• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : مَنعُ النوادي الليليـّةِ وبَيعِ الخمورِ ... وأشياءٌ أُخرى في العراق .
                          • الكاتب : راسم المرواني .

مَنعُ النوادي الليليـّةِ وبَيعِ الخمورِ ... وأشياءٌ أُخرى في العراق

المقدمة / كم كان بودي أن تضع الحكومة العراقية أمام نظرها ووعيها تجربة السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر (عليه صلوات من ربه ورحمة) في إصلاح المجتمع ، وأن تستفيد من خطواته (الواثقة) في تغيير الخارطة (الأخلاقية) للمجتمع ،
وأن تبدأ من حيث بدأ هذا الرجل العملاق ، أو أن تبدأ من حيث انتهى على الأقل .
 
ألمقالة / 
بدءً ينبغي أن نسلط الضوء على نقطة مهمة ، يمكن أن نؤطرها بشكل تساؤل ، وهو :- هل وظيفة القوانين هي حماية المجتمع من الفرد ؟ أم لحماية الفرد من المجتمع ؟ وأحسب أن وظيفة القوانين هي حماية (المجتمع) من (الفرد) ، وليس العكس ، لأن المفترض أن مصلحة المجتمع (أي المصلحة العامة) تفدم على مصلحة الأفراد (أي المصلحة الشخصية) ، وكما يقول السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر :- (إذا تحققت المصلحة العامة ، تحققت معها المصلحة الخاصة) ، ولذا ، فمصلحة الفرد  مرهونة بتحقق المصلحة العامة ، ومن هنا ، فإن الكثير من القوانين تضعها السلطة دون الإلتفات الى هذا المعنى ، وأقربها (معاصرة) ما تمارسه دوائر (المرور) من فرض قانون (ربط حزام الأمان) ، وإيقاع العقوبة على من يخرق هذا القانون ، وهذا بحد ذاته سوء (فهم) أو سوء (تعاطي) مع الغاية التي من أجلها وضِعَتْ القوانين ، لأن (عدم) ربط حزام الأمان يتعلق بالضرر (الفردي) أو الشخصي ، خصوصاً حين يقود الشخص سيارته الشخصية لوحده ، والقانون لا علاقة له بالضرر الشخصي إذا كان الأمر لا يتعلق بضرر المجتمع ، أما أن تفرض القوانين حمايتها على (شخصية الأفراد) ، فالمسألة لا تعدو كونها نوعاً من أنواع التسلط السلبي ، أو الغباء المتفشي في فهم فقه القوانين .
وقريب من هذه المسألة ، موضوعة تعاطي (المخدرات) ، فالمفترض بالقوانين أن تنظر الى مدى الضرر الناتج عن تعاطي المخدرات بالنسبة للمجتمع ، وليس بالفرد نفسه ، والمجتمع هنا ليس بمعنى (الأمة) ولا (الطائفة) ، بل المجتمع ممكن أن يكون (الأسرة) المفترض تكونها من (الأب والأم) أو الأب والأم و (فرد أو أفراد) من الأسرة ، وهكذا ، تصح تسمية (المجتمع) على (فردين) فقط من الأفراد ، مثل الصديق وصديقه ، أو الأب وابنه ، أو سائق سيارة الأجرة ومن يركب بمعيته .
إن أغلب (الأغبياء) يفهمون (الحرية) على أنها محض (استهتار) ، وكثير من أهل (النـزق) يتصورون بأن (الحرية الشخصية) هي حرية شخصية يمكن أن تقوم بمعزل عن الخارج ، وهذا غير واقعي البته ، فليس هناك في الوجود شئ اسمه (حرية شخصية) بالمعنى الكامل ، ذلك لأن الإنسان (كونه كائن اجتماعي) لا يمكن أن يعيش بمعزل عن الآخرين ، ولذا ، فحريتة (تحددها) حرية الآخرين ، ورغباته تطوقها (رغبات الآخرين) ، وتطلعاته تقيدها (تطلعات) الآخرين .
إن أي ضرر (مادي أو معنوي أو أدبي) يمكن أن يسببه شخص للآخرين ، فهو خارج حدود حريته الشخصية ، وهو سلب لحرية الآخرين ، مع العلم بأن حرية الإنسان يجب أن (لا) تخدش حقوق الآخرين أولاً ، ويجب أن لا تضر بـ (الحيوان) والبيئة أيضاً .
