول نفسه بمرح ، فانتفخت دشداشته ، وكان الصياد يرقب ذلك ويبتسم . قال : من أين جئت

-من تلك القرية

والتقت مشيزة باتجاه بيوت طينية صغيرة تلمع رؤوسها

الصفيحية عند الأفق . استدار الصياد ، وظلل عينيه براحة يده

تأمل البيوت باسمة : آه .. يا لك من ولد محظوظ . آن قريتك

تشبه عقدة صغيرة من اللؤلؤ . ولكنك ابتعدت عن قريتك كثيرا.

ألا تخشى العودة بمفردك ؟

-كلا . لماذا ؟

-هل أنت هارب من المدرسة ؟

ارتبك الصبي.. أخفي حقيبته خلف ظهره ، وراقب الفلينة

و هي تتموج فوق سطح الماء . قال : انني شاطر في الدروس .

لكنني مللت فقط .

ألقى الصياد لفافته ، وراقبها وهي تطشطش في الماء ، ثم تناول

من علبة صدئة لفافة أخرى وأشعلها . قال :

-لقد كنت في يوم ما أهرب مثلك . والنتيجة اني نسيت

حتی حروف الهجاء .

-لكنني أعرفها جيدا . انتي في الصف الرابع . هل كنت أنت في

الصف الرابع ؟

-أوه . کلا ، كلا . أيامها لم يكن أي صفة إطلاقا . كنا

نجلس على الأرض ، ونكتب بقطع من الحجارة ، وفي النهاية

نتبول على أنفسنا دون أن ندري .

کرکر: الصبي ، واقترب من الصياد ، وقد شعر بشيء من

الألفة ، وجلس . وعلى الشاطيء الآخر كانت السحب الدخانية

تخرج من فوهات السفن لتؤلف أشكالا مبهمة وتذوب . زعقت

إحدى السفن وهدرت مراوحها تحت الماء ، وخيل للصبي أنها

حیوان خرافي جريح . وكانت النوارس لا تزال تصخب في

الفضاء , مرفرفة بأجنحة بيض ، ناشرة أقواسا من الرذاذ المتوهج،

وكان الهواء الربيعي يأتي من جهة الشرق مشبعة برائحة القداح

ورطوبة الأعشاب ، فيما ظهر على امتداد الأفق – خلف الصبي والصياد

- عشرات من أشجار البرتقال، تستدق رؤوسها كلما

اقتربت من الأفق حتى تتحول أخيرا إلى نقطة خضراء متوهجة

قال الصبي : هل تصيد كثيرا من السمك كل يوم ؟

لم يجب الصياد . راقب الفلينة التي أخذت تهتز ، وما لبث

أن سحبها . وإذ خرجت فارغة . ضحك بفتور : يبدو أن لدى السمك من الذكاء ما للانسان

. هل تصدق اني لم أصطد حتى ولا ضفدعة منذ ساعة ؟

ضحك الصبي ثانية ولوح بحقيبته . قال : ربما كانت هذه

البقعة خالية من السمك . هل انت صياد ؟

وضع الصياد طعما جديدا في السنارة : ليس تماما و اني

أولا أحصل على وجبة غذائي الشهية . وما يتبقى فهو للبيع ,

وهل تاكل سمكا كل يوم ؟

-آه .. انها الوجبة الأثيرة لدي".. فحين اقف في المطبخ

وانظر الى السمك في المقلاة و أشعر بسعادة غامرة : انها متعة

أن تنظر إلى ما اصدته فيما يملؤك إحساس بالبطولة .

-ولكن لم لا يقوم بذلك سواك ؟ أعني يساعد في البيت ؟

-ومن هو الذي يقوم بذلك ؟ لقد كبروا جميعا ، وانصرفوا

إلى زوجاتهم . أما هي فقد خلفتني وحيدا منذ سنوات .

- هل تعني زوجنات ؟

أجل ؟

وأين ذهبت ؟ هل تعني أنك طلقتها ؟

-كلا . ماتت .

رجم الصبي برهة . نظر إلى وجه الرجل المتجمد ولحيته

التي نبتت كالشوك، وتساءل فيما إذا لم يكن ثمة من يسأل عن

هذا الرجل لو غاب عن البيت ، أو حتى لو مات . وفكر في

أن يكون الانسان، حرا من كل قيد ، وقال :

-حسنا . أن أمي ميتة .

