الأعيبس
لقبٌ ورد في روايةٍ واحدة –بحسب التتبُّع- رويتْ عن الإمامِ الرضا (عليه السلام)، وحتى نطلع -ولو إجمالًا- على المقصود منه، نذكر عدّة نقاط:
النقطة الأولى:
يظهرُ من الروايةِ أنّ البعضَ من بني هاشم اتّهمَ الإمامَ الجواد (عليه السلام) بأنّه ليس ابنَ الإمامِ الرضا (عليه السلام)؛ لأنّه أسمرُ اللون، وأنَّ الإمامَ الرضا (عليه السلام) أخبرهم بأنّه ابنه، فلم يرتضوا حتى جعلوا الأمرَ لحكم (القائف)، وأنَّ القائف عندما جاء، ألحقَ الإمامَ الجواد بأبيه الرضا (عليه السلام) من دون أنْ يعرفه، والمقطعُ التالي يُبيّنُ هذه النقطة:
رويَ عنْ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى بْنِ النُّعْمَانِ الصَّيْرَفِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ جَعْفَرٍ، يُحَدِّثُ الْحَسَنَ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ فَقَالَ: واللهِ لَقَدْ نَصَرَ اللهُ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا (عليه السلام). فَقَالَ لَه الْحَسَنُ: إِي واللهِ جُعِلْتُ فِدَاكَ، لَقَدْ بَغَى عَلَيْه إِخْوَتُه. فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ: إِي واللهِ، ونَحْنُ عُمُومَتُه بَغَيْنَا عَلَيْه. فَقَالَ لَه الْحَسَنُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، كَيْفَ صَنَعْتُمْ؟ فَإِنِّي لَمْ أَحْضُرْكُمْ. قَالَ: قَالَ لَه إِخْوَتُه -ونَحْنُ أَيْضاً-: مَا كَانَ فِينَا إِمَامٌ قَطُّ حَائِلَ اللَّوْنِ. فَقَالَ لَهُمُ الرِّضَا (عليه السلام): هُوَ ابْنِي. قَالُوا فَإِنَّ رَسُولَ الله (صلى الله عليه وآله) قَدْ قَضَى بِالْقَافَةِ، فَبَيْنَنَا وبَيْنَكَ الْقَافَةُ. قَال (عليه السلام): ابْعَثُوا أَنْتُمْ إِلَيْهِمْ، فَأَمَّا أَنَا فَلَا، ولَا تُعْلِمُوهُمْ لِمَا دَعَوْتُمُوهُمْ، ولْتَكُونُوا فِي بُيُوتِكُمْ.
فَلَمَّا جَاؤُوا، أَقْعَدُونَا فِي الْبُسْتَانِ، واصْطَفَّ عُمُومَتُه وإِخْوَتُه وأَخَوَاتُه، وأَخَذُوا الرِّضَا (عليه السلام) وأَلْبَسُوه جُبَّةَ صُوفٍ، وقَلَنْسُوَةً مِنْهَا، ووَضَعُوا عَلَى عُنُقِه مِسْحَاةً، وقَالُوا لَه: ادْخُلِ الْبُسْتَانَ كَأَنَّكَ تَعْمَلُ فِيه.
ثُمَّ جَاؤُوا بِأَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، فَقَالُوا: أَلْحِقُوا هَذَا الْغُلَامَ بِأَبِيه.
فَقَالُوا: لَيْسَ لَه هَاهُنَا أَبٌ، ولَكِنَّ هَذَا عَمُّ أَبِيه، وهَذَا عَمُّ أَبِيه، وهَذَا عَمُّه، وهَذِه عَمَّتُه، وإِنْ يَكُنْ لَه هَاهُنَا أَبٌ فَهُوَ صَاحِبُ الْبُسْتَانِ، فَإِنَّ قَدَمَيْه وقَدَمَيْه وَاحِدَةٌ.
فَلَمَّا رَجَعَ أَبُو الْحَسَنِ (عليه السلام) قَالُوا: هَذَا أَبُوه.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ: فَقُمْتُ فَمَصَصْتُ رِيقَ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، ثُمَّ قُلْتُ لَه: أَشْهَدُ أَنَّكَ إِمَامِي عِنْدَ اللَّه، فَبَكَى الرِّضَا (عليه السلام) ...
