• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : قراءة في كتاب .
                    • الموضوع : قراءة في رواية نساء يوسف الحلو .
                          • الكاتب : ساطع راجي .

قراءة في رواية نساء يوسف الحلو

تقنيات الكتابة هي أدوات مراوغة طويلة للإفلات من المعنى الواحد لكنها تترك في الطريق مفاتيح نصية يستخدمها القارئ للفهم وهو يظن إنه وصل الى المعنى لكن تعدد المفاتيح النصية تؤدي بالضرورة الى تعدد التأويلات والقراءات، وفي رواية (نساء يوسف الحلو) للكاتب حسن العاني تتكاثر المفاتيح السهلة حتى إن القارئ يتسرع في التأويل لكنه يصطدم مرة بعد أخرى بمفتاح جديد يدفعه للتراجع، وحتى عندما يعتقد إن الحكاية اكتملت بنهاية الفصل الاول (الفصل الكبير) يصطدم بالفصل الثاني (الفصل الصغير) المكون من 12 صفحة فقط ليهدم الحكاية التي تدفقت في 145 صفحة.

تأويلات دينية

في الفصل الاول (الكبير) يطالع القارئ رواية متكاملة، فيها الكثير من الترميز الذي يدفع الى تأويلات دينية ونفسية لسيرة ذاتية يدونها يوسف الملقب بالحلو لجماله، وتدور كل سيرته حول علاقاته بالنساء، التي تنقسم الى علاقة دائمة واحدة وطويلة من يوم ولادته بـ(منيرة) وعلاقات اخرى عابرة، وعلاقة يوسف بمنيرة تشبه علاقة النبي يوسف بزليخة زوجة العزيز، فهي علاقة أمومة/تربية أولا لكن الفرق ان يوسف هو من يقدم على الغواية وتتحول العلاقة بين المربية وربيبها الى علاقة زوجية سرية ثم معلنة بعد التخلص من زوجها، وخلالها تعرف (منيرة) بكل العلاقات الاخرى ليوسف ومحاولاته للزواج وتساعده فيها حتى تنتهي الحكاية بيأس يوسف من اي زيجة علنية لتصبح منيرة زوجته الرسمية رغم انه طوال الرواية يسميها (ماما)، وهو ما يدفع الى اعادة قراءة النص، قراءة أوديبية نفسية.

وفي هذا الفصل تتعد المدونات، أولا الرواية الكلية، ومدونة يوسف، ومدونة الذاكرة التي تتدفق خارج كل سيطرة ويبدو المدون يوسف عاجزا عن كبحها، وهذه التعددية المربكة تهيء القارئ للمفاجآت.

في الفصل الثاني (الصغير) تقوم إبنة يوسف (إسمها منيرة أيضا)، وصديقه الناقد صباح إسماعيل بتحليل ما كتبه يوسف الذي كان يقول انه يكتب رواية لكن الإبنة تعتقد انها سيرة ذاتية أما الصديق الناقد فينفي انها سيرة صديقه ويرى ان المدونة لا تنتمي الى الادب عندما يقول {يوسف لا يتخيل إنما (يتهيأ) له و”التهيؤ” يعادل “الواقع”…إن من “يتهيأ” له يعتقد إعتقادا أكيدا بأن تهيؤاته قد حدثت فعلا…أما صاحب الخيال…فيعرف بإنه يهب نتاجه الروائي او الابداعي وقائع وحوادث وأحداثا وصورا من عنده لا تمت الى الواقع بصلة} الرواية/ ص 153.

ليكون القارئ أمام عملية تقويض للنص الذي يتناثر تماما في نهاية الفصل الثاني فلا يعرف القارئ إذا كان قد قرأ سيرة يوسف الحلو او روايته أم مجرد تهيؤات أنتجتها حالة يوسف النفسية بعدما ضرب رأسه بفخارة عندما توفيت منيرة.

