• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : النقد الاسلامي لمذاهب الأدب الغربي - 1 .
                          • الكاتب : ا . د . عبد الكريم أحمد عاصي المحمود .

النقد الاسلامي لمذاهب الأدب الغربي - 1

(الكلاسيكية ، الرومانسية ، البرناسية ، الرمزية)

نقد المذهب الكلاسيكي :
   إن المذهب الكلاسيكي قام أصلاً على محاكاة أدب قدماء الأغريق والرومان ، وهو ادب وثني يدين بتعدد الآلهة ويؤمن بالصراع بينها من جهة وبينها وبين الانسان من جهة اخرى . ولا يخفى على مسلم ما في هذا الادب من عبادة للأوثان التي جاء الاسلام لاجتثاثها من جذورها والقضاء عليها إلى غير رجعة . ومن ارتباط الكلاسيكيين بالأدبين اليوناني والروماني وتأثرهم بالروح الوثنية فيهما ، فقد صوروا القدر في صورة ظالم شديد يقوم على الكيد للانسان وايذائه وهذا مخالف للتصور الإسلامي ورؤيته الناصعة ، ومما يؤخذ على هذا المذهب أن أتباعه انصرفوا – غالباً – عن  مشكلات الحياة الاجتماعية والسياسية ووجهوا اهتمامهم إلى الطبقة الارستقراطية العليا في المجتمع دون الاهتمام بالطبقات الاخرى . في حين يدعو المنهج الإسلامي إلى ادب لايقتصر على فئة من الناس بل يهتم بهم جميعاً ويعالج مشكلاتهم المتنوعة ، ويكاد الكلاسيكيون يقصرون اعمالهم الادبية على الجوانب المادية من حياة الانسان وما يدور حول هذه الجوانب من العواطف والمشاعر . أما الجوانب الروحية وما فيها من تألق وصفاء فهي لا تحظى بشيء من اهتمامهم . والادب الإسلامي يعطي الحياة المادية حقها كما يعطي الروح حقها أيضاً بل إن حقوق الروح عند الأديب المسلم تنال الحض الأوفى من الاهتمام . 
   أما عن ارتباط الادب الكلاسيكي بالمبدأ الخلقي ، فهو أمر يتوافق مع الاتجاه الإسلامي في عمومه ولكن مفهوم المبدأ الخلقي عند الكلاسيكيين يختلف اختلافاً كبيراً عن مفهومه الإسلامي . فالأخلاق الفاضلة عندهم هي التي يأخذ بها المجتمع! وهذا غير صحيح لأن ما يقره المجتمع ما هو إلاّ نتاج عقل بشري وهو قابل للتغير بتغير الظروف والأحوال . بينما يتميز المبدأ الخلقي في الإسلام بالثبات والتنزه عن الخطأ والبطلان لأنه لا يتقيد بأعراف المجتمع السائدة ولا يعدها مصدر تشريع الأخلاق ، بل تقرر أصوله ارادة سماوية عليا وتترك للجماعات البشرية أن تتصرف في فروعه دون خروج عن تلك الأصول . 
   وبالاضافة إلى ما سبق فإن الكلاسيكية تطرفت في منح العقل سلطة مطلقة في مجال الادب والفن رغم تأثر العقل لديهم بالمناهج الخاطئة من وثنية اليونان واستبداد الرومان وتحريفات النصرانية في القرون الوسطى . أما في المنظور الإسلامي فإن العقل ينتج ويبدع ويكتشف اذا راعى في ذلك كله منهج الدين الحنيف في الاعتقاد والنظر والتصور . وقد تطرف المذهب الكلاسيكي كذلك في العناية بالقوالب والأشكال على حساب المضامين الأدبية وهذا خلاف ما ينبغي أن يكون عليه الادب الحقيقي من التوازن والتعادل بين الأشكال والمضامين كما هو في الادب الإسلامي . وأخيراً فإن الادب الكلاسيكي يقوم على تصوير النماذج البشرية والأحداث الواقعة بخيرها وشرها ويمحّض فنه للابداع في التصوير من غير تمييز بين الخير والشر . وانما يترك ذلك لنفس القاريء وميوله . والادب الإسلامي يصور الخير والشر أيضاً ولكنه يهدف من ذلك – على الدوام – إلى الترغيب بالخير والحض عليه وتزيينه في النفوس والتنديد بالشر واجتثاثه من القلوب . هذه خلاصة سريعة للانتقادات التي وجهها النقاد الاسلاميون لمذهب الكلاسيكية في الأدب الغربي . 