إن مسألة منع (بيع الخمور) يجب أن لا يُنظر إليها من باب (منع الإثم) فقط ، ولا يجب حصرها بـ (طاعة الله) فقط ، ويجب أن لا ترتكز على كون مجتمعنا مجتمع شرقي ذو قيم محددة فقط ، و (لا) يجب أن يُـنظَرَ الى الموضوع من حيث كوننا مجتمع إسلامي فقط ، فالأديان (كلها) نظرت الى الخمر نظرة (تحريم) واستهجان ، بل من الملفت للنظر أن - حتى - المجتمعات الغربية (العلمانية) تنظر الى الخمر وشارب الخمر و (السكير) على أنه شخص منبوذ وليس أهلاً للثقة وليس ممن يعتد بهم أو يعتمد عليهم في بناء المجتمع ، بل قد يرى (حتى الغربيين) بأن المدمن على الخمر هو سبب من أسباب انهيار الأسرة والعمل والمجتمع ، ولذا ، فعلينا أن لا نضيق نطاق قوانينا بالرؤية الدينية ، لأن الأديان كلها إنما جائت من أجل (الإنسانية) جمعاء ، وينبغي أن ننظر الى مقدار الضرر الذي يمكن أن تسببه (الممنوعات والمحرمات) للمجتمع ومنها الخمور ، بدءً من الأضرار (الأخلاقية) ومروراً بالأضرار (المادية) والنفسية وانتهاءً بالأضرار التي لها علاقة بانتشار الجريمة أو الأوبئة في المجتمع .
إن من الأخطاء الكبيرة أن يضع القيمون على القانون (قانوناً) يمنع أو يسمح بتعاطي مادة ما دون أن تكون هناك (حرب ثقافية وإعلامية) تسبق إصدار هذا القانون ، وخصوصاً القوانين (الوضعية) التي تتكئ على (التشريعات الإلهية) ، لسبب مهم جداً ، هو أن الغاية من (قوانين السلطة) أنها تأتي (لحماية) السلطة ، وأبعاد الناس عن الإضرار بالسلطة ، بيد أن قوانين (الله) غايتها تقريب الناس من (الله) ، وعليه ، فكل قانون يتكئ على (التشريع) ينبغي فيه أولاً أن يكون مسبوقاً بآلية (التدريج) المساوق للحراك الإعلامي والتثقيفي ، لدرجة توصل المجتمع الى استهجان ورفض (موضوعة المنع) ، وتهيئة الأجواء المجتمعية لقبول (المنع) ، خصوصاً وأننا قد ابتعدنا كثيراً عن مصادر التشريع (الأصلية) وأشغلتنا هموم السياسة والمناصب واللهاث وراء المكاسب ، فلو أننا (حصرنا) النوادي الليلية ومحلات بيع الخمور في (رقعة) جغرافية واحدة – على سبيل الفرض – بمدخل ومخرج واحد ، فلنا أن نتخيل حجم الحرج الذي يلاحق (الداخل والخارج) الى هذه الرقعة المحدودة .
ولو أننا عدنا الى ما أدرجناه في (مقدمة) مقالتنا هذه ، وتعاطينا مع موضوعة (المنع) بنفس الأسس (العملية) التي انتهجها الولي المقدس الشهيد محمد الصدر ، لأستطعنا أن نمنع الكثير من الممارسات في المجتمع ، فعلى سبيل المثال لا الحصر ، ينبغي علينا – كما فعل الولي المقدس – أن نوجد نوعاً من أنواع الثقة والحب والطاعة بين المجتمع وسلطة القانون ، حيث وجدنا في (العصر الذهبي) لحركة الإصلاح في المجتمع العراقي ما قبل اغتيال الولي المقدس ، أن الولي المقدس كان يرسل إشارات المحبة والثقة للمجتمع ، حتى وجدنا أن (مجتمع الباعة) قد بدأ يُعرض عن البضاعة لمجرد وجود (الشبهة) ، ووجدنا أن ربات بيوتنا يمتنعن عن طبخ المواد الغذائية ما لم يكن فيها دليل على الأحلية ، ووجدنا أن الكثير من أصحاب المهن قد غادروا مهنهم لوجود إشكال شرعي في امتهانها ، وهذا كله ناجم عن الحب والثقة والطاعة ، وليس لصرامة القوانين التي كان الولي المقدس يفرضها على المجتمع ، بل لقد كان (عليه صلوات من ربه ورحمة) يتعامل مع أسلوب (البدائل) ، فقد كان يخلق البدائل لأتباعه ليستغنوا عن أسلوبية حياتهم السابقة .  
