• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : العلاقة الملتهبة بين القضاء و البرلمان. .
                          • الكاتب : د . وجدى ثابت غبريال .

العلاقة الملتهبة بين القضاء و البرلمان.

 لم تشهد  مصر منذ زمن بعيد توترا حادا فى علاقة البرلمان المصرى مع المؤسسات الاخرى للدولة كما هو الحال  مع مجلس الشعب الحالى منذ اشهر قليلة. فمن النادر فى تاريخ البرلمان المصرى ان يكون هذا الاخير على علاقة متوترة فى نفس الوقت مع الصحافة و الاعلام  و مع القضاء الادارى و مع القضاء الدستورى  و مع الحكومة و مع المجلس العسكرى فى ان معا ! . يا ترى هل الامر مجرد صدفة محضة ؟ الا يجب ان يسال هذا المجلس نفسه عن مسئوليته فى هذا التوتر مع كل هذه الهيئات فى وقت واحد ؟
 
 ليس من اللائق ان ندير السكين مرة اخرى داخل الجراح النازفة. و ليس فى نيتى   ا يضا ان اذكر تصريحات بعض النواب  ضد المؤسسات المختلفة للدولة و لاسيما القضاء و الصحافة. و ليس فى نيتى ان أتكلم عن موقف المرأة المصرية المشرف على النحو الذى عبرت عنه أستاذة فى الشريعة الاسلامية  على القناة الفضائية المصرية  فى السابع من يونيه  الجارى حيث تكلمت بجرأة و شجاعة عن أمية بعض النواب و تصريحاتهم المخزية بينما أعطت الشريعة للمرأة حقوقا لا تتناسب ألبته مع مواقف بعض النواب من تيار الاسلام السياسى.
 
لذا اجتزئ هذا المقال على نقطة و احدة فقط  و هى العلاقة  الملتهبة  لمجلس الشعب  الحالى مع القضاء .
 
فلقد ساءت هذه العلاقة بعد القرار المشرف للقضاء الادارى المصرى بعد دستورية قرار البرلمان  بتشكيل الجمعية التأسيسية المنحلة و ذلك لأسباب قانونية و دستورية قوية البناء و التأسيس و هو ما كشف عن رغبة من البرلمان فى الاستحواذ بالسلطة و الاستثار بالجمعية التأسيسية. و لعل هذه الأثرة الجشعة كانت اول مسمار يدقه  فى  نعش علاقته بالقضاء. ثم ياتى المسمار الثانى مع مشروع القانون الخاص بإعادة هيكلة المحكمة الدستورية العليا و الذى فشل أيضاً لمخالفته الجسيمة لمبدأ سيادة القانون و الدولة القانونية و مبدا القوة الملزمة لأحكام القضاء و حجيتها.
 
و فى تقديرى اننا حتى لو اقتصرنا فقط على هذين المثلين فالمغزى فى الحالتين  بعيد المدى. و حجة البرلمان التى تتمثل فى التدخل فى شئونه او فى شرعيته الانتخابية تحتاج اكثر من مجرد النقد السياسى او وجهة النظر الشخصية. ان الامر يحتاج الى التذكير  ببعض المبادئ الدستورية الهامة :
 
 
 
  اولا. من الطبيعى و الطبيعى جداً ان يخضع التشريع للرقابة السابقة و اللاحقة على دستوريته و مئات النظم الدستورية فى العالم الا روبى و العربى و الأفريقى  و الامريكى تأخذ بالرقابة الملزمة على دستورية القوانين. و تجد هذه الرقابة أساسها فى مبدا سمو المبادئ الدستورية العامة على أى تشريع فى الدولة. و مهمة القضاء الدستورى هى  التحقق  من عدم مخالفة القانون للحقوق و الحريات الاساسية. فإذا كان البرلمان يمثل الإرادة العامة لأغلبية الناخبين فان المبادئ الدستورية العامة تعبر عن إرادة الأصيل و سيادته. فهناك فرق بين ان يملك البرلمان السيادة و ان يمارسها فى الحدود التى تسمح بها المبادئ الدستورية.  ويستمد ألقاضى شرعيته من وظيفته فى تفسير النص الدستورى و سهره على تطبيق الدستور.
 
 
 
ثانيا. من ألمخزى الا يحتمل مجلس الشعب بتشكيله  الحالى  أية رقابة قضائية تضع موضع المراجعة قراراته  الشارعة. و كانه يعتقد انه الوحيد  الذى يملك  الشرعية، و كانه يعتقد ان ليس فى القانون الدستورى الا مصدر واحد للشرعية و هو الانتخاب. و الواقع ان هناك شرعية و ظيفية للقاضى تتمثل فى دوره الرقابى على  قرارات المجلس الذى يتمتع بشرعية الانتخاب و ذلك من اجل التحقق من شرعية اعلى فى الدرجة و هى إرادة الشعب المفرغة فى الدستور او فى المبادئ الدستورية العامة  الحامية للشعب ذاته صاحب السيادة، كالفصل بين  السلطات و لاسيما الفصل  بين الوظيفة التأسيسية و الوظيفة التشريعية و احترام الحقوق و الحريات الاساسية العامة و مبدا المساواة و تكافؤ الفرص. ذلك ان مهمة ألقاضى و شرعيته تستند على و ظيفته الرقابية على احترام المبادئ الدستورية.  
 
