• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الإمامُ عليّ.. بين (بطرس) و(الخلفاء)! .
                          • الكاتب : شعيب العاملي .

الإمامُ عليّ.. بين (بطرس) و(الخلفاء)!

بسم الله الرحمن الرحيم
 
أَنْتَ بُطْرُسُ، وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي، وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا.
 
وَأُعْطِيكَ مَفَاتِيحَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، فَكُلُّ مَا تَرْبِطُهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاوَاتِ. وَكُلُّ مَا تَحُلُّهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولاً فِي السَّمَاوَاتِ» (متى 16: 18-19).
 
هي فقراتٌ من إنجيل متّى، يخاطبُ فيها عيسى عليه السلام وصيّه وخليفته من بعده (بطرس)، الذي يعرف أيضاً ب(شمعون الصفا)، ويُعدُّ هذا النصّ من أقوى النصوص التي استندت إليها الكنيسةُ الكاثوليكية، لمّا ذهبت إلى (عصمة بطرس)، فكلّ ما (يربطه على الأرض يكون مربوطاً في السماوات)، وبيده مفاتيح ملكوت السماوات.
 
كذلك خاطب نبيُّ الإسلام محمد صلى الله عليه وآله وصيّه بما دلّ على عصمته، عندما جعله منه بمنزلة هارون من موسى، وعندما صرّح بأنّه خليفته من بعده، وأن الحق يدور معه كيفما دار، حتى تبيّنت الدنيا فضله وعلمه وعصمته.
 
ههنا يُطرح سؤال..
 
لماذا اتّفقت الكنيسة الكاثوليكية مع المذهب الشيعي على لزوم عصمة خلفاء الأنبياء؟!
 
قال العلامة الحلي رحمه الله، وهو أحد أبرز علماء الشيعة عبر التاريخ:
 
ويجب في النبي العصمة: ليحصل الوثوق فيحصل الغرض، ولوجوب متابعته..
النبي تجب متابعته فإذا فعل معصية فإما أن تجب متابعته أو لا.
والثاني باطل لانتفاء فائدة البعثة.
والأول باطل لأن المعصية لا يجوز فعلها (كشف المراد ص349).
 
منشأ الحكم بلزوم طاعة الأنبياء هو حكمٌ عقليٌّ، لا يمكن أن يختلف أو يتخلّف، فمن وجبت متابعته وطاعته طاعةً مطلقة دون أي استثناء لزم أن يكون معصوماً، وإلا لزم عدم اتّباعه بل الإنكار عليه، وهو باطل جزماً.
 
ولمّا كان المنشأ عقلياً اشترك فيه الكاثوليك والشيعة، وسرت هذه القاعدة إلى خلفاء عيسى ومحمد صلى الله عليه وآله، فقال الكاثوليك بعصمة بطرس لأنه (خليفة عيسى) والصخرة التي بنى عليها كنيسته، وهو رأس الكنيسة وعمادها..
كذلك قال الشيعة من المسلمين بعصمة الأئمة الاثني عشر عليهم السلام، لأنهم خلفاء النبي (ص)، فلا يمكن الأمر بطاعتهم مطلقاً ما لم تثبت عصمتهم.
 
لكن يُلاحظ على الكاثوليك أمران:
الأمر الأوّل:
أنّ القول بعصمة بطرس صحيحٌ وتامّ، لكنّه مخالفٌ لنصّ الإنجيل الذي يعتقدون بصحّته، حيث ذمّ بطرس وسلب منه صفة (العصمة).
 
فقد روي فيه أن عيسى عليه السلام انتهر بطرس وقال عنه أنّه شيطان!
فَالتَفَتَ وَقَالَ لِبُطْرُسَ:«اذْهَبْ عَنِّي يَاشَيْطَانُ! أَنْتَ مَعْثَرَةٌ لِي، لأَنَّكَ لاَ تَهْتَمُّ بِمَا للهِ لكِنْ بِمَا لِلنَّاسِ (متى16: 23)، وقريبٌ منه (مرقس8: 33).
ووصفه بقلّة الإيمان:
يَا قَلِيلَ الإِيمَانِ، لِمَاذَا شَكَكْتَ؟ (متى14: 31).
 
فوقعوا في حيرةٍ، إذ كيف يكون من وصفه عيسى بأنّه شيطانٌ معصوماً عن الخطأ؟! ثم يكون خليفته من بعده.. فحصل التناقض الذي لا يمكن للعقل أن يقرّ به أو يقبله.
 
الأمر الثاني:
أن الكنيسة الكاثوليكية وسّعت دائرة العصمة، لتشمل آباءها، فإنّها لمّا جعلت (البابا: الأب) رئيس الكهنة هو (خليفة بطرس)، لم تجد بُدّاً من الحكم بعصمته ك(بطرس)، فأقرّ مجمع الفاتيكان المنعقد بروما عام 1870م أنّ البابا معصومٌ من الخطأ في كلّ الأمور الدينية، وأنّه وكيل المسيح في السلطة على الكنيسة (بين العقل والإيمان ج1 ص182).
 
