• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : مشكاة نور الله فاطمة بنت محمد صلى الله عليه واله الحلقة الرابعة         .
                          • الكاتب : السيد عبد الستار الجابري .

مشكاة نور الله فاطمة بنت محمد صلى الله عليه واله الحلقة الرابعة        

 تفسير فرات الكوفي من التفاسير الروائية التي تعتمد النصوص المروية عن اهل البيت (عليهم السلام) في بيان معاني الايات الكريمة، وقد ذكر في تفسيره للآية نصوص مروية عن الائمة (صلوات الله عليهم) عند التدقيق فيها ان التمثيل الوارد فيها ليس من باب التمثيل التوضيحي لان التمثيل التوضيحي يناسبه المعنى اللفظي الذي يعبر عن المشكاة بالكوة وعن المصباح بالسراج او الفتيلة، وانما التمثيل هنا بنحو ما بأزاء العالم العلوي فكما ان هناك حقيقة مطلقة لها كمال لا يدرك العقل البشري كنهها، فإن الله تعالى جعل في العالم الارضي مخلوقات جعل لها اعلى درجات الكمال الإمكاني فلا يدنو مراتبها الكمالية احد من الخلق، فهي من جهة اكمل المخلوقات وارقى الموجودات واشرف الممكنات ومن جهة تجل اتم للخالق العظيم تبارك اسمه، فيكون ما في العالم الارضي مثال حاك عن العظمة الالهية، فكما ورد في النصوص الشريفة ان الكعبة وضعت بازاء البيت المعمور والبيت المعمور وضع بازاء العرش، وان الكعبة مربعة الشكل كما ان البيت المعمور مربع الشكل، والبيت المعمور كان مربعاً لان العرش مؤلف من اربع كلمات هن سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر، فكان البيت مطاف سكان الارض والبيت المعمور مطاف سكان السماوات والعرش مطاف عالم الامكان، فالكعبة مركز الكون الذي انطلقت منه كل الموجودات الامكانية في هذا العالم، والبيت المعمور المركز السماوي والعرش هو المحيط بكل ما في عالم الامكان، فكانت الكعبة المشرفة لها ازائية تجاه البيت المعمور والبيت المعمور مجعول بازاء العرش، فكذا كانت الذوات المقدسة التي اشارت اليها النصوص الشريفة التي شرفت بالكمالات والخصائص الفريدة والمقامات العالية محطاً اولاً للفيض الالهي، فلتلك الوجودات الطاهرة وجود نوري سبق خلق السموات والأرض فهي اشراقة النور الالهي وفيضه الاول جعل الله تعالى لها الاحاطة بعالم الخلق فهي كالعرش بالنسبة للبيت المعمور، ثم اودع ذلك النور في من خلقه ليكون خليفته في الارض فاسجد له ملائكته فكان ذلك النور كما كان البيت المعمور للكعبة المشرفة، ثم نقله عبر الاصلاب الشامخة والارحام المطهرة حتى اظهره على الارض فكان كالعبة المشرفة لسكان الارض، ومن هنا يتضح ان ماورد في النصوص الشريفة من تفسير الالفاظ القرآنية الكريمة بالحقائق الشريفة لاهل البيت (عليهم السلام) انما هو اشارة الى ان هذه الايات الكريمة تتحدث عما بازاء الحقائق العلوية التي شرفها الله تعالى وجعلها السبيل الموصل اليه والدال عليه.
