تكملة للحلقات السابقة قال الله تعالى عن كلمة أتممت ومشتقاتها "لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا" ﴿الفتح 2﴾ وَيُتِمَّ نِعْمَتَه عَلَيْكَ: بنصرك وإظهار دينك ورفع ذكرك، فتحنا لك ذلك الفتح، ويسَّرناه لك؛ ليغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، بسبب ما حصل من هذا الفتح من الطاعات الكثيرة وبما تحملته من المشقات، ويتم نعمته عليك بإظهار دينك ونصرك على أعدائك، ويرشدك طريقًا مستقيمًا من الدين لا عوج فيه، وينصرك الله نصرًا قويًّا لا يَضْعُف فيه الإسلام، و "يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ" ﴿الصف 8﴾ متم اسن، والله متمٌّ: مظهر، يريد هؤلاء الظالمون أن يبطلوا الحق الذي بُعِثَ به محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو القرآن بأقوالهم الكاذبة، والله مظهر الحق بإتمام دينه ولو كره الجاحدون المكذِّبون، و "بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا" ﴿التحريم 8﴾ أتمم فعل، ربنا أتمم لنا نورنا: إلى الجنة والمنافقون يطفأ نورهم، يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، ارجعوا عن ذنوبكم إلى طاعة الله رجوعا لا معصية بعده، عسى ربكم أن يمحو عنكم سيئات أعمالكم، وأن يدخلكم جنات تجري من تحت قصورها الأنهار، يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه، ولا يعذبهم، بل يُعلي شأنهم، نور هؤلاء يسير أمامهم وبأيمانهم، يقولون: ربنا أتمم لنا نورنا حتى نجوز الصراط، ونهتدي إلى الجنة، واعف عنَّا وتجاوز عن ذنوبنا واسترها علينا، إنك على كل شيء قدير.
ان الايمان بالامامة هو النجاة في الدنيا والاخرة مثل الصلاة "إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ" (العنكبوت 45) او الحج "لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ" (الحج 28). بالاضافة الى ان الذي يموت ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية. وهنالك احاديث كثيرة تؤكد على احقية علي بن ابي طالب في الخلافة فعلي مع الحق والحق مع علي، ومثل اهل البيتي كالنجوم. والانبياء اوصوا بمن يخلفهم بمن فيهم ابراهيم "قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا" (البقرة 124) وموسى وعيسى عليهم السلام فلماذا لا يوصي النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم بالخليفة من بعده "قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ" (الاحقاف 9) والذي قال اعلمكم علي "قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ" (الزمر 9). الايات القرآنية يوضحها ويفصلها الرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم، فآية التبليغ "يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ" (المائدة 67) رافقت الحديث المتواتر من كنت مولاه فعلي مولاه. وان سورة المائدة هي اخر سورة نزلت وفيها اية كمال الدين "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا" (المائدة 3) والتي تخص ولاية علي بن ابي طالب عليه السلام "إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ" (المائدة 55) كما اوضحها النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم وكما فصل احكام الصلاة والحج. ولكن حصل جحود في ولاية علي عليه السلام "وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا" (النمل 14).