نقد المذهب الرومانسي :
   أما بالنسبة للمذهب الرومانسي او الرومانتيكي فان اول ما يؤخذ عليه هو التطرف والمغالاة في الجانب العاطفي والخيالي من العمل الادبي ، وسبب ذلك أن هذا المذهب يمثل ردّ فعل قوي لجموح الكلاسيكية نحو العقل ، اذ بمقابل ذلك جمحت الرومانسية نحو القلب المفعم بالعواطف والأوهام والتخيلات البعيدة عن الواقع الاجتماعي الرازح تحت أغلال الكنيسة وقيودها المدعومة بقوة السلطة الحاكمة المتحالفة معها ، فقد لجأ الرومانسيون إلى ذواتهم واحتكموا إلى عواطفهم واتخذوا منها مصدراً للمعرفة يرونه أشد إخلاصاً وصدقاً من العقل . ولذلك فقد تنكروا للأدب القديم واتخذوا بديلاً عنه مايمليه عليهم الطبع والسليقة الفنية . ومن ثم برز في أدبهم النزوع الفردي والتعبد للطبيعة بمواجهة سلطان الكنيسة مع اسرافهم في التغني بالآلام واستعذابها وامعانهم في العزلة والانطواء على الذات . ولذلك فقد عاش الاديب الرومانسي حالة من فقدان التوازن وكانت تنقصه الدعامة الدينية والفكرية والاجتماعية اذ غرق في ذاتيته وأصبح عاجزاً في أكثر الأحوال عن التكيف مع مجتمعه هائماً على وجهه في بيداء الشك والحيرة والكآبة ، وهذه حالة لا يرضاها الاديب المسلم لنفسه وهو يملك رصيداً عقائدياً كبيراً وأهم ما يقدمه له هذا الرصيد هو الطمأنينة الراسخة التي تحفظه من الحيرة والشك . 
   ومن المعلوم أن منهج النقد الإسلامي لا يرفض تجاوب الانسان مع ذاته وعواطفه أو مع الطبيعة ، ولا يعد ذلك انحرافاً ، بل يرى الانحراف فيما تطرفت فيه الرومانسية من ذلك تطرفاً عبودياً وثنياً ، اذ تحول المذهب الرومانسي عند الشبان الفرنسيين – بعد هزيمة نابليون بونابرت الساحقة – إلى مآتم وأحزان وزين لهم الانطواء على انفسهم ومداراة أحزانهم بما فيه من سلبية . والادب الإسلامي أدب ايجابي بنّاء يفعم نفوس قرائه ثقة بالله عز وجل وايماناً بحكمته ورضاءً بقضائه وقدره وإن الرؤية الاسلامية للادب لا تقبل أن يصطبغ دائماً بالحزن والكآبة . والآلام الرومانسية لا تنسجم مع الشخصية الاسلامية ، والحزن دون سبب مرفوض في الإسلام وإن المسلم مدعو الى مواجهة ظروفه بشجاعة والى التسليم لقضاء الله من جهة وتلمس الاسباب للخروج من الأزمات من جهة أخرى . وما يطلبه الإسلام هو التزام التعبير عن العواطف الصالحة والمشاعر النبيلة والأحاسيس النفسية المثمرة بدل فسح المجال لكل البدائل والدوافع والميول النفسية الهدامة كما شاع عن الرومانسيين تقديسهم للألم واعتباره مطهراً للنفس ، ويرفض الاسلام اسراف الرومانسيين في إطلاقهم العنان لذواتهم الفردية إلى درجة أن صارت شيئاً مقدساً لا يُمس بسوء . 