 
 
ثالثا. ألقاضى  مفترض فيه ان يعبر عن سيادة الشعب لان أحكامه تصدر باسم الشعب وهذا هو الأساس الدستورى لاختصاصه و للقوة القانونية الملزمة لأحكامه. و هذه السيادة الشعبية  تسمو و تعلو على سيادة البرلمان بسبب  مبدا علوية إرادة الأصيل على  ارادة الوكيل و إرادة الناخب على النائب. فنحن فى واقع الامر فى مواجهة مشكلة دستورية معروفة فى الدول التى عرفت رقابة دستورية القوانين لانها تفترض التعايش السلمى بين شرعيتين احدهما سياسية  و برلما نية و الاخرى وظيفية و شعبية مادام ان ألقاضى يعبر عن سيادة الشعب من خلال المبادئ الدستورية  التى يكفل حمايتها. 
 
 
 
رابعا . على ان التهاب و توتر العلاقة بين البرلمان و إلقضاء يرجع الى اسباب اخرى تتعلق بممارسات  و تصريحلت بعض اعضاء البرلمان تجاه القضاء. و لا أدرى اين كانت انتقادات البرلمانيون لأحكام اخرى صدرت ضد أبرياء بحق و يقين. و هى ممارسات يجب ان تكف فورا  لان الأزمة بين السلطتين  لا تحسم  الا بحل المجلس فى الظروف العادية. و من باب اولى يكون الحل واردا اذا قضى بعدم دستورية قانون الانتخاب على اساس تغلو مرشحى الاحزاب على مقاعد مرشحى المستقلين. و لقد سبق و حل مجلس الشعب عام 1987 بناء على حكم من المحكمة الدستورية. فهذه لبست المرة الاولى. وقد المسئول عن هذه الحالة مجلس متشدد و لا يحتمل النقد و لا الحد من سلطته مما أساء الى  علاقاته مع القضاء، مع الصحافة، مع اعضاء هيئات التدريس بالجامعة. و غيرها من الهيئات.
 
 
 
خامسا. اننى أخشى فى النهاية ان المعايير المطروحة لتشكيل الجمعية التأسيسية حسب ما اعلنت يوم 7 يونيه لا تاخذ بعين الاعتبار حيثيات حكم القضاء الادارى المؤدى لحل الجمعية التأسيسية الاولى.  فتمثيل ذات التيار السياسى من داخل او خارج  البرلمان بنسبة مغالى فيها ( خمسين فى المائة من التيار الاسلامى و نظيرهم من التيار المدنى)  و عدم حساب الازهر من التيار الاسلامى و لا حتى من الشخصيات العامة و فقا  أنما  يؤدى  فى النهاية الى إصابة هذا التشكيل بذات العوار الدستورى . لان التيار الاسلامى سمف يتجاوز حتما الخمسين فى المائة. و هو  امكانية سيطرة نسبة مغالى فيها من ذات التيار السياسى على مقادير الامور . و هو ما يكشف تعنت و تمسك التيار الإسلامى بالسكة و الاستحواذ عليها بصورة مخيفة.  و غفل حزب الحرية و العدالة ان و ظيفة البرلمان ليست تأسيسية و انما تشريعية . ان هذا الخلط  الجوهرى بين السلطة التشريعية و السلطة التاسيسية هو الخطا الاسا سى  فى المفاهيم الدستورية للأغلبية البرلمانية الحالية.  و لتحصين الخطا سوف تخرج المعايير المعتمدة فى ثوب تشريعى. فهذا هو مصدر المرض و هذا هو سبب الأزمة. و من هنا و جب حماية الحقوق فى مواجهة التشريع طالما تقاعس التشريع عن حماية الحقوق. و هذا هو دور القضاء الدستورى.
 
ان أليوم الذى تستطيع فية الأغلبية الاسلامية الحالية ان تفرق بين الحاجة شربات كعضو فى الجمعية التأسيسية و مسشارة قديرة بالمحكمة الدستورية العليا هو اليوم الذى نخرج فيه من الأزمة.
 
 
 
د. وجدي ثابت غبريال.
 
استاذ القانون الدستورى و الحريات العامة
 
كلية الحقوق و العلوم السياسية
 
جامعة لاروشل الفرنسية.
 
عضو جمعية الدستوريين الفرنسية.
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=18181
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 06 / 08
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29