ورد في تفسير فرات الكوفي نصوص تناولت تفسير الآية الكريمة:
(قال : حدثنا فرات بن إبراهيم الكوفي معنعنا : عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام في قول الله [ تعالى . ر ] : ( مثل نوره كمشكاة فيها مصباح ) قال : المشكاة العلم في [ صدر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( في زجاجة ) قال : الزجاجة صدر النبي [ صلى الله عليه وآله وسلم . ر ] [ ومن . أ ، ر ] صدر النبي [ ر : صدره ] إلى صدر علي [ بن أبي طالب عليه السلام . ر ] علمه النبي لعلي [ عليه السلام . أ ] ( كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة ) [ زيتونة ) . ر ] قال نور العلم ( لا شرقية ولا غريبة ) قال : [ من إبراهيم خليل الرحمان إلى محمد رسول الله صلى الله عليهما وآلهما وسلم . ر ] إلى علي [ بن أبي طالب عليه السلام . أ : صلوات الله عليه ] ( لا شرقية ولا غربية ) . ر ، أ ] [ قال . أ ] لا يهودية ولا نصرانية ( يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار ، نور على نور ) قال : يكاد العلم من آل محمد يتكلم بالعلم قبل أن يسأل عنه)
(قال حدثني جعفر بن محمد الفزاري معنعنا : عن جابر رضي الله عنه قال أبو جعفر بلغنا والله أعلم أن قول الله تعالى : ( الله نور السماوات والأرض مثل نوره ) فهو [ نور . أ ] محمد صلى الله عليه وآله وسلم ( كمشكاة ) [ قال . أ ، ب ] : المشكاة هو صدر نبي الله ( فيها مصباح ) وهو العلم ( المصباح في زجاجة ) فزعم أن الزجاجة أمير المؤمنين وعلم رسول الله [ صلى الله عليه وآله وسلم . ب ] عنده ، و أما قوله : ( كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية ) قال : لا يهودية ولا نصرانية ( يكاد زيتها يضئ ) قال : يكاد ذلك العلم أن يتكلم فيك قبل أن ينطق به الرجل ( ولو لم تمسسه نار ، نور على نور )) 
(قال حدثني جعفر بن محمد الفزاري معنعنا : عن أبي عبد الله [ عليه السلام . أ ، ب ] في قوله [ تعالى . ر . أ : قول الله ] : ( الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح ) الحسن مصباح [ ب : المصباح ] والحسين في زجاجة [ ( الزجاجة . ب ] كأنها كوكب دري ) فاطمة كوكب دري من [ ب . ( خ ل ) : بين ] نساء العالمين ( يوقد من شجرة مباركة [ زيتونة ) . ر ] إبراهيم [ الخليل . ر ] [ زيتونة . أ ، ب . ] لا شرقية ولا غربية ) يعني : لا يهودية ولا نصرانية ( يكاد زيتها يضئ ) يكاد العلم ينبع منها) 
وفي جامع الجوامع للشيخ الطبرسي (اعلى الله مقامه) بعد ان عرض جملة من الآراء في تفسير الآية الشريفة (وعن الباقر ( عليه السلام ) : " إن قوله : * ( كمشكاة ) * عليها مصباح هو نور العلم في صدر النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، والزجاجة صدر علي ( عليه السلام ) ، علمه النبي ( صلى الله عليه وآله ) علمه فصار إلى صدره * ( يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار ) * يكاد العالم من آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) يتكلم بالعلم قبل أن يسأل * ( نور على نور ) * أي : إمام يؤيد بنوره العلم والحكمة في إثر إمام من آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، وذلك من لدن آدم إلى قيام الساعة ، هم خلفاء الله في أرضه ، وحججه على خلقه ، لا تخلو الأرض في كل عصر من واحد منهم ". وهذا يقتضي أن تكون الشجرة المباركة هي هذه الشجرة التي أشرقت الأرض بنورها من عهد آدم إلى منقرض العالم) 
ونقل الفيض الكاشاني في تفسيره نصاً يفسر معنى (نور على نور):( وفي رواية : ( يكاد زيتها يضئ ) ، يقول : مثل أولادكم الذين يولدون منكم ، مثل الزيت الذي يعصر من الزيتون ، يكادون أن يتكلموا بالنبوة ، ولو لم ينزل عليهم ملك ) 
