• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : وعادت الاحزاب ... فهل سنحفر الخندق .
                          • الكاتب : نجم الحجامي .

وعادت الاحزاب ... فهل سنحفر الخندق

تحكي لنا سوره الاحزاب عن تفاصيل غزوه الاحزاب (الخندق ) وعن كيفيه إنتصار 700 مقاتل مسلم على أكثر من 10000 مقاتل من قريش والقبائل العربيه المتحالفه معها من فزاره وغطفان وكنانه وسليم وقبائل يهود بنو النضير وبنو قينقاع المهاجمين يثرب من الشمال ويهود بنو قريظه  المهاجمين من الجنوب حيث يسكنون في الجزء الجنوبي من يثرب ويبلغ عددهم (700 ) يهودي مقاتل  مجهزين باحسن التجهيزات الحربيه

معركه غير متكافئه لا من حيث العدد ولا من حيث العده فالمسلمين أقل عددا وعده ويعانون من الجوع والبرد ونقص التجهيزات

سوره الاحزاب غنيه بالدروس والعبر ويجب قرائتها مرات ومرات لاستكشاف مستلزمات النصر ضد قوات التحالف الثلاثي المتكالب على الاسلام والمسلمين قديما وحديثا

الموقف العسكري وساحه القتال

هاجم جيش التحالف الثلاثي المؤلف من بنو اميه وقريش  والقبائل المتحالفه معها من سليم وكنانه وفزاره وغطفان ويهود بنو النضير وبنو قينقاع المدينه المنوره من الشمال بقياده ابو سفيان وكان تعداده عشره الالاف مقاتل

وتعهد يهود بنوقريظه الساكنين في الجزء الجنوبي من المدينه بمهاجمه المسلمين من الجنوب عند انطلاق المعركه وفيهم مقاتلين اشداء ولديهم 700 مقاتل  مجهزين باحس التجهيزات

ما يهمنا في هذا البحث استكشاف عوامل إنتصار 700 صحابي تسرب منهم 300 صحابي بحجج مختلفه وبقي 400 صحابي مرابطون حول الخندق يعانون من الجوع والخوف وقله التسليح لكن قلوبهم عامره بروح الايمان والتحدي

معنويات جيش المسلمين في غزوه الاحزاب

وصف الله سبحانه وتعالى حال المسلمين يومئذ في الايه الكريمه

قال تعالى

 (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ﴿ ١٠ ﴾ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ﴿ ١١ ﴾ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ﴿ ١٢ ﴾ وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا ﴿ ١٣ ﴾ وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا ﴿ ١٤ ﴾ وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا) ﴿ ١٥ ﴾الاحزاب

بلغ الخوف والرعب عند المسلمين اعلى درجاته حيث زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر وإبتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا وكانوا طوائف ثلاثه

  الطائفه الاولى من الصحابه 

 الذين قالوا (مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) وهم المنافقون والذين في قلوبهم مرض من الصحابه  

ويقول ابن كثير في تفسيره

 ظن المؤمنون كل ظن ونجم النفاق، حتى قال معتب بن قشير : (كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا لا يقدر على أن يذهب إلى الغائط)

الطائفه الثانيه من الصحابه

وهي الطائفه التي يصفها القران بالايه الكريمه

 ( (وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا ﴿ ١٣ ﴾الاحزاب

وهي الطائفه المتخاذله المنهزمه من الصحابه والتي تتعلل باتفه الاسباب للانسحاب من المعركه كأن يقولوا إن بيوتنا عوره وماهي بعوره ان يريدون الافرارا

وفي يوم احد لم يبق مع رسول الله الا احد عشر من الانصار واثنين من المهاجرين وهما علي بن ابي طالب وابي دجانه

ومن انهزم  او تخلف في بدر او أحد لايثبت في الخندق فقد تعلل بعضهم بمرض زوجته ولم يشارك في بدر واخرين انهزموا في أحد حتى يقول احدهم اني كنت أصعد الجبل فراراً كأني أروى

وَلَٰكِن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (الانفال 42 )

ويذكرنا الله سبحانه وتعالى بان هذه الطائفه من الصحابه هم ممن بايعو وعاهدوا رسول الله على الدفاع عنه وعدم الفرار في المعركه فيقول تعالى:

 وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا ﴿ ١٥ ﴾الاحزاب

ثم يقول سبحانه وتعالى

  أُولَٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴿ ١٩ ﴾   

الطائفه الثالثه من الصحابه

 وهم الذين قالوا (  هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ﴿ ٢٢ ﴾ 

قال تعالى :

 وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ﴿ ٢٢ ﴾ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴿ ٢٣ ﴾ لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ ﴿ ٢٤ ﴾الاحزاب

هذه الطائفه من الصحابه هي الطائفه الصادقه في ايمانها الثابته في عقيدتها الصلبه في ارادتها لانها تستند الى ايمان راسخ بالله ورسوله وقد أعاروا جماجمهم لله وأيقنوا بوعد الله لهم باحدى الحسنيين النصر او الشهاده فكانت أقدامهم ثابته في الارض كرسوا الجبال

والسؤال المهم والكبير كيف استطاع اربعمائه مسلم من الانتصار على 10700 مقاتل من جيش التحالف الثلاثي

وللاجابه نقول :

 لقد قامت الثله المؤمنه الصادقه من إعداد مستلزمات النصر التاليه:

اولا– الخطه العسكريه المحكمه وغير التقليديه  

استشار الرسول صلى الله عليه واله اصحابه فيما يجب فعله تجاه جيش التحالف البالغ تعداده اكثر من 10000 مقاتل من بني اميه وقريش والعرب واليهود من الشمال و 700 مقاتل يهودي من الجنوب من يهود بنو قريظه

فاشار عليه سلمان الفارسي بان يحفر خندقا حول المدينه لحمايتها فاستحسن النبي الفكره وحفر الخندق ووقفت قوات التحالف عاجزه عن اجتياز الخندق الا بضعه نفر تم قتلهم جميعا

 وبهذه الخطه الذكيه تم تحجيم كثره العدد وابطال مفعوليه اسلحتهم

  ثانيا – مقاتلين أشداء أعاروا الله جماجمهم

لم يجرؤ عل إقتحام الخندق الا الفارس المقدام وكان عمرو بن ود العامري بطلا تهابه الفرسان إجتاز الخندق ووقف في ساحه القتال يرتجز ويقول

و لقد بححت من النداء     بجمعكم هل من مبارز؟

ووقفت إذ جبن الشجاع     مواقف القرن المناجز

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله)

  من لهذا الكلب ؟

فلم يجبه أحد، فقام إليه أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال

  أنا له يا رسول الله

 فقال رسول الله: يا علي، هذا عمرو بن عبد ود فارس يليل

فقال علي : وأنا علي بن أبي طالب

فقال له رسول الله (صلى الله عليه و آله) ادنو مني

فدنا منه، فعممه بيده، و دفع إليه سيفه ذا الفقار، و قال له : اذهب، و قاتل بهذا

  و قال رسول الله : اللهم احفظه من بين يديه، و من خلفه، و عن يمينه، و عن شماله، و من فوقه، و من تحته

فمر أمير المؤمنين (عليه السلام) و هو يهرول في مشيه، و هو يقول

لا تعجلن فقد أتاك   مجيب صوتك غير عاجز

ذو نية و بصيرة    والصدق منجي كل فائز

إني لأرجو أن أقيم    عليك نائحة الجنائز

من ضربة نجلاء يبقى   صوتها بعد الهزاهز

فقال له عمرو

 من أنت؟ قال: أنا علي بن أبي طالب، ابن عم رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و ختنه. فقال: و الله إن أباك كان لي صديقا و نديما، و إني أكره أن أقتلك، ما أمن ابن عمك حين بعثك إلي أن أختطفك برمحي هذا، فأتركك شائلا بين السماء و الأرض، لا حي و لا ميت! فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): قد علم ابن عمي أنك إن قتلتني دخلتُ الجنة، و أنت في النار، و إن قتلتك فأنت في النار، و أنا في الجنة

فقال عمرو: كلتاهما لك يا علي تلك إذن قسمة ضيزى

فقتله علي بن ابي طالب وجاء برأسه الى رسول الله

لقد اعار علي بن ابي طالب عليه السلام جمجمته لله فمكنه الله من جماجم الصناديد

ثالثا– مؤمنين صادقي الايمان ذو اراده فولاذيه ولا يقرون بالذله

طلبت غطفان ثلث ثمار المدينة لسنة كاملة على أن تعود وتترك حصار المسلمين، وقد إجتمع الرسول  بسعد بن معاذ وسعد بن عباده لمناقشه الامر

قال سعد بن معاذ :

