• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : على ضفاف الانتظار(30) .
                          • الكاتب : الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي .

على ضفاف الانتظار(30)


اضطرارُ المولى إلى اللّقاء
لا شكَّ أنَّ هناك من المُنتظرين من هامَ قلبُه عشقًا بمولاه، وتمنّى رؤيتَه كُلَّ صباحٍ ومساء.
ولا شكَّ في إمكانِ لقائه (عجّل الله (تعالى) فرجه) إذا ما رأى مصلحةً هو (عليه السلام) في اللقاء.
والسؤال:
هل من الصحيحِ أنْ يُحاولَ العاشقُ أنْ يرميَ بنفسِه في أمرٍ خطيرٍ؛ ليجعلَ الإمامَ مُضطرًا للقائه؟
أو قُلْ: هل يُمكِنُ أنْ يُحدِّدَ ذلك العاشقُ المصلحةَ عن طريقِ رمي نفسه مثلًا من جبل، بقصدِ أنْ يلتقيَ الإمامَ (عليه السلام) في هذه الحالة من الاضطرار؟
الجواب:
إنَّ هذا الأمرَ غيرُ صحيحٍ بالوجدان، إذ ما الداعي لهذا الفعل؟
لا يخلو الأمرُ من أحدِ احتمالات:
الأول: أنْ يختبرَ المُشتاقُ مولاه، وأنّه هل فعلًا يتمكّنُ من اللقاءِ بالناس أم أنَّ هذا مُجرّدُ ادّعاء؟
وهذا لا يصحُّ من العبد تجاه مولاه؛ إذ ليس له أنْ يختبرَ مولاه، بل للمولى فقط أنْ يختبرَ عبده.
وفي هذا المعنى رويَ أنَّ إبليسَ ظهرَ لعيسى (عليه السلام) فقال: ألستَ تقولُ: إنّه لن يُصيبَك إلّا ما كتبَه اللهُ لك وعليك؟ قالَ: نعم. قال: فارمِ بنفسك من ذروةِ الجبل، فإنّه إنْ يقدّرْ لكَ السلامةَ سلمت! قال: يا ملعون، إنّ للهِ (تعالى) أنْ يختبرَ عباده، وليس للعبدِ أنْ يختبرَ ربّه.
الثاني: أنْ يُظهِرَ حُبَّه وشوقَه إلى مولاه.
وهذا لا داعيَ فيه أكثر من الحرقة القلبية، على أنَّ إظهارَ الحُبِّ لا يتوقّفُ على إلقاءِ النفس في التهلكة؛ فالإمامُ (عليه السلام) يعلمُ بما في قلوبِ مُحِبّيه بما وهبَه اللهُ (تعالى) من علمٍ لدنّي.
ويكفي لإظهارِ الحُبِّ أنْ يعملَ المؤمنُ بما يؤدّي إلى رضا مولاه من التزامِ الأعمالِ الصالحةِ، والعملِ على التمهيدِ العملي لظهوره ما أوتيَ إلى ذلك سبيلًا.
الثالث: إنَّ مُجرّدَ وضعِ النفسِ في الاضطرارِ يُلزِمُ الإمامَ بالحضور، فإنَّ إنقاذِ المؤمنِ من الهلاكِ فيه مصلحةٌ بلا شك.
وهذا باطلٌ أكيدًا؛ لأنّه:
1- هذا اضطرارٌ بسوء الاختيار ، أي إنَّ الإنسانَ هو من اختار أنْ يضعَ نفسه في هذا الوضع الخطيرِ، وربما المهلك، وفي مثل هذا يتحمّلُ الإنسانُ نفسُه نتيجةَ عمله الاختياري، وإنْ فقدَ الاختيارِ فيما بعد، ويكون حالُه كمن يرمي بنفسه مُتعمِّدًا من أعلى عمارةٍ عالية، بحجةِ أنّه يُريدُ من الله (تعالى) أنْ يُنقذَه؛ لأنّه مؤمن، واللهُ (تعالى) رحيمٌ بالمؤمنين!
إنَّ هذا هو عينُ إلقاء النفس في التهلكة، وهو أمرٌ مُحرّمٌ بلا أدنى شك.
2- إنّ هذه مصلحةٌ شخصيةٌ، وليس بالضرورةِ أنْ يرى الإمامُ ضرورةَ اللقاءِ بسببها.
3- إنّ الإمامَ (عليه السلام) إذا حدّدَ مصلحةً في اللقاء، فإنّه لا يحتاجُ إلى أنْ يضعَ العبدُ نفسَه في مأزق، بل يكفي أنْ يُريدَ الإمامُ ذلك، وهو سيجدُ طريقةً مُناسبة للّقاء.
على أنّه ينبغي أنْ يكونَ واضحًا: أنَّ المُهمَّ هو أنْ نعملَ على أنْ يرانا الإمامُ المهدي (عجل الله (تعالى) فرجه) صالحين، أما لقاؤه (عجل الله (تعالى) فرجه) فليس هو هدفًا بذاته، وإنّما هو وسيلةٌ لرضاه.
هذا كُلُّه فضلًا عن أنّه وردَ في بعضِ الروايات الشريفة النهيُّ عن السعي إلى اللقاءِ لأجلِ اللقاء فقط، وأنَّ على المؤمن أنْ يسعى لتحصيلِ رضا مولاه، وأمّا اللقاءُ فإنْ حصلَ فبها، وإنْ لم يحصلْ لم يضرَّ العبدَ شيءٌ.
فقد وردَ أنَّه قالَ أبو العبّاس أحمد بن الحسن بن أبي صالح الخجندي، وكانَ قد ألحَّ في الفحصِ والطلبِ، وسارَ في البلاد، وكتبَ على يدِ الشيخِ أبي القاسم بن روح إلى الصاحبِ (عليه السلام) يشكو تعلُّقَ قلبِه واشتغالَه بالفحصِ والطلب، ويسألُ الجوابَ بما تسكنُ إليه نفسُه، ويكشفُ له عمَّا يعملُ عليه، قال: فخرجَ إليَّ توقيعٌ نسخته: «من بحثَ فقد طَلب، ومن طلبَ فقد دلَّ، ومن دلَّ فقد أشاط ، ومن أشاطَ فقد أشرك»، قال: فكففْتُ عن الطلبِ وسكنتْ نفسي، وعُدتُ إلى وطني مسرورًا، والحمد لله .




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=180298
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2023 / 04 / 01
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19