ونقل (قدس سره) في التفسير الصافي مجموعة من النصوص فسرت الآية الكريمة ( الله نور السماوات والأرض الظاهر بنفسه المظهر لهما بما فيهما . وفي التوحيد عن الرضا عليه السلام هاد لأهل السماء وهاد لأهل الأرض قال وفي رواية البرقي هدى من في السماوات وهدى من في الأرض مثل نوره صفة نوره العجيبة الشأن كمشكاة كصفة مشكاة وهي الكوة غير النافذة فيها مصباح سراج ضخم ثاقب المصباح في زجاجة في قنديل من الزجاج الزجاجة كأنها كوكب درى مضئ متلألأ منسوب إلى الدر وقرء بالهمزة وبضم الدال وكسرها من الدرء كأنه يدفع الظلام بضوئه يوقد المصباح وقرئ بالتاء على إسناده إلى الزجاجة بحذف المضاف أي مصباحها وبفتح التاء والدال وتشديد القاف من شجرة مباركة زيتونة ابتداء ثقوب المصباح من شجرة الزيتون المتكاثر نفعه بأن رويت ذبالته بزيتها لا شرقية ولا غربية تقع الشمس عليها حينا دون حين بل بحيث تقع عليها طول النهار فإن ثمرتها تكون أنضج وزيتها أصفي يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار أي يكاد يضئ بنفسه من غير نار لتلألئه وفرط وميضه نور على نور نور متضاعف فإن نور المصباح زاد في إنارته صفاء الزيت وزهرة القنديل وضبط المشكاة لأشعته يهدي الله لنوره من يشاء أي لهذا النور الثاقب ويضرب الله الأمثال للناس تقريب للمعقول إلى المحسوس توضيحا وبيانا والله بكل شئ عليم معقولا كان أو محسوسا . في التوحيد عن الصادق عليه السلام هو مثل ضربه الله تعالى لنا وعنه عليه السلام الله نور السماوات والأرض قال كذلك الله عز وجل مثل نوره قال محمد صلى الله عليه وآله كمشكاة قال صدر محمد صلى الله عليه وآله فيها مصباح قال فيه نور العلم يعني النبوة المصباح في زجاجة قال علم رسول الله صلى الله عليه وآله صدر إلى قلب علي عليه السلام الزجاجة كأنها قال كأنه كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية قال ذاك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لا يهودي ولا نصراني يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار قال يكاد العلم يخرج من فم العالم من آل محمد صلوات الله عليهم من قبل أن ينطق به نور على نور قال الأمام في أثر الأمام وفي معناه أخبار أخر .
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام في حديث يقول أنا هادي السماوات والأرض مثل العلم الذي أعطيته وهو نوري الذي يهتدي به مثل المشكاة فيها المصباح فالمشكاة قلب محمد صلى الله عليه وآله والمصباح نوره الذي فيه العلم وقوله المصباح في زجاجة يقول إني أريد أن أقبضك فأجعل الذي عندك عند الوصي كما يجعل المصباح في الزجاجة كأنها كوكب دري فأعلمهم فضل الوصي يوقد من شجرة مباركة فأصل الشجرة المباركة إبراهيم عليه السلام وهو قول الله عز وجل رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد وهو قول الله إن الله اصطفي آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم لا شرقية ولا غربية يقول لستم بيهود فتصلوا قبل المغرب ولا نصارى فتصلوا قبل المشرق وأنتم على ملة إبراهيم عليه السلام وقد قال الله عز وجل ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين وقوله يكاد زيتها يضئ يقول مثل أولادكم الذين يولدون منكم مثل الزيت الذي يعصر من الزيتون يكادون أن يتكلموا بالنبوة ولو لم ينزل عليهم ملك . والقمي عن الصادق عن أبيه عليهما السلام في هذه الآية الله نور السماوات والأرض قال بدأ بنور نفسه مثل نوره مثل هداه في قلب المؤمن كمشكاة فيها مصباح المشكاة جوف المؤمن والقنديل قلبه والمصباح النور الذي جعله الله فيه توقد من شجرة مباركة قال الشجرة المؤمن زيتونة لا شرقية ولا غربية قال على سواء الجبل لا غربية أي لا شرق لها ولا شرقية أي لا غرب لها إذا طلعت الشمس طلعت عليها وإذا غربت غربت عليها يكاد زيتها يعني يكاد النور الذي جعله الله في قلبه يضئ وإن لم يتكلم نور على نور فريضة على فريضة وسنة على سنة يهدي الله لنوره من يشاء قال يهدي الله لفرائضه وسننه من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس قال فهذا مثل ضربه الله للمؤمن قال فالمؤمن يتقلب في خمسة من النور مدخله نور ومخرجه نور وعلمه نور وكلامه نور ومصيره يوم القيامة إلى الجنة نور قال الراوي قلت لجعفر عليه السلام إنهم يقولون مثل نور الرب قال سبحان الله ليس لله مثل أما قال فلا تضربوا لله الأمثال) 