انتبه العجوز . التفت إلى الصبي الذي ترك حقيبته تسقط

إلى جانب ، قال :

-منذ متى

-في السنة الماضية .

-وأبوك ؟

-انه في الحقل كالعادة , يذهب في الصباح ولا يعود الا بعد العصر

-ومن يعتني بك في البيت ؟

-أحيانا أبي ، وأحيانا أخرى عمتي .

-لكنك تجد من يرعى شؤونك على أية حال . هل تدري انني

أقوم بكل شي وحدي ، أنهض كل صباح لأكنس الغرفة ، وأعد

طعام الفطور ، وفي الغداء والعشاء أفعل الشيء نفسه . أما غسل

الملابس فائني أقوم به وحدي أيضا . هل جربت أن تقوم بذلك وحدك ؟

-انني أعرف أن أقلي البيضة فقط .

وقد قالت عمتي أنني إذا انتبهت اليها وهي تطبخ ، فانه سيكون في مقدوري أن أفعل. مثلها تماما .

-ذلك صحيح ، ففي البداية ، وحين وجدت نفسي وحيدا ،

قلت أن ذلك سيكون شاقا بالنسبة لرجل مثلي . وكنت أدور في

المطبخ کسمكة دائخة . لكنني استطعت فيما بعد أن أفعل كل

شيء دونما تعب .

-وهل حزنت كثيرا حين فقدت زوجتك ؟

-طبعا .

-وهل شققت ثيابك وبكيت ؟

-يا إلهي . ولم ذلك !

-لكنني فعلت ذلك . شققت ثيابي حين رأيتها مسجاة أمامي ،

فيما عيناها البيضاوان تشخصان إلي . هل تراها كانت

غاضبة مني ؟

 

-كلا . لماذا ؟

-ربما لأنني كنت أتهرب من المدرسة أو أتعقب الطيور دون

أن أستمع الى نصائحها بالكف عن ذلك . أتزاها ، صفحت يعني ؟

هتف العجوز : أجل . ولا شك أنها كانت سعيدة وهي تراك الى جانبها .

**************

لم يكن الصبي والعجوز قد كفا عن الحديث بعد، وكانا

قد انتقلا الى مكان آخر حيث جلسا على صخرة ، وقد أدليا

أقدامها في الماء ۔ فبديا من بعید کطيرین مهجورین . وفکر

الصبي في روعة أن تمضي النهارات هكذا : هواء ربيعي، و بواخر عملاقة و نوارس نزقة ونهر يجري .

وقال متأملا المياه الجارية : هل هذه البقعة عمیقة ؟

ضحك العجوز : أنها تغرق جيلا إن شئت .

-ولكن ألا تخشى الغرق ؟

-من . أنا . ولماذا ؟

-لأنك لا تجيد السباحة .

حلق العجوز مندهشا : ومن أدراك ؟

-لا أحد . تكهنت بذلك

-فعلا . أنا لا أجيد السباحة .

-لكنك حياد ۰

أشعل الصياد لفافة جديدة . قال : حسنا . انه الشيء الوحيد الذي ندمت حقا لأني لم أتعلمه .

راقب الصبي الفلينة التي لم تهتز بعد .والمياه التي سكنت بعض الشئ . وهمس :

ـ هل فكرت بأن هذا النهر سيتوقف عن الجريان يومآ ويجف؟

تفاجأ العجوز :ياإلهي . ولماذه يجف؟ انه يجري منذ مئات السنين . بل قبل أن تكون المدن والناس والدنيا .

ـ لكنني أتخيـَّل الانهار جافه بينما السمك الميت يرقد في القاع . وقد شخصت عيونه الحمر في الفراغ .

ـ ولكن لماذا ؟

ـ لا أدري . ربما أنني تمنيت ذلك أول مرة وأنا أرى أمي تُدفن في المقبرة قرب النهر . فقد خطر لي ساعتها أن المياه ستغـيـّر مجراها . وتتجه الى المقبرة حيث أمي . وفيما نكون نحن في البيت تكون أمي شاخصه العينين . رافعهّ يدين مستغيثتين دون أن يكون ثمة من يسمعها .