تضع رواية حسن العاني بين يدي القارئ درسا تطبيقيا للرواية ونظرياتها وفي آليات تنصل الكاتب من محمولات نصه وطريقة تدمير النص للتهرب من معناه او معانيه، ومثلما يلتبس على منيرة الإبنة جنس النص، فيما إذا كان رواية يوسف أم سيرته، يلتبس على القارئ فيما إذا كانت منيرة أم يوسف فعلا أم مربيته (كانت تتحرق شوقا لمجيء الاربعاء برغم مصدات الاحساس المدمرة بالامومة/ ص104 وفيما إذا كانت زوجته أو إبنته (وغير مرة سألني إن كنت أنا ماما منيرة/ص156)? ولأن علاقات يوسف النسائية (التي نعرف في الفصل الثاني ان معظمها متخيلة) تسير دائما على حافة المحرم يمكن النظر الى تقويض النص بإنه كناية عن تقويض المجتمع وتقويض الذات أيضا، وما يدعم هذا ان يوسف تمكن من إقامة حاجز صلب بين حياته الشخصية والحياة العامة (حياة المجتمع) التي لا يتسرب منها شيء الى مدونته، رغم إنه شاعر وقاص وصحفي محترف (ص93)? لنجد إن كل ما في النص يدور حول رغبات وأحلام وأحزان يوسف، ويخلخل الزمن السردي والواقعي ليفلت منه كما يفلت من سطوة المكان ليسكن (اليوسفية) القريبة من بغداد ولا يمكن تجاهل المقاربة اللفظية بين إسمه ومكانه، ونعرف لاحقا في الفصل الثاني إنه لم يسكن اليوسفية، فهو ليس المكان الواقعي الموجود جنوب بغداد ولا المكان المتخيل روائيا بل مكان التهيؤات، كما ان الزمن الخارجي/الواقعي هو زمن متخيل أو ملغى حيث لا يحدث شيء خارج تهيؤات ورغبات يوسف، لا شيء عام يعكر انسيابية حياته (يوم الاربعاء المقبل دوامي صباحي، والخميس عطلة ما أعرف المناسبة..الحقيقة نسيتها والجمعة عطلة..وحقي ما يضيع طبعا/ص103) وتقصي ذاكرته جميع الاشخاص الذين لا يخدمون رغباته وظهورهم في النص يتعلق فقط بتحقيق هذه الرغبات.

بعد عملية التقويض التي يتعرض لها النص تبدو كلمة “رواية” ليست تجنيسا للنص بل قناع لوثيقة/مدونة نفسية معروضة للعامة (القراء) وهي لا تبحث عن معالجة بل مكاشفة عن الذات التي تتقنع بالابداع للتعبير عن مكبوتاتها ونزعتها التدميرية، بالتخلي عن العقل عندما ضرب رأسه ففقد عقله (ص147) ومحرمات الدين والمجتمع وقوانين الكتابة وخلخلة حدود الزمان والمكان، فلا يعرف القارئ العمر الحقيقي ليوسف ولا مكان سكنه.

ذاكرة ثقافية

وبالعودة الى بداية النص، يضطر القارئ لطرح مزيد من الاسئلة، في العنوان: هل كان يوسف حلوا أم كان يتمنى ذلك؟ رغم ان يوسف والجمال صنوان في الذاكرة الثقافية، وفي الاهداء الذي يوجهه الكاتب الى (صباح إسماعيل)، ولأن الاهداء من تبعات المؤلف الشخصية هل كان (صباح إسماعيل) الذي وجه له الكاتب الاهداء والشكر شخصية حقيقية؟ ومن هو الذي وجه الاهداء والشكر، كاتب الرواية أم يوسف الحلو؟، وهو سؤال ممنوع في تقاليد القراءة لكن ظهور إسمه في منطقة برزخية في النص تشرعن السؤال، ونص التنويه في ص7? المتضمن اعتذارا عن ازاحة الستارة قليلا عن نساء يوسف الحلو، الذي نستعيد قراءته اضطرارا بعد اكمال قراءة النص يقوض القراءة مثلما تم تقويض النص في الفصل الثاني.

النص الذي يدونه يوسف الحلو يتمكن من العزل بين الخاص والعام، حياة الفرد ونظام المجتمع، وتكون المدونة نوعا من يوتوبيا فردية يتمكن فيها السارد من قمع المجتمع وإسكات صوته ورفض قوانينه وحدوده، إذ لا نجد طوال المدونة من يقف ضد احلام ورغبات يوسف مهما كانت إشكالية ومعقدة ومحرجة، ليرد المدون على قمع المجتمع للفرد بقمع سردي ضد المجتمع الذي يختفي صوته طوال المدونة التي تواجه المجتمع حتى عبر جنسها الهلامي، فهي لا تقبل تعريفا ولا تقنع بحدود جنس أدبي واحد لتكون كناية عن غياب الحدود بين الشخيات أو في العلاقات.البناء السردي في رواية “نساء يوسف الحلو” يدعم تعددية القراءة وتكاثر المعاني ويفتح منفذا للبحث عن الدافعية الابداعية، وتكاد الرواية ان تمثل سؤالا مفتوحا عن سبب الكتابة.الرواية صادرة عن منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق/2022




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=172105
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 08 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28