النقطة الثانية:
بعدَ هذا المقطع، يبدأ الإمامُ الرضا (عليه السلام) بذكرِ بعضِ صفاتِ الإمامِ المهدي (عجل الله (تعالى) فرجه)، في كلامٍ قال فيه:
يَا عَمِّ، ألَمْ تَسْمَعْ أَبِي وهُوَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله (صلى الله عليه وآله): بِأَبِي ابْنُ خِيَرَةِ الإِمَاءِ، ابْنُ النُّوبِيَّةِ، الطَّيِّبَةِ الْفَمِ، الْمُنْتَجَبَةِ الرَّحِمِ، وَيْلَهُمْ، لَعَنَ اللهُ الأُعَيْبِسَ وذُرِّيَّتَه، صَاحِبَ الْفِتْنَةِ، ويَقْتُلُهُمْ سِنِينَ وشُهُوراً وأَيَّاماً، يَسُومُهُمْ خَسْفاً، ويَسْقِيهِمْ كَأْساً مُصَبَّرَةً، وهُوَ الطَّرِيدُ، الشَّرِيدُ، الْمَوْتُورُ بِأَبِيه وجَدِّه، صَاحِبُ الْغَيْبَةِ، يُقَالُ: مَاتَ، أَوْ هَلَكَ، أَيَّ وَادٍ سَلَكَ، أفَيَكُونُ هَذَا يَا عَمِّ إِلَّا مِنِّي.
فَقُلْتُ صَدَقْتَ جُعِلْتُ فِدَاكَ.
فهذه الصفاتُ هي خاصةٌ بالإمامِ المهدي (عجل الله (تعالى) فرجه)، ولعلّه يُريدُ منها الإشارة إلى أنّ الرسولَ الأعظم (صلى الله عليه وآله) عندما وصفَ المهدي بأنّه (ابن النوبية)، فإنّه يُريدُ بيانَ أنّ إحدى أمهاته هي نوبية، وهي أمُّ الإمامِ الجواد (عليه السلام) فيثبت بذلك نسبُ الإمامِ الجواد إليه، (والدليلُ على صحة ذلك: أنّه لم يُنسَبْ إلى أحدٍ من الأئمة (عليهم السلام) أنه استولد نوبيةً إلا الرضا (عليه السلام)، فنسبةُ صاحبِ الأمر إليها من رسولِ الله (صلى الله عليه وآله) لإثبات نسبِ الجواد (عليه السلام))
النقطة الثالثة: يُحذِّرُ الإمامُ الرضا (عليه السلام) من إثارةِ الفتنة، بقوله (وَيْلهم)، ثم يُشيرُ إلى أنَّ هذه الفتنةَ إنّما أثيرتْ من قبل بني العباس، وأشارَ إليهم بقوله (الأعيبس)، وهو تصغير (الأعبس)، وقد يُرادُ به الكناية عن (العباس)، ولذلك فإنَّ بعضَ العلماء فسّرَ كلمة (الأعيبس) ببعضِ خلفاء بني العباس، حيثُ قيل: إنَّ المُرادَ به السفّاحُ، وهو أولُ خلفاء بني العباس، ويُمكِنُ أنْ يُرادَ به الحجّاجُ أو المُتوكّل، فإنّه لم يكُنْ أشدَّ منهما على آلِ محمد (عليه السلام) بعدَ يزيد بن معاوية عليهما اللعنة، ثم وصفَه بأنّه صاحبُ الفتنة...وهو المُضِلُ عن الحق...
والملفت للنظر:
أن الإمام الرضا (عليه السلام) أقحم هذا المقطع بين صفات الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) مما سبّب بعض الإرباك في الرواية، فهو بدأ بذكر صفات الإمام المهدي فقال: (بأبي ابن خيرة الإماء ابن النوبية الطيبة الفم، المنتجبة الرحم...
وهنا ذكر التحذير واللعن للأعيبس فقال: ، وَيْلَهُمْ، لَعَنَ اللهُ الأُعَيْبِسَ وذُرِّيَّتَه، صَاحِبَ الْفِتْنَةِ.
ثم رجعَ لإكمالِ صفاتِ المهدي فقال: ويَقْتُلُهُمْ سِنِينَ وشُهُوراً وأَيَّاماً، يَسُومُهُمْ خَسْفاً، ويَسْقِيهِمْ كَأْساً مُصَبَّرَةً، وهُوَ الطَّرِيدُ، الشَّرِيدُ، الْمَوْتُورُ بِأَبِيه وجَدِّه، صَاحِبُ الْغَيْبَةِ، يُقَالُ: مَاتَ، أَوْ هَلَكَ، أَيَّ وَادٍ سَلَكَ.
ولكن الشيخ المفيد روى هذه الرواية بما يظهر منه صريحاً الفصل بين صفات الإمام الجواد (عليه السلام)، وصفات الإمام المهدي (عجل الله فرجه)، فقد روى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «بأبي ابن خيرة الإماء النوبية الطيبة، يكون من ولده الطريد الشريد، الموتور بأبيه وجده، صاحب الغيبة...»( ).
فعبارة (يكون من ولده...) واضحة في فصل الصفات، والرواية حينها واضحة ولا إرباك فيها، ولعل هذه العبارة سقطت من الكافي.
|