• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ علاقة الكدح بلقاء الله سبحانه (ح 3) .
                          • الكاتب : د . فاضل حسن شريف .

كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ علاقة الكدح بلقاء الله سبحانه (ح 3)

الكدح له طاقة وقابلية فالعبادة تقل مع مرض الانسان وله موازنة مع الكسب كما قال الله تعالى "وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" (المزمل 20). الكادح يرجو لقاء الله ولا يفضل الحياة الدنيا على الآخرة ولا يطمأن بها وعكسه المطمأن بالدنيا كما قال الله تعالى "إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا" (يونس 7) فمأواه النار بما كسب من كدح في الحرام "أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" (يونس 8). وغالبا الكسب يحتاج الى حرفة، يقول أمير المؤمنين عليّ عليه السلام: (إنَّ الله يحبّ المحترف الأمين). والكدح باتمام واتقان العبادة والكسب هو المطلوب (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) وأن يكون كسبه من الحلال كما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام، قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: مَنْ بات كالّاً من طلب الحلال، بات مغفوراً له)، و كذلك في الحديث الشريف (العبادة سبعون جزءاً، أفضلها طلب الحلال).
جاء في الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي: أن العلم المسمى بالرؤية واللقاء يتم للصالحين من عباد الله يوم القيامة كما يدل عليه ظاهر قوله تعالى "وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ" (القينة 23)، فهناك موطن التشرف بهذا التشريف، وأما في هذه الدنيا والإنسان مشتغل ببدنه، ومنغمر في غمرات حوائجه الطبيعية، وهو سألك لطريق اللقاء والعلم الضروري بآيات ربه، كادح إلى ربه كدحا ليلاقيه فهو بعد في طريق هذا العلم لن يتم له حق يلاقي ربه، قال تعالى "يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ" (الانشقاق 6)، وفي معناه آيات كثيرة أخرى تدل على أنه تعالى إليه المرجع والمصير والمنتهى، وإليه يرجعون وإليه يقلبون. فكون وعده تعالى بالمعاد حقا معناه كون الخلقة الإلهية بنحو لا تتم خلقة إلا برجوع الأشياء ومن جملتها الإنسان إليه تعالى وذلك كالحجر الهابط من السماء فإنه يعد بحركته السقوط على الأرض فإن حركته سنخ أمر لا يتم إلا بالاقتراب التدريجي من الأرض والسقوط والاستقرار عليها، والأشياء على حال كدح إلى ربها حتى تلاقيه، قال تعالى "يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ" (الانشقاق 6). يبين الكتاب للإنسان حقائق المعارف أولاً، وارتباط ما شرعه له من الأحكام العملية بتلك الحقائق ثانياً، وبعبارة اخرى أن يفهمه: أنه موجود مخلوق لله تعالى خلقه بيده ووسط في خلقه وبقائه ملائكته وسائر خلقه من سماء وأرض ونبات وحيوان ومكان وزمان وما عداها وأنه سائر إلى معاده وميعاده سيراً اضطرارياً، وكادح إلى ربه كدحاً فملاقيه ثم يجزى جزاء ما عمله، أيما إلى جنة، أيما إلى نار فهذه طائفة من المعارف.
عن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: نرى القرآن المجيد قد عرّف الإنسان بأنّه موجود يتضمّن جوانب و صفات سلبية كثيرة، و نقاط ضعف متعددة. فهل أنّ هذا هو نفس ذلك الإنسان الذي خلقه اللّه في أحسن تقويم و أفضل تكوين: "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ" (التين 4)؟ و هل أن هذا هو نفس الإنسان الذي علمه اللّه ما لم يعلم: "عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ‌" (العلق 5)؟ و هل هو نفس الإنسان الذي علمه اللّه البيان: "خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ" (الرحمن 3). و أخيرا، فهل أنّ هذا هو الإنسان الذي حثّه اللّه على السعي و الكدح في المسير إلى اللّه: "يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى‌ رَبِّكَ كَدْحاً" (الانشقاق 6). يجب أن نرى من هم الذين تتكرّس فيهم كل نقاط الضعف هذه، بالرغم من كل هذه الكرامة و المحبة الإلهية؟ الظاهر أنّ هذه المباحث تتعلق بمن لم ينشأ في حجر القادة الإلهيين، بل نشأ و نما كما تنمو الأعشاب، فلا معلم و لا دليل، و قد اطلق العنان لشهواته و غاص وسط الأهواء و الميول. من الطبيعي أنّ مثل هذا الإنسان لا يستفيد من إمكاناته و ثرواته العظيمة، و يسخرها في طريق الانحرافات و الأخطاء، و عند ذلك سيظهر كموجود خطر، و في النهاية عاجز و بائس. و إلّا فالإنسان الذي يستفيد من وجود القادة الإلهيين، و يستغل فكره في مسير الحركة التكاملية و الحق و العدل، فإنّه يخطو نحو مرتبة الآدمية، و يستحق اسم "بني آدم" و يصل إلى درجة لا يرى فيها إلّا اللّه سبحانه، كما يقول القرآن: "وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَ حَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَ فَضَّلْناهُمْ عَلى‌ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا" (الاسراء 70). فلا ملجأ إلّا إلى اللّه تعالى: "إِلى‌ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ" (القيامة 12) و ذكرت لهذه الآية تفاسير أخرى غير التفسير المذكور أعلاه منها: إن الحكم النهائي لذلك اليوم هو بيد اللّه تعالى. أو إن المقر النهائي للإنسان في الجنّة أو النّار هو بيد اللّه. أو أن الاستقرار للمحاكمة و الحساب يومئذ يكون عنده، و لكن بالتوجه إلى الآية التي تليها نرى أن ما قلناه هو الأنسب و الأوجه. و يعتقد البعض أن هذه الآية هي من الآيات التي تبين خط مسير التكامل الأبدي للإنسان، و هي من جملة الآيات التي تقول: "وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ" (التغابن 3) و "يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى‌ رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ" (الانشقاق 6) و "أَنَّ إِلى‌ رَبِّكَ الْمُنْتَهى" (النجم 42).




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=182489
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2023 / 05 / 29
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 3