وتردد الصبي لحظهّ وصـَمـَتْ . تأَمـَّله الصياد بدهشة . قال

- كم لك من العمر ؟

-ثلاثة عشر عامآ .

-وباء . ولماذه تتعب رأسك ؟ هل تدري بماذا أفكر أنا إذ أتهيأ للنوم ؟ انني أنظر من خلل الضوء الخافت الى ثيابها المعلـَّقة على المشجب . وأقول ربما هي ستعود في يوم ما لترتدي تلك الثياب . وتتزيـَّن ، حيث تتحدث في ما تحب : لقاؤنـا الأول ، ويوم زواجنا ، والبيت الذي كنا نخطط لبنائه . وحين أصحو

من تهويمتي ولا أجدها ، أقول ربما هي ستعود في يوم أخر .

وما هي إلاّ دقائق حتى أغفو وتأخذني سحابة من الأحلام الهادئة ، ثم أنهض من النوم صباحآ لأباشر الحياة من جديد . هل فكرت يومآ أن أمــَّك ستأتي لتقبـَّلك؟

-كلا . انني أفكر أنها حزينة تبكي .

- ولماذا ؟

- لكنها أمي . ألم تفعل أنت ذلك؟

-حسنآ . لقد نظرت أة الى زوجتي بألم ، وحملتها حيث القبر ودفنتها . وعدت الى البيت . هل كان في مقدوري أن أعيدها الى الحياة ولم أفعل ؟

ور ان الصمت برهة . وكانت الريح الخريفيه تهب هادئة ،

وكان الصبي ينظر بين لحظه وأخرى الى البيوت الطينية التي ما فتئت رؤوسها تلمع عند حافة الافق . وتساءل فيما إذا كان ما يقوله هذا الرجل صحيحهآ؟

راقب البواخر وهي تتهيأ للرسو ، ومجموعه الطيور التي تؤلف في الفضاء مثلثآ يتجه الى مكان ما ، فيما أصواتها الموحدة تأتي واضحة (قاق. قاق.قاق) وأجنحتهز تخفق بهدوء وتنعكس عليها أشعه الشمس فتبدو كقصاصات من الورق الملون . وهمس: من أين لهذه الأجنحة القدرة على الاستمرار؟

وكانت الطيور قد أصبحت بعيدة جدآ قطرات مائية تذوب . راقبها الصبي بصمت حتى اختفت . أشار باتجاهها:

هل هي تعرف الى أين هي ذاهبة؟

 

أجاب الصياد دون أن يلتفت : آه . هل تقصد الطيور ؟ وماذا تقول أنت؟

-أقول أنها ستتعب أخيرآ.

ابتسم الصياد : وتكون قد وصلت الى غايتها.

- ولكن الى أين هي ذاهبة ؟

- انها تعرف طريقها على أية حال.

نظر الصبي الى قرص الشمس و الأفق الذي بدا كبحيرة ملونة كبيرة . وهمس : يخيـَّل إليّ أنها تبغي قرص الشمس.

القرص الذي سيعُطس عما قليل في تلك البحيرة الهادئة ، ويحو ّل المياه الى ليرات ٍ ذهبية متوهجة . ثم تأتي الطيور لتخفق بأجنحة هادئة ، وتستحم بها . وإذ هي ترفرف صاعدة الى أعلى ينظر

الناس ضاحكين متسائلين : هل تبغي هذه الطيور الشمس حقآ؟

كان قد مضى على مجئ الصبي الى النهر أكثر من ساعة، مع هذا لم يكن قد رأى الصنارة تخرج بصيد ٍ ما . وإذ رفع الصياد للمرة العشرين صنارة خائبه ، ابتسم الصبي بفتور مراقبآ الطعم المتدلي من طرف الخيط ، والنورس الذي يلازم هذا العجوز اليوم ؟ وكان التعب يبدو واضحآ على الأخير الذي وضع الصنارة الى جانب ، وشرع يدخن لفافته بشرود . تناول الصبي الصنارة بحذر ، فحد ّ جه العجوز بنظرة غائمة . وقال : هل تبغي

الصيد أيها الصبي الهارب من المدرسة ؟ آه ..حسنآ . جرب .