لكنّ الكنيسة الكاثوليكية لم تأتِ بدليلٍ تامٍ على ذلك، لذا رفضت قرارها سائر الكنائس، حيثُ لم تتعقّل عصمة المختلفين فيما بينهم، فكم من خلافٍ بين الباباوات (المعصومين) قد ذكره التاريخ!
 
فوقعت الكنيسة الكاثوليكية في مناقضة للعقل من جهتين:
1. حين جعلت بطرس معصوماً وشيطاناً في آن!
2. وحين جعلت آباءها المختلفين في مصاف العصمة معاً!
 
أما الشيعة..
فقد خلصت عقيدتهم من هذين الإشكالين.. لمخالفتهما لحكم العقل القطعي..
 
1. فإنّهم لما نزّهوا الأنبياء والأئمة عن كلّ ما يشينهم، ولم ينسبوا لهم شيئاً من المعاصي والأخطاء، لم يقبلوا بحقهم أدنى ذم أو عيب، فتوافقت عقيدتهم مع العقل ولم تخالفه.
 
2. ولمّا رجعوا لعلمائهم ومراجعهم، لم يذهبوا إلى عصمتهم، حيث لا قائل بين الشيعة ممن يعتد بقوله بعصمة أحدٍ من العلماء، ولا بِوُجُوب اتّباعهم إن لم يستندوا إلى حجّةٍ وبيّنة، أو عُلِمَ فسقهم وضلالهم وانحرافهم أو خطؤهم.
 
وإنّما كان النبيُّ والإمامُ معصوماً ليحصل الوثوق به وتجب طاعته مطلقاً، أمّا من سواه ممن لم تثبت عصمته فلا تجب طاعته كطاعة النبي والإمام، وإلا ثبت التناقض بحكم العقل.
 
لكنّ فرق المسلمين الأخرى سقطت كما سقطت الكنيسة، فإنّها لم تسلم من التناقض..
 
لقد أوجب المخالفون للشيعة طاعة (الخلفاء الثلاثة) مطلقاً مع (عدم وجوب عصمتهم)!
وهذا يُبطل أدلة لزوم العصمة في الأنبياء.. ويناقض العقل القطعي..
 
فمن نصوصهم المتكثّرة في ذلك قولهم:
أنّ الأمة.. أجمعت على صحة إمامة أبى بكر، وعمر، وعثمان، مع إجماعهم على أن العصمة لم تكن واجبة لهم. (سيف الدين الآمدي‏ المتوفي سنة 623 هـ في أبكار الأفكار في أصول الدين ج‏5 ص199).
 
صحّة إمامتهم تعني وجوب طاعتهم مطلقاً، فهم مخبرون عن السماء مطلقاً.
وعدم وجوب عصمتهم يعني عدم وجوب طاعتهم مطلقاً، لاحتمال الخطأ فيهم.
 
فاجتمع (وجوب طاعتهم) و(عدم وجوب طاعتهم) معاً!
 
إنّه الجمع بين المتناقضين..
وقع فيه النصارى في العصمة كما وقعوا فيه في التثليث..
ثم وقع فيه المخالفون للشيعة من المسلمين..
 
يجمَعهم أنهم ما كانوا مأمونين على علوم السماوات في الأرض، ولا سيّرتهم البصيرة إلى الحق.. أو كانوا ممن ينقدح الشك في قلوبهم لأول عارضٍ من شبهة.. كما قال أميرُ المؤمنين عليه السلام:
 
إِنَّ هَاهُنَا لَعِلْماً جَمّاً، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى صَدْرِهِ، لَوْ أَصَبْتُ لَهُ حَمَلَةً.. بَلَى أَصَبْتُ لَقِناً غَيْرَ مَأْمُونٍ عَلَيْهِ، مُسْتَعْمِلًا آلَةَ الدِّينِ لِلدُّنْيَا، وَمُسْتَظْهِراً بِنِعَمِ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَبِحُجَجِهِ عَلَى أَوْلِيَائِهِ، أَوْ مُنْقَاداً لِحَمَلَةِ الْحَقِّ، لَا بَصِيرَةَ لَهُ فِي أَحْنَائِهِ، يَنْقَدِحُ الشَّكُّ فِي قَلْبِهِ لِأَوَّلِ عَارِضٍ مِنْ شُبْهَةٍ، أَلَا لَا ذَا وَلَا ذَاك‏..
 
سلامُ الله عليك يا أبا الحسن.. يا عليّ بن أبي طالب..
 
جهلوك.. حتى قرنوك بمن ناووك..
 
جهل النصارى قدر بطرس فزعموه شيطاناً!
وجَهِلَت الأمة قدرك فقدّمت (الثلاثة) عليك.. من ليس لهم سابقة في علمٍ أو دين!
 
إنّها الإمامة.. أوّل عروةٍ نُقضت في الإسلام.. حتى ركبت الأمة سُنن من كان قبلها!
 
اللهم إنّا معشر الشيعة نبرأ إليك من هؤلاء وهؤلاء.. ونوالي وليك ونعادي عدوك. فكن لنا ولياً وناصراً ومعيناً..
 
والحمد لله رب العالمين




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=177933
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2023 / 02 / 04
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28