   إن اطلاق العنان للذات لتفعل ما تشاء من المحرمات ليس مسلكاً لائقاً بالإنسان وانما هو طريق شيطاني ودعوة للسقوط والتردي وانحطاط الأخلاق وانهيار المجتمع . ومن الواضح – بالمنظور الإسلامي – بطلان مقولة الرومانسيين بأنْ ليس من الضروري أن يكون الاديب الفذّ فذّ الخلق وليس الادب عبداً خاضعاً لقوانين الأخلاق ، فهذه المقالة لا توافق ما يدين به الاديب الإسلامي من سموّ أخلاق المسلم وترفعه عن الدنايا وسعيه لتحقيق هذه المنقبة امتثالاً لقول الرسول الكريم (ص) : اكمل المؤمنين ايماناً أحسنهم خلقاً . 
   أما موقفهم من العقل وادعاؤهم بأن ما لا يتفق مع العقل ليس رديئاً بالضرورة فهو مناقض لبداهة الفطرة الانسانية وروح الإسلام ، وإن الاديب المسلم الذي يعيش في رحاب القرآن ويبني أدبه عليه لا يعزب عن باله أن كلمة العقل وما يشتق منها قد وردت في الكتاب العزيز نحواً من أربعين مرة وان الله سبحانه قد دعا الانسان إلى ايقاظ عقله والاعتماد عليه في صحة عقيدته وصفاء سلوكه ، وبأثر الموقف السلبي للرومانسيين من العقل فقد أنكروا دوره في الابداع الادبي ونادوا بتحرير الاديب من قيود العقل والواقعية والانطلاق في رحاب الخيال المجنح والعواطف المشبوبة حتى في معالجة السياسة و قضايا المجتمع ، فقد كانوا عاطفيين موغلين في العاطفة والأحلام  مستغرقين في ذواتهم ورؤاهم الشخصية الحالمة بعيداً عن توازن العقل في رؤيته للواقع ، وهذا الموقف الرومانسي المتطرف من العقل ودوره في الابداع والسلوك يتناقض أولاً مع طبيعة الكيان الأدبي الذي تؤلف الأفكار جزءاً مهماً منه ، ومصدر الافكار هو العقل . ويتناقض ثانياً مع طبيعة الإسلام الذي يدعو الاديب المسلم إلى الاهتمام المتعقل بقضايا الحياة والأمة ولا يرضى له أن يكون نرجسياً لا يعرف الا ذاته ، ولا يرضى له اقصاء العقل والاعتماد على المعتقد العاطفي الذي يهون الاثم ويخفف المسؤولية عن الآثام او يسقطها . فالاسلام عقيدة وسلوك ولا قيمة لطيب السريرة اذا كان السلوك خلافها . هذا مجمل ما سجله النقاد الاسلاميون من المؤآخذات على المذهب الرومانسي في الادب بالنظر إلى خصائصه العامة التي تبلورت بعد مخاض طويل وتنوع وتفاوت عبر المراحل التاريخية المختلفة . 
نقد المذهب البرناسي :
    أما بالنسبة لمذهب البرناسية او ما عرف بنظرية (الفن للفن) ، فأول ما يؤخذ عليه هو ما تشير اليه تسمية هذا المذهب من الارتباط بالأصل اليوناني الوثني ، اذ تعود هذه التسمية إلى (البرناس) وهو سلسلة جبال في وسط اليونان شاهقة الارتفاع ، ذراها مكللة بالثلوج وتنتشر فيها الكهوف التي تزعم أساطير اليونان أنها مسكونة بالآلهة الريفية والحوريات ، والبرناس هو مأوى الالهين أبولون وديونيزوس وربات الالهام الشعري والموسيقى , لقد جاء هذا المذهب الشعري في أعقاب الرومانسية احتجاجاً على امعانها في الذاتية التي وصلت حد اللامبالاة بأي شيء خارج الذات وعلى تهاون شعرائها في الصياغة الفنية وقد حمل لواء الاحتجاج والتمرد شاعران فرنسيان هما: لكونت دليل ، وتيوفيل كوتيه مناديين بأن الفن للفن وأن الادب لاغاية له لأنه غاية في نفسه وقد كانت فلسفة (كانت) ومن تأثر به من الفلاسفة أقوى دعامة لدعاة الفن للفن ، ومن أقوال كوتيه التي أصبحت قواعد للبرناسية أنه (ما أن يصبح شيء نافعاً حتى يتعطل كل جمال)  ودعا في قصيدة نظمها بعنوان (الفن) إلى كمال الشكل (لأن الشكل العامل الأساس الذي يكفل للآثار الادبية الخلود)  وهكذا عني المذهب البرناسي بالشكل الفني دون المضمون اعتقاداً منه أن الاول لا الثاني هو موطن الجمال ، فمعاناة الاديب ينبغي أن تكون في أجواء الصياغة والبناء الفني ، أما الأفكار والمواقف وغيرها فهي عناصر دخيلة وأطراف أجنبية عن الفن الصحيح وان خطوط المذهب البرناسي المشتركة هي اللامبالاة بالفائدة الاجتماعية أو الأخلاقية وعبادة الجمال الصافي . 
