• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : صوم عيسى المسيح (ع). .
                          • الكاتب : مصطفى الهادي .

صوم عيسى المسيح (ع).

 الصيام اختبار من الله تعالى لخلقه ولمنحهم الحصانة ضد قيود المغريات والشهوات. لم يجبر تعالى الناس على الصيام إنما أمرهم وترك الأمر لهم ضمن ضوابط .فعندما ينقطع الإنسان مختارا عن كل أنواع الشهوات التي اعتاد عليها طيلة احد عشر شهرا ، فإن ذلك تترتب عليه أمور سامية نبيلة منها :
شعوره بجوع الآخرين وحاجة المحرومين إلى الغذاء.
تقوية الإرادة على ترك ما تحبه النفس.
وفي الجانب الروحي ، فإن الإنسان سوف يترك اثقل ممارسات كان لربما يقوم بها . منها الجنس ، تناول الحرام ، الغيبة السرقة وغيرها فيخلق هذا الشهر عنده شعورا نبيلا كان يفتقره في الاشهر السابقة. وهناك أمور اخرى تتعلق بالثواب والعقاب. اضافة إلى أن الصوم يقوي الذاكرة ويُساعد على التركيز لأن كثرة الأكل تسبب الغلضة في التفكير كما يقول الحديث (إذا مُلئت البطنة ، خرست الفطنة). ناهيك عن امداده لك بالروحانيات والطمأنينة والتقرب من الله تعالى، لأنك تعلم أن وراء ذلك كله هو حكمة الله تعالى في رعايتها للبشر.
في المسيحية لم يكن تشريع الصوم من الله تعالى ولا اختبارا للإنسان، بل من إبليس، كما نقرأ ( أربعين يوما يجرب من إبليس. ولم يأكل شيئا في تلك الأيام.ثم أصعد يسوع إلى البرية من الروح ليجرب من إبليس. فبعد ما صام أربعين نهارا وأربعين ليلة، جاع أخيرا).(1)
في النص توجد مشكلة كبيرة وهي ، كيف استطاع السيد المسيح ان يصوم أربعون يوما متواصلة من دون ان يتناول أي طعام او ماء كما نفهم من النص : (صام أربعين نهارا وأربعين ليلة).يعني صيام اليوم كله بنهاره وليله.
الأمر الآخر . مالنا لا نرى المسيحية تصوم هذه الأيام الأربعين فترفض الالتزام بما جاء في الإنجيل وتصوم ما قررهُ القساوسة. هل عدم صيام المسيحيين يدل على أنهم يرفضون هذا الصيام لعلمهم انه ليس من الله بل من إبليس. ولعل هذا يكون صحيحا إذا رأينا أن يوحنا في إنجيله لم يذكر هذا الصيام وانكره. واما مرقس فقد قام بتوضيح إسم إبليس الذي ورد في النص فقلبهُ إلى شيطان فقال (وكان هناك في البرية أربعين يوما يجرب من الشيطان).(2)
بعض الطوائف المسيحية تصوم صيام الأربعين ولكنهم زادوا عليه عشرة أيام ليصبح خمسين يوما وليس كما صام نبيهم أربعين يوما ولكنهم زادوا عليها عشرة ،ولكنهم خلال فترة الصوم يتناولون نظام غذائي نباتيّ يشمل كميات كبيرة من الخضار، الفواكه، الحبوب والبقوليّات.وغيرها التي تخلو من الدهون.وكذلك تناول العصائر والخمر والتدخين ويُمارسون الجنس.
ولو تمعنا جيدا لوجدنا أن لا السيد المسيح ولا الأناجيل الحالية حددت يوم او شهر معين للصيام ، بل هو من اجتهادات الكنيسة التي تقول : ( تُرك امر الصوم للضّمير الشخصي. وتبعاً لنموذج الكتاب المقدّس، قد تقوم جماعة من المسيحيّين أو الكنيسة بتحديد وقتٍ للصّوم هذا التّحديد الزّمني لا يرتبط بتعليم كتابي بل هو يندرج في سياقِ ترتيبٍ أو تقليدٍ كنسيٍّ). هكذا هو الصوم متى ما رغبوا يقومون بتشريع صوم لهم.

