• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : على ضفافِ الانتظار(5) .
                          • الكاتب : الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي .

على ضفافِ الانتظار(5)

تعدُّدُ مراتبِ الانتظار

هل يُمكِنُ أنْ نُسمّيَ المؤمنَ الذي تصدرُ منه بعضُ الذنوبِ منتظرًا؟
أم أنَّ الانتظارَ مرتبةٌ خاصةٌ بمن لا يُقارِبُ الذنوبَ أبدًا؟
في الجوابِ نذكرُ أولًا مقدمةً عامةً، مفادها:
ليسَ للإيمانِ مرتبةٌ واحدةٌ، إنْ حصلت فبها، وإلا فالإنسانُ خارجٌ عن ربقةِ المؤمنين، كلا، وإنّما هو مفهومٌ له مراتبُ مُتعددة، وهذا ما أكّدته الرواياتُ الشريفة، ومنها ما رويَ من أنّ أبا عمرو الزبيري سألَ الإمامَ الصادقَ (عليه السلام) أنْ يصفَ له الإيمانَ فقالَ له: "...الإيمانُ حالاتٌ، ودرجاتٌ، وطبقاتٌ، ومنازلُ، فمنه التامُّ المُنتهى تمامه، ومنه الناقصُ البيّنُ نقصانه، ومنه الراجحُ الزائدُ رجحانه.."
ورويَ عن الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): "إنَّ الايمانَ عشرُ درجاتٍ بمنزلةِ السُلَّمِ يُصعَدُ منه مرقاةٌ بعد مرقاةٍ..."
ولذلك، كانَ أحدُ تفاسيرِ أبوابِ الجنةِ الثمانيةِ وأبوابُ جهنمِ السبعةِ هو تفسيرَها بمراتبِ الجنةِ ودركاتِ جهنم حسبَ أعمالِ الإنسان.
إذا تبيّنَ هذا نقول:
إنَّ مسألةَ انتظارِ الإمامِ المهدي (عجّل الله (تعالى) فرجه) هي من الإيمان، وهذا معناه: أنَّ الانتظارَ ليس له مرتبةٌ واحدة، بل له مراتبُ مُتعددةٌ، فأعلاها ما يكونُ المؤمنُ فيها على انضباطٍ تامٍّ في ما يتعلّقُ بعناصرِ الانتظارِ العامة: العقائدية، والفقهيةِ، والأخلاقيةِ، والتمهيديةِ العملية.
وربما يكونُ هناك من المُنتظرين من ليسَ عندَه عقيدةٌ راسخةٌ بالدليلِ الثابت، ولكنّه على كُلِّ حالٍ يؤمنُ بما جاءَ عن أهلِ البيت (عليهم السلام) ولو على نحوِ الإجمال، ولسانُ حالِه يقول: أنا على ما عليه جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)، ومثلُ هذا المؤمن هو على خيرٍ بلا شك، ولكنّه ليس كذاك الذي استدلَّ على عقائدِه بالدليلِ القطعي، بحيث كانَ كالجبلِ لا تهزّه رياحُ الشبهات.
وهكذا، فقد يكونُ هُناك مُنتظرٌ مُلتزمٌ بكُلِّ مفرداتِ الحلالِ والحرام، لا يجوزُها إلى غيرِها أبدًا، بل قد يكونُ من الذين التزموا المُستحباتِ وتركوا المكروهات، ولكن هُناك من المؤمنين من لا يعملُ المُستحباتِ إلا في بعضِ الأحيان، وقد يواقِعُ الخطيئةَ بينَ الفينةِ والأخرى، وقد يتوبُ منها، وقد يؤجِّلُ التوبةَ منها إلى أمدٍ مُعين، وقد يبقى بلا توبةٍ من ذنبٍ مُعين.
وعلى كُلِّ حال، فنحنُ بالوجدانِ نرى أنَّ هناك تفاوتًا بينَ المؤمنين في ما يتعلّقُ بقضيةِ الإمامِ المهدي (عجل الله (تعالى) فرجه) من حيث أصلِ الاعتقادِ والإيمانِ به، وبمراتبِه الكماليةِ وصفاتِه الملكوتية، وما يترتبُ على هذا الاعتقادِ من ضرورةِ السيرِ فقهيًا على هدْي أهلِ البيت (عليهم السلام) والاتصافِ بالأخلاقِ الحسنةِ والتمهيدِ العملي للظهور.
وهذا يعني التالي:
أولًا: أنَّ المؤمنَ إذا صدرَ منه ذنبٌ مُعين، فهو لم يخرجْ عن الإيمانِ تمامًا، ولكن عليه أنْ يُعجِّلَ بالتوبةِ قبلَ الغُصّة.
ثانيًا: علينا أنْ نُثمِّنَ كُلَّ جهودِ المنتظرين على اختلافِ مراتبِها، ولا ننظرَ بعينِ الاستهزاءِ لعجوزٍ لا تُحسِنُ إلا أنْ ترفعَ يديها بدُعاءٍ بسيطٍ لتعجيلِ الفرج، أو لفتى لا يحفظُ سوى حديثٍ مهدويٍ واحد، أو لفقيرٍ يتصدّقُ بالقليلِ تعجيلًا للفرج.
ثالثًا: على المؤمنِ أنْ يسعى دومًا لأنْ يكونَ في أعلى مراتبِ الانتظار، ولا يرضى لنفسِه أنْ يكونَ ذيلًا، أو يعيشَ حياتَه على صيغةِ (حشرٌ مع الناسِ عيد)، بل عليهِ أنْ يعملَ على أنْ يكونَ شُعلةً من النورِ في وسطِ الظلامِ الدامس.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=175546
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 11 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 3