    والحق أن الجمال لا ينحصر في الشكل الخارجي للنص الادبي بل يشمل مضمونه أيضاً . أضف إلى هذا أن طبيعة الموضوعات وخصائصها تعد من مصادر جمال الشكل وعلى هذا الاساس فُسّر تولد الأنواع الادبية وتعددها وتنوعها بتنوع الموضوعات اذ يطلب كل موضوع ما يلائمه من نوع أدبي . وبهذا فان التأثير الفني يشترك فيه كل من الشكل والمضمون حين يتحقق بينهما الانسجام والتكامل والتوازن . 
   ولذلك فان مفهوم الجمال عند البرناسيين قاصر لا يستوعب المجالات التي يتعامل معها الادب ، وان جمال العمل الادبي لا يقتصر على الصياغة  إلاّ إذا كان هذا العمل خالياً من المضمون وليس الادب نقوشاً وزخارف صماء ولا مجرد وصف لوردة أو حديقة . والمعاني التي يحملها تعرض – غالباً – مشاعر ترتبط بقيم وأفكار عقدية أو قومية أو وطنية أو اجتماعية ، فلا يصح أن يجعل الادب كالحقائق الرياضية لا علاقة له بالخير والشر كما تدعي ذلك البرناسية ، فهذه مغالطة تخرج الادب عن حقيقته الواضحة بأنه نشاط انساني مشحون بالمشاعر والاحساسات ويعالج قضايا معينة ولايمكن عزله عن الحياة الاجتماعية والسياسية كما حاول ذلك البرناسيون من دعاة الفن للفن بعد أن اتخذوا من الادب غاية في ذاته وحولوه إلى مايشبه العقيدة فأهملوا في غمرته القضية الأخلاقية ولذلك انتشر فيهم ما يسمى بالادب المكشوف ، وكانوا بارعين في تدليس الرذيلة وغرس الانحراف في قصص وقصائد ومسرحيات متقنة، فكان هذا المذهب فتاكاً بالقيم والأخلاق . إذ شن أنصاره حرباً شعواء على القيم الأخلاقية والفضائل والآداب الاجتماعية معتبرين إياها دخيلة على جوهر الأدب  ودعوا الاديب إلى التحرر من جميع القيود الأخلاقية مما يتضمن دعوة إلى الاباحية والحرية المطلقة التي تهدد مستقبل البشرية وتعرقل سيرها نحو التطور، وقد اتجه دعاة التغريب من أدباء العرب لتطبيق نظرية (لا أخلاقية الأدب) أو تحرير الأدب من قيد الأخلاق وذلك من خلال نظرية الفن للفن الغربية  وجرت المحاولات المتصلة لفرض هذا الاتجاه جرياً وراء الموجة الغربية التي سادت أدب أوربا في العصر الحديث . ومن الحق أن هذا الاتجاه الوافد بدأ غريباً في محيط الأدب العربي وأفق الفكر الإسلامي ، ذلك أن كلمة (أدب) عند العربي كانت ترتبط أساساً بأدب النفس كل الارتباط . ولذلك فقد هذا المذهب مساحات اجتماعية كبيرة إذ لم يسلك مع الناس مسلك التواصل والافهام والتأثير بعد غرقه في الشكليات الباهتة وضياعه في دوامة الالفاظ والعبارات والايقاعات الفارغة . 