وبالرجوع إلى صيام السيد المسيح نرى أنه صام أربعين نهارا وأربعين ليلة دون طعام او شراب في صحراء قاحلة تحت وهج الشمس الساطع الذي يقتل كل حيّ . وبالرجوع إلى التوراة نرى أن موسى صام هذه الاربعون يوما ايضا من دون طعام او شراب وهو على الجبل المضطرم نارا (جبل الدخان) لاستلام التوراة حيث نقرأ في سفر الخروج : (وكان هناك عند الرب أربعين نهارًا وأربعين ليلة لم يأكل خبزًا ولم يشرب ماء). (3)

والمشكلة التي تعترضنا هي الرقم (40) حيث أن موسى عندما ذهب إلى جبل حوريب يقوده الروح اكل أكلة واحدة صمدت في بطنه (أربعين نهارا وأربعين ليلة) كما نقرأ : (فقام وأكل وشرب وسار بقوة تلك الأكلة أربعين نهارًا وأربعين ليلة إلى جبل حوريب).(4)

نفس هذه الحالة نراها في صيام السيد المسيح في الإنجيل وكأنهم اقتبسوا ذلك حرفيا لسبب نجهله حيث نرى السيد المسيح يُقاد من قبل الروح إلى الصحراء اللاهبة ليصوم أربعين نهارا وأربعين ليلة من دون خبز ولا ماء (ثم أصعد يسوع إلى البرية من الروح ليجرب من إبليس.فبعد ما صام أربعين نهارا وأربعين ليلة، جاع أخيرا).(5)

والغريب ان المفسر المسيحي عندما لا يجد تفسيرا لذلك يقول: (وفي تاريخ الكنيسة نلتقي ببعض القديسين الذين صاموا أيضًا أربعين يومًا، وبلا شك أنه عندما تكون الروح نشيطة فأنها تستطيع أن تحمل الجسد الجائع).

فهذا التبرير مبالغ فيه لأننا لو قلنا بأن موسى وعيسى أنبياء ولذلك اكرمهم الله بتلك الكرامة لما كان هناك أي اشكال ، اما ما يقوله المفسر المسيحي من أن كل من هب ودب قادر على تحمل أربعين ليلة وأربعين نهارا من دون أن يدخل جوفه ماء او طعام فهذه تحتاج وقفة نراجع فيها عقل المفسر المسيحي.

من كل ذلك نرى أن القمص حلمي عندما اخذت بخناقه غرابة صيام موسى (أربعون يوما من دون طعام ولا ماء) اطلق سؤاله المشكك في نص التوراة حول صيام موسى فقال : (هل صوم موسى أربعين يومًا الوارد في سفر الخروج يعد أسطورة؟).(6)

وبعد ان عجز عن إيجاد المبررات لذلك ترك الجواب فإنبرى القمص تادرس يعقوب ملطي ليقتبس من قول العلامة ترتليان في تفسيره لصيام موسى أربعين يومًا فيقول : (إن الله صار طعامهما المشبع. إذ كان موسى عند الرب لم يحتاج إلى خبز وماء، إذ كان الرب هو شبعه وسر ارتوائه). (7) والأحرى بهذا القمص أن يُبرر ذلك لعيسى وليس لموسى ولا ندري سبب تحاشيه ذلك.
فهل أن صيام عيسى هو نسخة (كوبي) من صيام موسى فقط تم تبديل الاسماء؟
المصادر :
1- إنجيل متى 4: 1. و : إنجيل لوقا 4: 2.
2- إنجيل مرقس 1: 13.
3- سفر الخروج 34: 28 وتكرر هذا النص أيضا في سفر الخروج أيضا 24: 18 . وكذلك في سفر التثنية 9: 9.
4- سفر الملوك الأول 19: 8.
5- إنجيل متى 4: 1.
6- كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها - أ. حلمي القمص يعقوب.
7- تفسير سفر الخروج القمص تادرس ص 165، 224.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=179870
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2023 / 03 / 24
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19