ونقل الحويزي قدس سره في تفسير نور الثقلين عدة روايات اخترنا منها:
( وتصديق ذلك ما حدثنا به إبراهيم بن هارون الهيثي بمدينة السلام قال : حدثنا محمد بن أحمد بن أبي الثلج قال : حدثنا الحسين بن أيوب عن محمد بن غالب عن علي بن الحسين بن أيوب عن الحسين بن سليمان عن محمد بن مروان الذهلي عن الفضيل ان يسار قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : " الله نور السماوات والأرض " قال : كذلك الله عز وجل ، قال : قلت : " مثل نوره " قال : محمد صلى الله عليه وآله قلت : " كمشكاة " قال : صدر محمد صلى الله عليه وآله ، قلت : " فيها مصباح " قال : فيه نور العلم يعنى النبوة ، قلت : " المصباح في زجاجة " قال : علم رسول الله صلى الله عليه وآله إلى قلب علي عليه السلام ، قلت : " كأنها كوكب درى " قال : لأي شئ تقرأ كأنها ؟ قلت : فكيف جعلت فداك ؟ قال : " كأنه " قلت : " توقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية " قال : ذاك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لا يهودي ولا نصراني ، قلت : " يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار " قال : يكاد العلم يخرج من فم العالم من آل محمد من قبل أن ينطق به ، قلت : نور على نور " قال : الامام في اثر الامام .
174 - وباسناده إلى عيسى بن راشد عن محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام في قوله عز وجل : " كمشكاة فيها مصباح " قال : المشكاة نور العلم في صدر النبي صلى الله عليه وآله " المصباح في زجاجة " الزجاجة صدر علي عليه السلام صار علم النبي إلى صدر على ، علم النبي عليا عليه السلام " الزجاجة كأنها كوكب درى يوقد من شجرة مباركة " قال : نور العلم " لا شرقية ولا غربية " قال : لا يهودية ولا نصرانية " يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار " قال : يكاد العالم من آل محمد يتكلم بالعلم قبل أن يسأل " نور على نور " يعنى إماما مؤيدا بنور العلم والحكمة في اثر الامام من آل محمد ، وذلك من لدن آدم إلى أن تقوم الساعة ، فهؤلاء الأوصياء الذين جعلهم الله عز وجل خلفاء في أرضه وحججه على خلقه لا تخلو الأرض في كل عصر من واحد منهم)
ولعل ما ذكره الملا هادي السبزواري (قدس سره) في كتابه شرح الاسماء ما يشير الى المعنى الذي بيناه انفا حيث يقول(والوجود العيني له مرتبتان إحديهما الوجود المطلق المنبسط الذي هو صنع الله الذي كل شئ قائم به قيام عنه لا قيام فيه يعنى قيام صدور لا قيام حلول والاخرى قيومية الوجود الحق للوجود المطلق كانت العوالم متطابقة والمراتب متحاكية كان هذا الطول إشارة إلى العروج العيني إلى مقام الفنا بعد نزوله إلى مقام التعين بالنقطة كما ورد عن علي ( ع ) انا النقطة تحت الباء وورد عن الكمل بالباء ظهر الوجود وبالنقطة تميز العابد عن المعبود فالمراد بالنقطة هو الامكان وبالباء هو الصادر الأول وقيام الباء في الصورة مقام الألف إشارة إلى خلافة العقل الكلى الذي هو الانسان الكامل الختمي صلى الله عليه وآله في السلسلة الصعودية عن الله تعالى والى الترفع والعروج أشار ابن الفارض ( س ) بقوله
فلو كنت لي من نقطة الباء خفضة * رفعت إلى ما لم تنله بحيلة
والى الفناء والاستخلاف أشار بقوله
