• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : قراءة في رحيل السيد عبد الرحيم الحصيني .
                          • الكاتب : حيدر الحجامي .

قراءة في رحيل السيد عبد الرحيم الحصيني

 
"النهايات التي تختارنا أم نحنُ من نختارها " تلك هي المسألة باعتقادي ، فالجميع مرتهن للنهايات مهما كان موقعه او منصبه او موقعه ، ولكن الشيء الأهم هو كيف نختار نهاياتنا ، كيف نؤمن بأن النهايات لن تكون سوى ومضة الانتقال ، وان البقاء أثراً في هذه الحياة هو الأهم .
 
 ملايين البشر مروا مرورا سريعاً ، ونسوا سريعاً ،لم يخلد في هذه الحياة سوى ثلة قليلة ثبتوا في ساحاتها وتركوا اثاراً شاخصة في ميادينها المتباينة .
 
 نعم الخلود حلم بديل عن التلاشي وهي فكرة نبيلة وخلاقة لأنها تترك مساحة للإنسان ليبدع ويستمر في ابداعه ِ وعطائه ِ وكله ُ أمل بأنه سيخلد من خلالهِ .
 
 ومع ذلك فالحركيون قلائل والمؤثرون أقل في مسيرة الحياة كما اسلفت ، وها أنا في معرض نعي شخصية كبيرة عاشت في ظهرانينا ردحاً ، وكانت حياته قصة أشبه بتلك القصص التي نقرأها عن سير المجاهدين الابطال أصحاب الرسالة الإنسانية .
 
لستُ في معرض التعريف بهذه الشخصية او التصدي للكتابة عن سيرتها الذاتية ، فأنا أعترف آسفاُ أن عمر معرفتي عن قرب لشخصية السيد الحصيني تقتصر على أخر عام من حياته ِ القصيرة ، لكنه ترك اثاراً على شخصيتي وطريقة تفكيري بالرغم من محاولاتي الحثيثة البحث عن تباينات فكرية في كل لقاء يجمعنا به ،لقاء المعلم بتلميذه ، كي يكون حوارنا معه مفيداً وجدلنا منتجاً ، فأنا أؤمن بنظرية "الاختلاف الخلاق " فكلما بحثت عن مكنون شخصية ما أو سر فكرة عظيمة ، فما عليك سوى ان تحاول ان تمارس دور الضد ، كي تعرف وتتطلع وتتطور ايضاً ويكشف لك الأخر عن موقفه الحقيقي ونظرته للأمور وتحليله لها .
 
 من خلال هذا العام وجدته –رحمه الله – مثالاً واقعياً عن الحركي الإسلامي الواعي الذي يدرك أن مساحات الفراغ تحتاج أن تملئ ، ولكنها لن تكون سهلة وطيعة لملئها بما متاح ، بل كان يدرك أن الحاجة للتأصيل الفكري والمعالجات الموضوعية وطرح حلول علمية ومنطقية بعيداً عن التهويمات والتحريم الفكري الذي تمارسهُ بعض التيارات الفكرية على انصارها ، كي يعاد المقطوع في اس العلاقة بين الإسلام كدين نهضوي مدني والمجتمع الاسلامي المبتلى بآفات التخلف والاستبداد والجهل والجمود الحضاري .
 
 وكان من اجل هذا الهدف يواصل مسيرته من خلال البحث والتقصي والدراسة والمراجعة الفقهية والفكرية للتاريخ .
 
 و لا يهدأ له ُ بال محاولاً المزج بين الفكر المجرد والواقع العملي ، ممارساً دوره خلال تدريسه في الاكاديمية في فضاء معرفي بحت ، وترك في مجال تخصصه اثاراً طيبة ، الى جانب ذلك لم تلهه الأكاديمية وفضاءها عن الواقع ،فلقد بقي متواصلا معه عبر خلقه مجسات تواصل مع الواقع ، فكل فترة تمضي تراه -رحمه الله- يحاول التواصل من خلال انشاء منتدى علمي او مجمع بحوث او مؤسسة ثقافية ما ، و كان عبر كل هذه الفعاليات يمارس ما يعتقده الدور الرسالي الذي يقع على عاتقه ، وبالرغم من اعتزاله العمل السياسي مبكراً الا أنه كان يمارس السياسة من خلال الكتابة والتعليق المباشر وغيرها من السبل التي كان يعتقد أنها ادوات ذات فعالية ما ، يحاول من خلالها أن يقول رسالته بأقل عدد من الخسائر ، منتقداً طرق التقديس والمديح التي سادت بعد 2003 في المجتمع ، وكان يركز على ضرورة تحويل الدين والممارسات الدينية من ممارسات طقوسية فاقدة لحركيتها المطلوبة ، الى طاقة تغيير وممارسات واعية قادرة على أعادة تكوين الفرد المتدين وشحنه بطاقة التغيير والتحرر من عقده وسطحيته الفكرية والدينية ، كان يؤمن أن التغيير الناجح والاصلاح الحقيقي والاعمار المطلوب هو القائم على وجود نخبة واعية قادرة عالمة ، تمزج خطابها المجرد بأفعال على الارض ، فلا فكر مجرد قادر اداء المطلوب ولا العكس صحيح .
 
 يصعب اختزال منجز السيد الحصيني الفكري والثقافي والحركي في هذه العجالة وهذه المساحة المحدودة ، ولكنني أود الإشارة الى أن هناك الكثير من الحركيين الرساليين الذين يحاولون أن يحدثوا تغييراً ما او يفككوا ثوابتاً خرافية لا زالت قارة في الوعي الجمعي ، لكنهم كما الراحل لم تتح لهم الفرص الكافية ومساحة التحرك المناسبة لأطلاق مشروعهم النقدي والتغييري لنقل المجتمع الى ما يطمح وما يستحقه.
 
رحم الله الاستاذ الحصيني باحثاً ومجاهداً وحركياً اسلامياً ، وهي دعوة لقراءة ما تركه الراحل من تراث فكري وادبي ، واكمال حركته التي كان يأمل من ورائها اظهار معالم الدين الإسلامي والتركيز على بعده التنويري والتغييري بعيداً عن تعصب الجاهلين واصحاب الغايات الخبيثة .



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=17892
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 05 / 30
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19