 يا رسول الله أمرًا تحبه فنصنعه، أم شيئًا أمرك الله به لا بد لنا من العمل به، أم شيئًا تصنعه لنا؟

إذ إنه لو كان أمر من الله أو رسوله لما جاز له أن يفكر فيه أو يناقشه أصلا، فلا بد من السمع والطاعة، أما إن كان رأيًا بشريًّا فيمكننا حينئذٍ مناقشته، وعرض الرأي فيه

فقال لهم رسول الله

 بَلْ شَيْءٌ أَصْنَعُهُ لَكُمْ، وَاللَّهِ مَا أَصْنَعُ ذَلِكَ إِلاَّ لِأَنِّي رَأَيْتُ الْعَرَبَ رَمَتْكُمْ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ، وَكَالَبُوكُمْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَكْسِرَ عَنْكُمْ مِنْ شَوْكَتِهِمْ

 فقال سعد بن معاذ: يا رسول الله، قد كنا وهؤلاء مع الشرك بالله وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة واحدة إلا قرى أو بيعًا أو فيضًا، أفحينما كرمنا الله بالإسلام، وأعزنا بك وبه نعطيهم أموالنا؟ ما لنا بهذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلا السيف وحتى يحكم الله بيننا وبينهم

يقول الاستاذ احمد راغب السرجاني

والحقيقة أن رأي السعدين كان في منتهى العمق والحكمة، ليست نظرة عنترية غير مدروسة بل هي رؤية إستراتيجية رائعة، فمستقبل المدينة قد يتحدد بهذه المفاوضات فليست المشكلة فقد ثلث ثمار المدينة، ولكن المشكلة أن غطفان ستحقق انتصارا غير مقبول على الدولة الإسلامية، وستهتز صورة الدولة الإسلامية أمامها وستهتز أمام الجزيرة العربية بكاملها، وهؤلاء ليسوا من الزعماء النبلاء الشرفاء، بل هم مجرد مرتزقة مأجورين، وسيفتح هذا الباب الابتزاز المستمر للمدينة المنورة كلما احتاجوا إلى مال جاءوا المدينة. أما هذه الوقفة الصلبة الجريئة فإنها ولا شك ستهز غطفان من الأعماق، وبالذات أنهم لا يفكرون إلا في المال والدنيا، وطالِب الدنيا ضعيف، ضعيف جدًّا أمام طالب الآخرة

وما احوج الامه الاسلاميه اليوم الى ان تعي هذا الدرس جيدا حيث الثبات على الحق والمبدا وان التنازل يجر تنازل ويقود الى الذل والهوان وخسران كل شئ

وهنا اقول ان رسول الله اراد باستشارتهما ان يعرف مقدار إيمانهما وصلابتهما في وقت لم يبق معه من الصحابه حول الخندق الا اربعمائه من مجموع سبعمائه صحابي

رابعا - ضبط الجبهه الداخليه

خرجت صفيه بنت عبد المطلب عمه رسول الله صلى الله عليه واله  مع جند المسلمين في احد لنقل الماء وري العطشى وبري السهام، ولما رأت انهزام المسلمين وفرارهم، هبّت إلى النبي صلی الله عليه وآله وسلم برمح انتزعته من احد  المنهزمين للدفاع عنه، قائلة

(ويحكم أنهزمتم عن رسول الله)

 فلما رآها النبي محمد صلی الله عليه وآله وسلم، خشيَ عليها أن ترى أخاها حمزة قتيلاً، وقد مُثّل به فأشار إلى ابنها الزبير بأن يُنحّيها،

فلقِيها الزبير فقال لها: يا أماه؛ إنّ رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم يأمرك أن ترجعي؛

فقالت: ولِمَ، وقد بلغني أنه مُثّل بأخي وذلك في الله قليل؟ فما أرضانا بما كان من ذلك؛ لأحتسبنّ ولأصبرنّ إن شاء الله (1)

بهذا العنفوان والايمان اشتركت صفيه في غزوه الاحزاب

ولما غزا التحالف الثلاثي المدينة سنة 5 هـ في غزوة الخندق، وضع النبي صلی الله عليه وآله وسلم النساء والأطفال في الحصون لحمايتهم، فكانت صفية وأمهات المؤمنين في حصن حسان بن ثابت، وبينما كان المسلمون منشغلون بقتال عدوهم، تسلل يهودي وطاف بالحصن يتجسس أخباره، فأدركت أنه يُريد معرفة أفي الحصن رجال أم إنه لا يضم غير النساء والأطفال، فامرت حسان بن ثابت أن يقتله فخاف وجبن فحملت عموداً ونزلت إليه، فضربته على رأسه حتى قتلته (2)