إن مسألة (حرمة) الخمر ، وحرمة ارتياد النوادي الليلية ، لا يمكن أن تكون حاجزاً كبيراً لدى من لا يؤمنون بـ (الحرمة) ، وإن القوانين ليست رادعاً كافياً لمنع الأشخاص من تعاطي (المحرمات) ، فسبل (التهريب والتسريب) كفيلة بتوفير (المحرمات والممنوعات) للمجتمع بشكل مألوف ، كما هو الحاصل في (تهريب) الخمور الى الجمهورية الإسلامية في إيران أو الى المملكة العربية السعودية أو غيرها من الدول ذوات الدساتير الإسلامية ، وهذا ليس غريباً ، فتأريخنا (الضبابي)
يخبرنا بأن نفراً من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) كانوا يعاقرون (الخمر) في وادٍ من أودية مكة ، في ليلة من ليالي الغزو مع الرسول الأعظم ، وعليه ، فللشيطان حصة في المجتمع لا تقننها غير الثقافة والوعي التي يجب أن يبثها في
المجتمع (نفرٌ) من المؤمنين الخيرين الصادقين ، وليس ممن يضربون شاربي الخمر بالعصي والهراوات ، ثم يرجعون لبيوتهم (ليلاً) كي ينسوا تعب النهار وجهد (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) عبر تناول (كأس أو كأسين) من الخمور المستوردة ، وأهل مكة أدرى بشعابها .
إن من المؤكد أن هناك أخطاراً على المجتمع ليس الخمر بأشدها ، أمثال الغيبة والنميمة والنفاق والبهتان والتسقيط وأكل مال المواطنين والرشوة والمحسوبية والمتاجرة بمصائر الناس والقتل والزنا والشذوذ والمثلية وانتهاك حرمة وكرامة المواطن في (السيطرات) والتعذيب والإغتصاب في السجون وإذكاء الطائفية والتسليب والتهجير وغيرها ، ولذا ، فمن يريد أن يعصي الله في صحراء حيث لا يضر بشراً ولا حيواناً ولا بيئة ، فهو حر ، وهذه مسألة بينه وبين ربه ، وأما من يريد أن يحتسي
الخمر (دون) أن يضر بأسرته أو بأبناءه أو ببيئته أو بأصدقاءه أو بعمله أو بنتاجه المجتمعي فهو حر ، وحسابه وعقابه على من خلقه ، شريطة أن لا يكون محكوماً بقانون (التزاحم) ، أي بالقانون الذي يقول (إذا تزاحم أمران ، أحدهما مهم والآخر أهم ، فيصار الى الأهم ويـُترك المهم) ، ومن يريد أن يزني دون أن يؤثر في أسرته أو مجتمعه أو بيئته أو شركاءه في الإنسانية فهو حر ، وله مع ربه موقف لن يصيبنا فيه عاره أو شناره ، ومن أراد أن يعصي الله – بأية معصية - دون أن يضر ببيئته أو أسرته أو مجتمعه أو أصدقاءه أو وطنه فهذه مسألة بينه وبين ربه .
وأعتقد بأننا إذا أردنا أن نمنع (النوادي الليلية) ، فعلينا أن نبدأ بالخطوة الأولى ، خطوة واحدة ، واحدة قبل كل شئ ، وهي أننا بدلاً أن نفرض (ضريبة دخل) على إدارة النوادي الليلية ، علينا أن نفرض عليهم أن يضعوا (لافتة) كبيرة على مدخل (وجدران) النوادي الليلية ، مكتوب عليها قول رسول الله (ص) :- (عُفّوا ...تعفُّ نساؤكم) ، وأنا زعيم بما ستؤول له النتائج .
 
 
 
راسم المرواني
 
المستشار الثقافي للتيار الصدري
 
العراق / عاصمة العالم المحتلة
 
 
 
 
 
      



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=1783
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 12 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19