الاصطفاء في الجماعات
فيما تقدم من البحث كان الحديث عن المصطفين كأفراد ودورهم على صعيد الفرد والجماعة لبناء اللبنة التي يتأسس منها المجتمع الصالح خاصة، وفي الفترة الزمنية مورد البحث لم يكن سكان الكرة الارضية من الكثرة بمكان، فكان ما في الارض من موارد يكفي لسد احتياجاتهم ولم يتعد تشكليهم الاداري في ذلك الوقت تشكيل القرية، فلم تظهر الدول بعد، ولذا كان النشاط التبليغي على مستوى الصعيد الفردي والاجتماعي، لنشر رسالة التوحيد.
وبعد ان تمكن الشيطان من اغواء الناس وعبدت الاصنام، واستشرى الانحراف الفكري حتى اصبح الشرك الديانة السائدة فبعث الله تعالى نوح لنشر التوحيد بعد زواله فلم يستجب له الا عدد قليل، فطلب نوح (عليه السلام) الى الله ان يهلك الظالمين بعد ان علم انه لن يؤمن له غير من آمن فأنجاهم الله تعالى واهلك الظالمين.
وبعد ان عادت الحياة الى الارض بعد الطوفان وبدأ سكان الارض بالازدياد وظهرت الكيانات الاجتماعية على شكل قرى ثم تطورت الى مدن، وفي كل مراحل التطور الاجتماعي ذاك كان الله تعالى يبعث الرسل مبشرين ومنذرين، وعادت حركة الانحراف بعد زمن ليس بالقصير، فقص الله تعالى في كتابه احاديث بعض المدن المهمة في ذلك الوقت، اذ بعث جل شأنه هود وصالح (عليهما السلام) لقومهما فذكراهم الله فلم يتذكروا، فاهلكهم الله تعالى، ويلاحظ ان مسألة اهلاك كل الموجودات البشرية قد انتهت وانما اصبح العذاب العام على بعض البلدات، مما يكشف ان الطبيعة البشرية لم تعد كما كانت في عهد نوح (عليه السلام).
وقد رافق ذلك تغير كبير في واقع الحياة الاجتماعية اذ بدأت الممالك بالظهور، وعاد الشرك للانتشار الكبير بين سكان الكرة الارضية، فبعث الله تعالى النبي ابراهيم (عليه السلام) مع تحقق انتقالة في طريقة الدعوة الى الله من الاعتماد على الفرد في التبليغ الى الله، الى الاسرة والجماعة، فكان آل ابراهيم (عليه السلام) اول اسرة نبوية يتعدد فيها الانبياء في جيل واحد اذ كان ابراهيم واسحق واسماعيل (عليهم السلام) جميعاً من الانبياء، وعملوا في الدعوة الى الله في وقت واحد، فكان اسحق في بلاد الشام واسماعيل في جزيرة العرب وابراهيم يطوف بينهما وربما في بلدان اخرى من العالم.
وفي الفترة الزمنية الممتدة منذ النبي ابراهيم (عليه السلام) والى قيام الساعة اختار الله تعالى ثلاثة جماعات لتؤدي دور الهداية النبوية على الارض وهم آل ابراهيم (عليه السلام) وآل عمران ، وآل محمد (صلى الله عليه واله).
|