• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : مقامات أهل البيت صلوات الله عليهم .
                          • الكاتب : د . مظفر الشريفي .

مقامات أهل البيت صلوات الله عليهم

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

(بحث مُستل من كتاب "بل عبادٌ مكرمون- دراسة قرآنية وحديثية في نقد الغلوّ" لكاتب المقال).

قال الله عزّ وجلّ: {وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحمَنُ وَلَداً سُبحانَهُ بَل عِبادٌ مُكرَمُونَ * لا يَسبِقُونَهُ بِالقَولِ وَهُم بِأَمرِهِ يَعمَلُونَ * يَعلَمُ ما بَينَ أَيدِيهِم وَما خَلفَهُم وَلا يَشفَعُونَ إِلّا لِمَنِ ارتَضَى وَهُم مِن خَشيَتِهِ مُشفِقُونَ * وَمَن يَقُلْ مِنهُم إِنِّي إِلَهٌ مِن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجزِي الظّالِمِينَ} [سورة الأنبياء ع: 26-29].

لا ريب أن لأهل البيت الأربعة عشر صلوات الله عليهم مقامات قُربٍ عند الله تعالى لا تُدانَى بسبب عبوديتهم وطاعتهم التامة له سبحانه، وهم أعلم الناس بالله جلّ وعلا وبدينه الحق وأكثرهم خوفاً منه سبحانه وأحسنهم عبادة، وهم العروة الوثقى التي من تمسك بها فاز فوزاً عظيماً، وهم عباد مكرمون لا يسبقون ربهم بالقول وهم بأمره يعملون، وهم جميعاً معصومون بعصمة إلهية من الذنوب قد أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، قال تعالى: {إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً} [سورة الأحزاب: 33]، وإن حبَّهم إيمان وبغضَهم كفر، وأن سيد العترة رسول الله صلى الله عليه وآله هو سيد خلق الله، وأن علياً سلام الله عليه هو نفس رسول الله صلى الله عليه وآله وفق ما ورد في تفسير آية المباهلة: {فَمَنْ حاجَّكَ فِيهِ مِن بَعدِ ما جاءَكَ مِنَ العِلمِ فَقُل تَعالَوا نَدعُ أَبناءَنا وَأَبناءَكُم وَنِساءَنا وَنِساءَكُم وَأَنفُسَنا وَأَنفُسَكُم ثُمَّ نَبتَهِل فَنَجعَل لَعنَةَ اللهِ عَلَى الكاذِبِينَ} [سورة آل عمران: 61]، وأن فاطمة سلام الله عليها هي سيدة نساء العالمين، وأن الحسن والحسين سلام الله عليهما هما سيدا شباب أهل الجنة، وأن الأئمة الإثني عشر سلام الله عليهم هم خلفاء رسول الله صلى الله عليه وآله وأوصياؤه، وهم أولوا الأمر الذين أمر الله تعالى بطاعتهم، قال تعالى: {يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم} [سورة النساء: 59]، وهم حجج الله على العباد، وإن أمرهم أمر الله تعالى، ونهيهم نهيه، وطاعتهم طاعته، ومعصيتهم معصيته، ووليّهم وليُّه، وعدوهم عدوه. وأن خاتمهم هو المهدي المنتظر سلام الله عليه وعجل فرجه الشريف، وهو مَن يملأ الله به الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن تملأ ظلماً وجوراً. وقد جعل الله سبحانه مودة أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله أجراً للرسالة في قوله تعالى: {قُل لا أَسأَلُكُم عَلَيهِ أَجراً إِلا المَوَدَّةَ فِي القُربَى} [سورة الشورى: 23]، وجعل الأئمة الإثني عشر عِدلَ القرآن المجيد في حديث الثقلين، وجعل النجاة في اتِّباعهم كما في حديث السفينة عن رسول الله صلى الله عليه وآله: {يا علي مثلك في أمتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق}[1]، وإن بقية مناقب وفضائل أهل البيت صلوات الله عليهم التي وردت في كتب المسلمين من شيعة وغيرهم كثيرة، وتُبيِّن عظيم منزلتهم عند الله تعالى وأحقيتهم بخلافة رسول الله صلى الله عليه وآله وإمامة أمة الإسلام.