فلم تهوني ما لم تكن في فانيا * ولمن تفن ما لم تجتلى فيك صورتي) 
والعلامة الطباطبائي (قدس سره) في الميزان بعد ان تعرض في ثنايا بحثه الى الآراء المطروحة في تفسير الآية على نحو الاشارة المختصرة قال:( والمراد من كون النور على النور قيل : هو تضاعف النور لا تعدده فليس المراد به أنه نور معين أو غير معين فوق نور آخر مثله ، ولا أنه مجموع نورين اثنين فقط بل أنه نور متضاعف من غير تحديد لتضاعفه وهذا التعبير شائع في الكلام . وهذا معنى لا يخلو من جودة وإن كان إرادة التعدد أيضا لا تخلو من لطف ودقة فإن للنور الشارق من المصباح نسبة إليه بالأصالة والحقيقة ونسبة إلى الزجاجة التي عليه بالاستعارة والمجاز ، ويتغاير النور بتغاير النسبتين ويتعدد بتعددهما وإن لم يكن بحسب الحقيقة إلا للمصباح والزجاجة صفر الكف منه فللزجاجة بالنظر إلى تعدد النسب نور غير نور المصباح وهو قائم به ومستمد منه . وهذا الاعتبار جار بعينه في الممثل له فإن نور الايمان والمعرفة نور مستعار مشرق على قلوب المؤمنين مقتبس من نوره تعالى قائم به مستمد منه . فقد تحصل أن الممثل له هو نور الله المشرق على قلوب المؤمنين والمثل هو المشبه به النور المشرق من زجاجة على مصباح موقد من زيت جيد صاف وهو موضوع في مشكاة فإن نور المصباح المشرق من الزجاجة والمشكاة تجمعه وتعكسه على المستنيرين به يشرق عليهم في نهاية القوة والجودة . فأخذ المشكاة للدلالة على اجتماع النور في بطن المشكاة وانعكاسه إلى جو البيت ، واعتبار كون الدهن من شجرة زيتونة لا شرقية ولا غربية للدلالة على صفاء الدهن وجودته المؤثر في صفاء النور المشرق عن اشتعاله وجودة الضياء على ما يدل عليه كون زيته يكاد يضئ ولو لم تمسسه نار ، واعتبار كون النور على النور للدلالة على تضاعف النور أو كون الزجاجة مستمدة من نور المصباح في إنارتها . وقوله : " يهدي الله لنوره من يشاء " استئناف يعلل به اختصاص المؤمنين بنور الايمان والمعرفة وحرمان غيرهم ، فمن المعلوم من السياق أن المراد بقوله : " من يشاء " القوم الذين ذكرهم بقوله بعد : " رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله " الخ ، فالمراد بمن يشاء المؤمنون بوصف كمال إيمانهم . والمعنى : أن الله إنما هدى المتلبسين بكمال الايمان إلى نوره دون المتلبسين بالكفر - الذين سيذكرهم بعد - لمجرد مشيته ، وليس المعنى أن الله يهدي بعض الافراد إلى نوره دون بعض بميته ذلك حتى يحتاج في تتميمه إلى القول بأنه إنما يشاء الهداية إذا استعد المحل إلى الهداية بحسن السريرة والسيرة ، وذلك مما يختص به أهل الايمان دون أهل الكفر فافهمه . والدليل على ذلك ما سيأتي من قوله : " ولله ملك السماوات والأرض " إلى آخر الآيات بالبيان الآتي إن شاء الله )
ومن اجمل ما قيل في تفسير الآية الشريفة ماورد عن الشيخ ناصر مكارم الشيرازي (دام ظله الوارف) حيث جمع بين تلك الاقوال بعد مقدمة رائعة حيث قال: (ولشرح هذا المثال يجب الإلمام بعدة أمور : " المشكاة " في الأصل تعني الكوة التي تخصص في الجدار لوضع المصابيح الزيتية فيها لحفظها من الرياح ، وأحيانا تبنى في الجدار فتحة صغيرة ، يغطى جانبها المشرف على ساحة الدار بالزجاج ، لإضاءة داخل وخارج الغرفة كما تحفظ المصباح من الرياح . كما تطلق هذه الكلمة على وعاء ( الفانوس القديم ) يصنع من زجاج على شكل متوازي المستطيلات له باب وفتحة في أعلاه لخروج الهواء الساخن . وكانوا يضعون المصباح فيه . وباختصار نقول : إن المشكاة محفظة للمصباح من الرياح الشديدة ، وغالبا ما يثبت في الجدار لتركيز الضوء وسهولة انعكاسه . " الزجاجة " تطلق في الأساس على الأحجار الشفافة ، وسميت الصفائح الشفافة بالزجاج لأنها تصنع من مواد معدنية ، والزجاجة هنا تعني الزجاجة التي توضع فوق المصباح لتحفظ شعلته ، وتنظم