تشدُني كثيراً كلمة السيد الشهيد الصدر قدس سره قالها في إحدى خطب الجمعة وهو في معرض الحديث عن السيدة الزهراء سلام الله عليها : ( ذلك إنّ من يبذل لها - للزهراء - أية خدمة حقيقية أو نفع حقيقي مخلص لا يمكن ان يدخل النار ، تكون هي شفيعته وتفطمه من النار سلام الله عليها ) .
يفتح لنا هذا العالم الجليل باباً واسعاً للتأمّل والسعي لتقديم الخدمات الفاطمية الحقيقية المخلصة ، وبنفس الوقت ينبهنا الى تلك الباب الواسعة التي فتحتها لنا الزهراء ؏ للجنة بعد أن تَغلق لنا أبواب النار وتفطمنا عنها بالكامل .. والسؤال هو : بماذا وكيف نخدم الزهراء ؏ لنستحق بها هذا الإمتياز والثواب العظيم ..؟
إذا أردنا الاختصار فلا بد لنا من البحث ما أمكن عن تعبيرٍ جامعٍ للإحتمالات التي قد يتفتق بها الذهن ويتشعب بها التفكير ، وأحسب أن القول ( استثمار شخصية الزهراء ؏ وقضيتها في نصرة الحق وأهل الحق ، الإسلام عموماّ والمذهب بالخصوص ) هي الخدمة التي ترضى لها الزهراء ؏ بعد الفراغ من الاعتقاد بأن الزهراء وجميع أهل البيت ؏ قد نذروا أنفسهم لخدمة الإسلام ونصرة الحق ..
فلا تريد منا الزهراء أن نعمل لها بما لا ينفع وظيفتها وعلّة وجودها ، فهي في غنى عن كل ذلك ..
فهذه اذن ضابطة يمكننا مراعاتها في كل قول وفعل يخصّها سلام الله عليها ، بل لا بد ان تكون نيّة إحياء أمرها متقوّمة بهذه الضابطة ومقيّدة بهذا القيد .. على ان لا يقتصر الأمر على النيّة والتخطيط المحتمل لإنتاج تلك الخدمة ، وإنما قد يكون تحقق الخدمة الفعلية والواقعية وأن تكون ملموسة في الخارج هو أحد اهم الشروط لضمان عدم دخول النار ، وهذا ما نستظهره من قول السيد قدس سره - خدمة حقيقية او نفع حقيقي - .
وفي المقابل لا بد من الحذر مما يخالف تلك الخدمة وينعكس سلباً على وظيفة بضعة النبي صلى الله عليه وآله وعندها سنكون مصداقاً لقوله تعالى ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا ، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ) الكهف ١٠٣-١٠٤.
ولا بد من الإشارة الى أن التعبير ب ( لا يمكن أن يدخل النار ) أبلغ من ( تدخله الجنة ) بإعتبار أننا نستفيد من بعض النصوص أن النار قد تكون عقاباً مؤقتاً حتى لمن استحق دخول الجنة ، كقوله تعالى ( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ) مريم ٧١ .
ومن يعترض على مضمون كلام السيد قدس سره فإننا نجد ما هو أكثر من ذلك في الروايات الشريفة ، حيث نجد هذا الثواب يشمل كل خدمة تقدم الى ذرية النبي ص وآله وأبي طالب رضوان الله تعالى عليه ، نذكر ثلاث روايات أوردها العلامة المجلسي في البحار ج٢٣ ص٢٢٥ :
* أمالي الطوسي : الحفار ، عن محمد بن أحمد الصواف ، عن إسحاق بن عبد الله عن زيدان بن عبد الغفار ، عن حسين بن موسى بن جعفر ، عن آبائه عليهم السلام ، عن فاطمة ، عن أمير المؤمنين صلوات الله عليهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أيما رجل صنع إلى رجل من ولدي صنيعة فلم يكافئه عليها فأنا المكافئ له عليها .
* صحيفة الرضا (ع) : عن الرضا ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أربعة أنا لهم شفيع يو م القيامة ولو أتوا بذنوب أهل الأرض : المكرم لذريتي ، والقاضي لهم حوائجهم ، والساعي لهم في أمورهم عندما اضطروا إليه ، والمحب لهم بقلبه ولسانه .
* صحيفة الرضا (ع) : عن الرضا ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال علي بن أبي طالب عليه السلام : من اصطنع صنيعة إلى واحد من ولد عبد المطلب ولم يجازه عليها في الدنيا فأنا أجازيه غدا إذا لقيني يوم القيامة .
فخدمة الزهراء ؏ هي القدر المتيقن من ذلك بلا أدنى شك . سلام الله على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسرّ المستودع فيها