بهذا العنفوان والايمان والشجاعه قادت صفيه حمايه الجبهه الداخليه  في المدينه المنوره من إختراق قوات التحالف

وما احوجنا اليوم الى جبهه داخليه متماسكه فقد مزق العدو الجبهه الداخليه لبلدان المسلمين شر ممزق فوجه اسلحتهم لبعضهم البعض وكفر بعضهم بعضا وانشغلوا عن العدو الحقيقي ولعل وسائل التواصل الاجتماعي كانت حصان طرواده لدخول بلدانهم وتدميرها ونسف عقائدهم

خامسا - جهد استخباري متميز

يقول حذيفه

صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم التفت فقال : من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع - يشرط له رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجعة - أسأل الله تعالى أن يكون رفيقي في الجنة ؟ فما قام رجل من القوم ، من شدة الخوف ، وشدة الجوع ، وشدة البرد  فلما لم يقم أحد ، ودعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يكن لي بد من القيام حين دعاني ؛ فقال : يا حذيفة ، اذهب فادخل في القوم ، فانظر ماذا يصنعون ، ولا تحدثن شيئا حتى تأتينا . قال : فذهبت فدخلت في القوم والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل ، لا تقر لهم قدرا ولا نارا ولا بناء . فقام أبو سفيان ، فقال : يا معشر قريش : لينظر امرؤ من جليسه ؟

 قال حذيفة : فأخذت بيد الرجل الذي كان إلى جنبي ، فقلت : من أنت ؟ قال : فلان بن فلان

تعرّف حذيفه على نوايا العدو وعلى روحه المعنويه المنهاره ونواياه بالانسحاب وعاد الى رسول الله سالما يحمل معه خطط ونوايا العدو

سادسا – الاعلا م الناجح والسياسه المحنكه

إعتمد المسلمون السياسه الواعيه  والاعلام الذكي لتفكيك الجيوش الغازيه وابطال مفعول سلاحها

قال ابن إسحاق في سيرته

وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فيما وصف الله من الخوف والشدة ، لتظاهر عدوهم عليهم ، وإتيانهم إياهم من فوقهم ومن أسفل منهم

ثم إن نعيم بن مسعود بن عامر أتى رسول الله صلى الله عليه واله ، فقال : يا رسول الله ، إني قد أسلمت ، وإن قومي لم يعلموا بإسلامي ، فمرني بما شئت ؛ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما أنت فينا رجل واحد ، فخذل عنا إن استطعت ، فإن الحرب خدعة

فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة ، وكان لهم نديما في الجاهلية ، فقال : يا بني قريظة ، قد عرفتم ودي إياكم ، وخاصة ما بيني وبينكم ؛ قالوا : صدقت ، لست عندنا بمتهم ؛ فقال لهم : إن قريشا وغطفان ليسوا كأنتم ، البلد بلدكم ، فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم ، لا تقدرون على أن تحولوا منه إلى غيره ، وإن قريشا وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه ، وقد ظاهرتموهم عليه ، وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره ، فليسوا كأنتم ، فإن رأوا نهزة أصابوها ، وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ببلدكم ، ولا طاقة لكم به إن خلا بكم ، فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنا من أشرافهم ، يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن تقاتلوا معهم محمدا حتى تناجزوه ، فقالوا له : لقد أشرت بالرأي

ثم خرج حتى أتى قريشا ، فقال لأبي سفيان بن حرب ومن معه من رجال قريش : قد عرفتم ودي لكم وفراقي محمدا ، وإنه قد بلغني أمر قد رأيت علي حقا أن أبلغكموه ، نصحا لكم ، فاكتموا عني ؛ فقالوا  نفعل ؛ قال : تعلموا أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد ، وقد أرسلوا إليه : إنا قد ندمنا على ما فعلنا ، ، فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين ، من قريش وغطفان رجالا من أشرافهم فنعطيكهم ، فتضرب أعناقهم ثم نكون معك على من بقي منهم حتى نستأصلهم ؟ فأرسل إليهم : أن نعم . فإن بعثت إليكم يهود يلتمسون منكم رهنا من رجالكم فلا تدفعوا إليهم منكم رجلا واحدا