جاء في موقع منتديات اشتياق: الإكمال من الفعل أكملَ المتعدي، والإتمام من الفعل أتمَّ أيضاً متعدٍ، وأمّا الكمال فهو من الفعل اللازم (كَمُلَ) وكذلك التمام فهو من الفعل اللازم تمَّ أو (تمُمَ)، هذا من حيث الإشتقاق. وقد جاء في كتاب الكليات أنّ (التمام يقابل نقصان الأصل، والكمال يطابق نقصان الوصف، بعد تمام الأصل)، وقال صاحب الفروق: (الإتمام لإزالة نقصان الأصل، والإكمال لإزالة نقصان العوارض، بعد تمام الأصل)، ولهذا كان قوله تعالى: "تلك عشرة كاملة" (البقرة 196) أحسن من (تامة)، لأن (التمام) من العدد قد عُلم، وإنما احتمال النقص. وهذا يعني أن (الإتمام) إنما يكون لما هو ناقص، و(الإكمال) إنما يكون لرفع ما هو عارض على الأصل. وتأسيساً على هذا الفارق بين (الإتمام) و(الإكمال)، نتوقف مع لطيفة تتعلق بقوله تعالى: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي" (المائدة 3). فقد ورد في الآية (إكمال) الدين، و(إتمام) النعمة، فالنقص في (الدين) كان عارضاً، فزال بعد الإكمال، وأما نقصان (النعمة) فشيء لا بد منه، ولا يمكن أن تكمل نعمة، فإذا ملك الإنسان المال فقد يُحرم الصحة، وقد يملك الصحة ويحرم المال، وقد يملك الصحة والمال ويُحرم نعماً أخرى، وقد قيل قديماً: (ليس تكاد الدنيا تسقي صفواً، إلا اعترض في صفائها أذى باطن). ولأجل ذلك المعنى جاء (الإتمام) مع النعمة في قوله سبحانه: "ولأتم نعمتي عليكم" (البقرة 150)، وقوله تعالى: "وليتم نعمته عليكم" (المائدة 6)، وقوله عز من قائل: "ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق" (يوسف 6)، وقوله عز وجل: "كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون" (النحل 81)، وأخيراً لا آخراً قوله تعالى: "ويتم نعمته عليك" (الفتح 2). إذن، فـ (الإكمال) في اللغة أعظم من (الإتمام). وقد توقف ابن القيم رحمه الله عند قوله تعالى: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي" (المائدة 3) وقفة تأمل، فقال: (تأمل كيف وصف الدين الذي اختاره لهم بـ (الكمال)، إيذاناً في الدين بأنه لا نقص فيه ولا عيب ولا خلل ولا شيء خارجاً عن الحكمة بوجه، بل هو الكامل في حسنه وجلالته. ووصف النعمة بـ (التمام)، إيذاناً بدوامها واتصالها، وأنه لا يسلبهم إياها بعد إذ أعطاهموها، بل يتمها لهم بالدوام في هذه الدار، وفي دار القرار). وقال أيضاً: (وتأمل حسن اقتران (التمام) بالنعمة، وحسن اقتران (الكمال) بالدين، وإضافة الدين إليهم، إذ هم القائمون به، المقيمون له، وأضاف النعمة إليه؛ إذ هو وليها ومسديها والمنعم بها عليهم، فهي نعمته حقاً، وهم قابلوها. وأتى في (الإكمال) بـ (اللام) المؤذنة بالاختصاص، وأنه شيء خصوا به دون الأمم، وفي (إتمام) النعمة بـ (على) المؤْذِنة بالاستعلاء والاشتمال والإحاطة، فجاء "أتممت" في مقابلة "أكملت"، و"عليكم" في مقابلة "لكم"، و "نعمتي" في مقابلة "دينكم"، وأكد ذلك، وزاده تقريراً وكمالاً وإتماماً للنعمة بقوله: "ورضيت لكم الإسلام دينا" (المائدة 3)).
جاء في تفسير مجمع البيان للطبرسي: قوله تعالى "يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ" (التوبة 32) أخبر سبحانه عن هؤلاء الكفار من اليهود والنصارى أنهم "يريدون أن يطفئوا نور الله" (التوبة 32) وهو القرآن والإسلام ، عن أكثر المفسرين. وقيل: نور الله الدلالة والبرهان لأنهما يهتدى بهما ، كما يهتدى بالأنوار، عن الجبائي. قال: ولما سمى سبحانه الحجج والبراهين أنوارا، سمى معارضتهم لذلك إطفاء، ثم قال: "بأفواههم" لأن الاطفاء يكون بالأفواه وهو النفخ، وهذا من عجيب البيان، مع ما فيه من تصغير شأنهم، وتضعيف كيدهم، لأن الفم يؤثر في الأنوار الضعيفة دون الأقباس العظيمة. "ويأبى الله إلا أن يتم نوره" (التوبة 32) معناه ويمنع الله إلا أن يظهر أمر القرآن، وأمر الاسلام، وحجته على التمام. وأصل الإباء: المنع والامتناع دون الكراهية على ما ادعته المحبرة، ولهذا تقول العرب: فلان يأبى الضيم، وهو أبي الضيم، ولا مدحة في كراهية الضيم، لأنه يستوي فيه القوي والضعيف، وإنما المدحة في الامتناع أو المنع منه "ولو كره الكافرون" أي: على كره من الكافرين.
|