جرب ّ . من يدري فربما اصطدت حوتآ . ولكن دعني أولآٓ القم الصنارة طـُعمآٓ .

بعد قليل ، وكان أحد النوارس يغوص مرتدآ ، مرتفعآ بسمكة ، لمعت في ضوء الشمس ، كان الصبي يرقب الصنارة والفلينة التي إهتزت بشكل غير طبيعي . صرخ فجأة . وبحركة ٍ لا شعورية إندفع الى الوراء ، فاضطربت بشدة في يده وكادت تفلت . غير أن الصياد الذي سمع الصرخة رمى لقافته ونهض مرتبكآٓ فرأى الصبي يعالج سمكة كبيرة انزلقت على الجرف وراحت تتلوى على الصخور . أمسك بذيل السمكة ، فانزلقت ثانية ، واندفعت الى الماء غير ان الصبي جذب الصنارة متراجعآٓ الى الوراء ، ساحبآٓ معه السمكة . وصاح العجوز : اسحب .. سحب.. ابتعد عن الجرف . انها سمكة بحجم حصان.

غير أن السمكة لبطن ، فارتفع جسمها الى أعلى وسقطت ثانية على الجرف ، فاندفع العجوز – لا شعوريآٓ - في محاولة للامساك بها، فزلـَّت قدمه ، واندفع جسده كصخرة ٍ كبيرة الى النهر

حين كان الصبي يعطي ظهره للنهر متجهآ الى البيت حاملآ السمكة ، كانت الريح تهب في وجهه هادئة ، بينما الطريق تتمدد أمام بصره ، وتنتهي بمجموعة من البيوت الطينية ، وبين الفينة والفينة تتناهى اليه أصوات مجموعة جديدة من الطيور

البيض حلق في الفضاء .مؤلفةً مثلثآٓ طائرآٓ ، بينما الأصوات . اتأتي اليه واضحة . قاق. قاق. قاق . ظل الصبي يتأمل أجنحتها الفضية . وصدورها المغزلية المنسابة بخفة الى جهة الشرق . وإذ حانت منه التفاتة حتى ان الصبي لم يصد ّق أن رجلآٓ مات فيه الساعة . وراح يتخيل عيني الرجل المذعورتين ووجهه الذي تحو ّل الى لون الشمع ،ويديه اللتين ارتفعتا الى أعلى برعب بينما الماء يجرفه الى العمق . وكانت الفقاعات المائيه تتفجر حواليه الواحدة اثر الأخرى ، ويخيم الصمت . وأدرك الصبي أن كل شئ قد انتهى وان رجل قد مات . وحين تلفــَّت حواليه ليستنجد لم يكن ثمة أحد بلمرة ، وفكر وقد أربكه الخوف بأنه لم يعد في الرأس يصلح لأن يقال . وكانت السمكة ما تزال تلبط على الجرف ببطء فيما الصنارة التي سقطت في النهر تطفو على سطح الماء الهادئ .

حمل السمكة وأرسل عينين خائفتين الى مجموعة طيور تمدّ مناقير سمرآٓ . لبرهةٍ فوجئ بطير يتخلـَّف عن المجموعة ويهوي الى أسفل ، مفردآٓ جناحيـه الى جانب ويختفي بين مجموعة أشجار عالية . وهمس بصوت ٍ مندهش: ما الذي جرى ؟

لكنه دهش أكثر إذ رأى المجموعة ، وقد مد ّت مناقير مطمئنة فيما أجنحتها تخفق في الفضاء كما لو لم يحدث أيما شيء . نظر الى قريته التي بدت على مرمى البصر ، فبدت كلوحة مؤطرة ، وكان في وسعه أن يسمع صخب الأولاد وصياح الدبكة ،ولغط الفلاحين . ابتسم في سر ّه ، قاطعآٓ مرتفعآ ترابيآٓ يشرف

على البيوت التي أصبحت في متناول يده . وضع السمكة الى جانب ، واتجه الى حيث يلعب الأولاد ، وكانت عيناه الخرزيتان تمتلئان بوهج الشمس التي مازالت ساطعة .




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=170943
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 07 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20