ثم خرج حتى أتى غطفان ، فقال : يا معشر غطفان ، إنكم أصلي وعشيرتي ، وأحب الناس إلي ، ولا أراكم تتهموني ؛ قالوا : صدقت ، ما أنت عندنا بمتهم ؛ قال : فاكتموا عني ؛ قالوا : نفعل ، فما أمرك ؟ ، ثم قال لهم مثل ما قال لقريش وحذرهم ما حذرهم

فلما كانت ليلة السبت من شوال سنة خمس ، وكان من صنع الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أن أرسل أبو سفيان بن حرب ورءوس غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل ، في نفر من قريش وغطفان ، فقالوا لهم : إنا لسنا بدار مقام ، قد هلك الخف والحافر ، فاغدوا للقتال حتى نناجز محمدا ، ونفرغ مما بيننا وبينه ، فأرسلوا إليهم : إن اليوم يوم السبت ، وهو  يوم  لا نعمل فيه شيئا ، وقد كان أحدث فيه بعضنا حدثا ، فأصابه ما لم يخف عليكم ، ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم محمدا حتى تعطونا رهنا من رجالكم ، يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمدا ، فإنا نخشى إن ضرستكم الحرب ، واشتد عليكم القتال أن تنشمروا إلى بلادكم وتتركونا ، والرجل في بلدنا ، ولا طاقة لنا بذلك منه

فلما رجعت إليهم الرسل بما قالت بنو قريظة ، قالت قريش وغطفان : والله إن الذي حدثكم نعيم بن مسعود لحق ، فأرسلوا بني قريظة : إنا والله لا ندفع إليكم رجلا واحدا من رجالنا ، فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا ؛ فقالت بنو قريظة ، حين انتهت الرسل إليهم بهذا : إن الذي ذكر لكم نعيم بن مسعود لحق ، ما يريد القوم إلا أن يقاتلوا ، فإن رأوا فرصة انتهزوها ، وإن كان غير ذلك انشمروا إلى بلادهم . وخلوا بينكم وبين الرجل في بلدكم ، فأرسلوا إلى قريش وغطفان : إنا والله لا نقاتل معكم محمدا حتى تعطونا رهنا ؛ فأبوا عليهم ، وخذل الله بينهم ،

وجاء نصر الله

قال تعالى :

مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴿ ٢٣ ﴾ لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ ﴿ ٢٤ ﴾ الاحزاب

وعلم الله مافي قلوب هذه الطائفه الصابره المؤمنه فاثابهم الله نصرا مؤزرا وجزى الله الصادقين بصدقهم نصرا مبينا ويقول سبحانه وتعالى :

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ﴿ ٩ ﴾ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ﴿ ١٠ ﴾ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ﴿ ١١ ﴾الاحزاب

ويدعو الله المؤمنين لتذكر نعمته اذا جاءتهم الجنود من الشمال والجنوب فارسل الله عليهم ريحا شديده البروده محمله بالغبار والحصى قلعت خيامهم واطفات نيرانهم وارسل الله عليهم جنودا لم يروها فانسحبوا مهزومين مقهورين 

وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ﴿ ٢٥ ﴾ وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا ﴿ ٢٦ ﴾ وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا ﴿ ٢٧ ﴾الاحزاب

ومكن الله المسلمين من بني قريظه فانزلهم من قلاعهم ليقتل المسلمين بعضهم وياسرون الاخر ومكنهم الله من ديارهم واموالهم

ثم قال أبو سفيان : يا معشر قريش ، إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام ، لقد هلك الكراع والخف ، وأخلفتنا وبنو قريظة ، وبلغنا عنهم الذي نكره ، ولقينا من شدة الريح ما ترون ، ما تطمئن لنا قدر ، ولا تقوم لنا نار ، ولا يستمسك لنا بناء ، فارتحلوا فإني مرتحل ؛ ثم قام إلى جمله وهو معقول ، فجلس عليه ، ثم ضربه ، فوثب به على ثلاث ، فوالله ما أطلق عقاله إلا وهو قائم ،

انهزم جيش التحالف الثلاثي مسرعا حتى ان ابو سفيان لم يلحق ان يفك عقال ناقته

 

 

المصادر

ابن جرير الطبري، تاريخ الطبري، ج 2، ص 320  (1)

8-  (2) محسن الأمين، أعيان الشيعة، ج 1، ص 263




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=177836
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2023 / 01 / 31
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28