جريان الهواء ، لتزيد من نور الشعلة . " المصباح " يتألف من وعاء للزيت وفتيل . عبارة يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية تشير إلى الطاقة التي تجهز هذا المصباح بوقود لا ينضب معينه . وزيت الزيتون من أجود الوقود المستعمل للمصابيح ، ثم أن هذا الزيت يحصل عليه من زيتون شجر يتعرض للشمس من جميع جوانبه بشكل متساو ، لا أن تكون الشجرة في الجانب الشرقي من البستان وبجانب حائط يمنع وصول أشعة الشمس إليها ، كما لا تكون في جهة الغرب ليتعرض جانب واحد منها على أشعة الشمس ، فلا تنضج ثمرتها بصورة جيدة ولا يكون زيتها نقيا وصافيا . وبعد هذا الإيضاح يتبين أننا للاستفادة من نور المصباح بإشعاع قوي نحتاج إلى توفر أربعة أشياء . " محفظة للمصباح " لا تقلل من نوره ، بل تركز هذا النور وتعكسه و " زجاجة " تنظم جريان الهواء حول الشعلة ، ويجب أن تكون شفافة بدرجة لا تمنع تشعشع النور ، و " مصباح " هو مصدر النور ، وهو عبارة عن إناء فيه زيت وفي أعلاه الفتيل . وأخيرا " مادة الاحتراق " صافية خالصة شفافة مستعدة للاشتعال بدرجة يتصور فيها الإنسان إنها سوف تشعل لوحدها دون أن يمسها قبس من النار . كل هذه العبارات تكشف في الحقيقة عن ظاهر القضية . ومن جهة أخرى أورد كبار المفسرين تفاسير عديدة بشأن هذا التشبيه وأنه ما هو " المشبه " ومن أي نور إلهي يكون : قال البعض : المقصود هنا نور الهداية التي يجعله الله في قلوب المؤمنين ، وبعبارة أخرى : المقصود الإيمان الذي استقر في قلوب المؤمنين . وقال آخرون : إن المشبه يعني هنا القرآن الذي ينير قلوب الناس . وآخرون : إنه إشارة إلى شخص النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . وآخرون : إنه إشارة إلى أدلة التوحيد والعدل الإلهي . وآخرون : إنه روح الطاعة والتقوى التي هي أساس كل خير وسعادة . وفي الحقيقة فإن هذه التفاسير قد أوردت كل ما جاء في القرآن والأحاديث الإسلامية بعنوان مصاديق للنور ، وجوهرها واحد ، وهو نور الهداية بذاته ، ومصدره القرآن والوحي ووجود الأنبياء ، وينهل من أدلة التوحيد ، ونتيجته التسليم بحكم الله والتمسك بالتقوى . وتوضيح ذلك : إن نور الإيمان الموجود في قلوب المؤمنين يحتوي على العناصر الأربعة المتوفرة في المصباح المضئ ، هي : " المصباح " وهو شعلة الإيمان في قلب المؤمن يضئ طريق الهداية . و " الزجاجة " هي قلب المؤمن ينظم الإيمان في ذاته ويحفظه من كل سوء . و " المشكاة " صدر المؤمن ، أو بعبارة أخرى : شخصيته بما فيها وعيه وعلمه وفكره الذي يصون إيمانه من الأعاصير والأخطار . " شجرة مباركة زيتونة " هي الوحي الإلهي الذي يكون بمنتهى الصفاء والطهارة وتوقد شعلة إيمان المؤمنين - في الحقيقة - من نور الله الذي ينير السماوات والأرض وقد أشرق من قلوب المؤمنين ، فأضاء وجودهم ونور وجوههم . فتراهم يمزجون الأدلة العقلائية بنور الوحي ، فيكون مصداق " نور على نور " . ولهذا ترى القلوب المستعدة لاستقبال النور الإلهي تهتدي ، وهي المقصودة بعبارة يهدي الله لنوره من يشاء وعلى هذا فإن المحافظة على النور الإلهي ( نور الهداية والإيمان ) يستوجب توفر مجموعة من المعارف والعلوم والوعي والأخلاق وبناء الذات ، من أجل أن تكون كالمشكاة تحفظ هذا المصباح . كما تحتاج إلى قلب مستعد لينظم هذا النور الإلهي كما تنظم الزجاجة شعلة المصباح . وتحتاج إلى مدد من الوحي ، ليمنحها طاقة مثلما تمنحها الشجرة التي سماها القرآن بعبارة شجرة مباركة زيتونة . وتجب المحافظة على نور الوحي من التلوث والميول المادية والانحراف إلى الشرق أو الغرب الذي يؤدي إلى التفسخ والاندثار . ولتعبئ قوى الإنسان بشكل سليم بعيدا عن كل فكر مستورد وانحراف ، لتكون مصداقا ل‍ يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار .
وكل تفسير يتضمن حكما مسبقا ويتضمن ذوق المفسر وعقيدته الخاصة به ، أو رغبة يسارية أو يمنية ، أو خرافة يؤدي إلى تلويث سمعة هذه الشجرة المباركة ، ويقلل من تشعشع مصباحها . وأحيانا يطفئه . هذا هو المثال الذي ذكره الله لنوره في هذه الآية ، وهو الذي أحاط بكل شئ علما . ومما سلف يتضح لنا أن ما ذكرته الروايات عن الأئمة المعصومين ( عليهم السلام ) بخصوص تفسير هذه الآية أن المشكاة هي قلب نبي الإسلام ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والمصباح نور العلم ، والزجاجة وصية علي ( عليه السلام ) ، والشجرة المباركة إبراهيم الخليل ( عليه السلام ) الذي يرجع نسب بيت النبوة إليه ، وعبارة لا شرقية ولا غربية تعني نفي أي ميل إلى اليهودية والنصرانية فهو وجه آخر لنور الهداية والإيمان ، ومصداق واضح لها ، ولا يعني أن هذه الآية مختصة بهذا المصداق . كما أن ما ذهب إليه بعض المفسرين من أن النور الإلهي هو القرآن ، أو الأدلة العقلائية ، أو النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بذاته ، له جذور مشتركة بالتفسير أعلاه . وقد شاهدنا حتى الآن خصائص هذا النور الإلهي ، نور الهداية والإيمان من خلال تشبيهه بمصباح قوي الإضاءة . ويجب أن نعرف الآن أين موضع هذا المصباح ، وشكل موضعه ؟ ليتضح لنا ما كان ضروريا إيضاحه في هذا المجال . لهذا تقول الآية التالية : إن هذه المشكاة تقع في بيوت أذن الله أن ترفع لكي تكون في مأمن من الشياطين والأعداء والانتهازيين ويذكر فيها اسمه ويتلى فيها القرآن والحقائق الإلهية . وقد اعتبر العديد من المفسرين هذه الآية مرتبطة كما قلنا بالآية التي سبقتها . غير أن البعض من المفسرين يرى أن هذه الجملة ترتبط بالجملة التي تليها ، إلا أن ذلك بعيد عن الصواب . أما ما أورده البعض وتساءل عن مدى تأثير هذا النور الباهر في البيوت المذكورة بتلك الخصوصيات ، فجوابه واضح ، لأن البيوت التي ورد ذكرها في هذه الآية والتي يحرسها رجال أشداء يقظون ، هم الذين يحفظون هذه المصابيح المنيرة ، إضافة إلى أن هؤلاء الرجال يبحثون عن مصدر نور ، فيهرعون إليه بعد أن يتعرفون على موضع هذا النور . ولكن ما المقصود من هذه البيوت ؟ الجواب يتضح بما ذكرته آخر الآية من خصائص حيث تقول : أنه في هذه البيوت يسبح أهلها صباحا ومساءا : يسبح له فيها بالغدو والآصال . رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار إن هذه الخصائص تكشف عن أن هذه البيوت هي المراكز التي حصنت بأمر من الله ، وأنها مركز لذكر الله ولبيان حقيقة الإسلام وتعاليم الله ، ويضم هذا المعنى الواسع المساجد وبيوت الأنبياء والأولياء خاصة بيت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وبيت علي ( عليه السلام ) . ولا دليل يؤيد حصرها من قبل بعض المفسرين - بالمساجد أو بيوت الأنبياء وأمثالها . وفي الحديث المروي عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) " هي بيوت الأنبياء وبيت علي منها " . وفي حديث آخر حيث سئل النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لما قرأ الآية ، أي بيوت هذه ؟ فقال : " بيوت الأنبياء " فقام أبو بكر فقال : يا رسول الله ، هذا البيت منها ، يعني بيت علي وفاطمة . قال : " نعم ، من أفاضلها " . وكل ذلك إشارة إلى مصاديق واضحة تذكرها الأحاديث كعادتها حين تفسير القرآن . أجل ، إن كل مركز يقام بأمر من الله ، ويذكر فيه اسمه ويسبح له فيها بالغدو والآصال ، وفيه رجال لا تلهيهم تجارة عن ذكر الله ، فهي مواضع لمشكاة الأنوار الإلهية والإيمان والهداية . ولهذه البيوت عدة خصائص : أولها : أنها شيدت بأمر من الله . والأخرى : إن جدرانها رفعت وأحكم بناؤها لتمنع تسلل الشياطين . وثالثها : أنها مركز لذكر الله . وأخيرا : فإن فيها رجالا يحرسونها ليل نهار ، وهم يسبحون الله ، ولا تلهيهم الجواذب الدنيوية عن ذكر الله . هذه البيوت بهذه الخصائص ، مصادر للهداية والإيمان . ولابد من التنبيه إلى ورود كلمتين في هذه الآية هما " التجارة " و " البيع " وهما كلمتان تبدوان وكأن لهما معنى واحدا ، إلا أن الفرق بينهما هو أن التجارة عمل مستمر ، والبيع ينجز مرة واحدة ، وقد تكون عابرة . ويجب الالتفات إلى أن الآية لم تقل : أن هؤلاء لا يمارسون أبدا التجارة والبيع بل قالت : إنهم لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله . إنهم يخافون يوم القيامة والعدل الإلهي الذي تتقلب فيه القلوب والأبصار من الخوف والوحشة ( ويجب الانتباه إلى أن الفعل المضارع ، " يخافون " يدل على الاستمرار في الخوف ، وهذا الخوف هو الذي دفعهم إلى تحمل مسؤولياتهم ، ولبلوغ رسالتهم في الحياة ) . وأشارت آخر هذه الآيات إلى الجزاء الوافي لحراس نور الهداية وعشاق الحق والحقيقة ، فقالت : ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله ، ولا عجب في ذلك ، لأن الفضل الإلهي لمن كان جديرا به غير محدود : والله يرزق من يشاء بغير حساب .
وقال بعض المفسرين عما تعنيه عبارة أحسن ما عملوا في هذه الآية ، أنها إشارة إلى جميع الأعمال الطيبة ، سواء كانت واجبة أم مستحبة ، صغيرة أم كبيرة . ويرى آخرون أنها إشارة إلى أن الله يكافئ الحسنة بعشر أمثالها ، وأحيانا بسبعمائة مثلها ، حيث نقرأ في الآية ( 160 ) من سورة الأنعام : من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها . كما جاء في الآية ( 261 ) من سورة البقرة حول جزاء المنفقين في سبيل الله أن المكافأة تعادل سبعمائة مرة أو ضعفها . كما يمكن أن تفسر العبارة السابقة بأن المقصود هو أن الله يكافئ جميع أعمالهم بموجب أفضلها ، ويشمل ذلك أبسط أعمالهم وأوسطها ، حيث يجعلها الله بمستوى أفضل الأعمال حين منحه المكافأة . وليس هذا بعيدا عن رحمة الله وفضله ، والعدالة تقضي بمساواة المكافأة مع العمل في سبيل الله ، إلا أن رحمة الله وسعت كل شئ ، فهو يهب دون حساب ولا حدود ، فذاته المقدسة غير محدودة ، وأنعمه لا تنتهي ، وكرمه عظيم لا حدود له)




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=178764
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2023 / 02 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29