نقد المذهب الرمزي :
   إن عيب الرمزية الكبير أنها بالغت في طلب الغلو والجري الحثيث وراء كل غموض وتعمية ، فقد طالب الرمزيون بأن يكون الشكل غامضاً لا يصرّح بأي سرّ أو دلالة خلفه ! ولكن ما جدوى ذلك الانتاج إذا كان يلفه الغموض من كل جانب وهل يكتب الاديب الرمزي لنفسه أم لغيره ؟ وقد أساءت الرمزية فهم الايحاء في مجال اللغة الأدبية فزعمت أن الإشارة البعيدة إلى الشيء كفيلة بأن تحافظ على جماله ورونقه وقوة أثره في نفس المتلقي، ولكن هذا الزعم ينكشف خطؤه وقصوره من خلال اعتراضين أولهما: أن لغة الايحاء تحقق للنص الأدبي جماله بشرط ألاّ تخلّ بعنصر الايضاح الذي يقابله المتلقي ببذل جهد معقول في الفهم العقلي والادراك الوجداني أما حين يتلقى نصاً كثير الطلاسم مليئاً بالالغاز فإنه سوف يعجز عن تذوقه ويصيبه النفور من متابعته . والاعتراض الثاني أن اللغة العربية بخاصة هي بحد ذاتها لغة الايحاء فهي تمنح الاديب رصيداً ضخماً يستثمره في التعبير عن كل المواقف النفسية والأحاسيس الوجدانية وقد تكون ألفاظ  نتاجه وتعابيره واضحة إلا أنها بمزيد من التفهم والتمعن تدلنا على أسرار وخفايا كثيرة وهذا راجع إلى عبقرية اللغة العربية وقدراتها الدلالية الهائلة التي لا يحدّها حدّ . 
   فلا صحة لما رآه الرمزيون من أن اللغة ليست وسيلة لنقل المعاني الواضحة وعرض الصور البينة وإنما هي وسيلة لنقل العدوى من الكاتب إلى القاريء إذ الاديب الإسلامي يدين بأن القرآن الكريم هو كتاب العربية الأكبر وان الحديث الشريف يحتل منزلة وسطاً بين كلام الخالق وكلام المخلوقات وان هذين المصدرين الكبيرين ليسا وسيلتين لنقل العدوى إلى القاريء وإنما هما وسيلتان إلى إرشاده وتوجيهه وأداتان لوضع قواعد حياته الخاصة والعامة . ولذلك فإن الإسلام يرفض ما نادى به الرمزيون من أن عقل الإنسان الظاهر الواعي محدود ضيق وأنه يملك عقلاً غير واع أرحب من عقله الواعي بعشرات المرات وأحفل ، ذلك لأن الكتاب العزيز قد حفل أشد الاحتفال بالعقل الواعي ودعا إلى الاعتماد عليه والاستنارة به للوصول إلى الحقائق . ولقد نادى الرمزيون بأن العالم الخارجي الواقعي لا يصلح لأن يكون مجالاً للشعر ! والأدب الإسلامي يناقض هذه الدعوة ويناهضها ويدعو الادباء الإسلاميين إلى أن يجعلوا أدبهم رحب الآفاق بحيث يشتمل على الكون بره وبحره وأرضه وسمائه . ونتيجة ما بالغت فيه الرمزية من الغموض والتعقيد والتعمية ، فقد انزوت من الوجهة الاجتماعية أكثر من انزواء البرناسية والجمالية ، واستدبر الناس كل نتاج ينهج هذا النهج ويسلك هذا المسلك . وجدير بالذكر أن الغموض الرمزي هو غير الغموض الفني الذي يعد من قواعد الفن الأصيل ، وفحواه أن الأديب العبقري يتمكن من إشراك القاريء في معاناته النفسية والفنية حين لا يفصح له إلا عن بعض المعالم الدلالية الكبرى لنصه أو نتاجه بعامة . لكن إذا أغلق عليه كل أبواب الفهم والدراية والتعرف فإن الغموض لا يصير في هذه الحال فنياً مهما حاول هذا الأديب الدفاع عن موقفه . 

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=174112
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 10 / 23
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 2