لذا فإن بعض مقاماتهم التي لم تَرِد في القرآن الكريم بدلالة واضحة أو لم ترد في السُّنة بدلالة واضحة وسند قطعي الصدور فلا نحتاج فيها لأدلة يقينية، وتصديقها يسير لأنها طبيعية لمن كان حجة لله على خلقه. ولكن هنالك مقامات لها مساس ببعض العقائد الأساسية، ونحتاج لإثباتها إلى أدلة قطعية لا ظنية فقط. أما ما يورث الظن فحسب كبعض الاستدلالات العقلية الظنية وأخبار الآحاد واتِّباع رأي غير المعصوم فهي لا تكفي في هذا المجال. ومما يؤسف له استدلال البعض بالروايات الضعيفة السند أو الدلالة، أو حتى بالروايات التي لا أصل معروفاً لها، أو هي بالأصل مجرد رؤى في المنامات، أو هي من أقوال بعض العلماء وقد ادُّعي أنها عن أهل البيت صلوات الله عليهم، أو يُستدل بأقوال رجال غير معصومين، أو بالاستحسانات والظنون المستندة إلى الفلسفة والكشف (أي العرفان الصوفي). ومن الضروري بيان أننا لسنا مكلفين أمام الله تعالى بمعرفة هذه المقامات المنسوبة لأهل البيت صلوات الله عليهم غير المستندة إلى دليل تام، والتي يخالف بعضها صريح الكتاب والسنة كقضية الصادر الأول وقِدَمِه والسنخية بينه وبين الله - تعالى عن ذلك - وما يستتبعها من لوازم خطيرة كالتي ينادى بها في مدرسة الحكمة المتعالية. ولسنا مكلفين بمعرفة الاستدلالات الفلسفية والعقلية المعقدة التي يتكلم بها البعض. وبذلك لن يكون في استدلالاتهم حجة على الناس في العقائد إذا لم يقتنعوا بها لأنه سيكون تقليداً لغير المعصوم. وهذا التقليد لا يصل الى مرتبة اليقين المطلوب في العقائد ولا يعدو كونه ظناً أو ما هو أدنى من الظن.

ولا بدّ من التفريق بين المقامات والفضائل، فإنه من الضروري الذي قد يرقى إلى الوجوب أحياناً هو معرفة فضائل أهل البيت صلوات الله عليهم وما تحلّوا به من صفات يمكن التأسي بها، والتي كانت مشهودة ومعروفة من قبل معاصريهم ومن تلاهم إلى يومنا هذا. فبعض هذه الفضائل مما يُحتج به على إمامتهم، خاصة إذا قورنت مع ما يُدّعى من فضائل لمناوئيهم الذي غصبوا حقهم. أما المقامات المدعاة فبعضها واضح وثابت وبعضها لا يمكن الاحتجاج به ولا يمكن التأسي بهم فيه كادعاء وساطة الفيض وغيرها.

ومن فاحش الخطأ أن يظن البعض أن تكريم المعصومين من هذه الأمة لا يحصل إلا بوصفهم بصفات إلٰهية، لأن رداء الكبرياء والجبروت والقدرة التامة وحقيقة الحياة والقيومية والإحاطة بالزمان والمكان والقدرة الذاتية على الخلق ليس إلا لله عزّ وجلّ. وإذا مَنّ الله على أحد من خلقه بصفة متميزة فإنها تكون غير مطلقة ويَحفُّ بها الفقر والنقص كما في معجزات عيسى سلام الله عليه، قال تعالى: {إِذ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابنَ مَريَمَ اذكُر نِعمَتِي عَلَيكَ وَعَلى والِدَتِكَ إِذ أَيَّدتُكَ بِرُوحِ القُدُسِ تُكَلِّمُ النّاسَ فِي المَهدِ وَكَهلاً وإذ عَلَّمتُكَ الكِتابَ والحِكمَةَ والتَّوراةَ والإِنجِيلَ وإذ تَخلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيئَةِ الطَّيرِ بِإِذنِي فَتَنفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيراً بِإِذنِي وَتُبرِئُ الأَكمَهَ والأَبرَصَ بِإِذنِي وإذ تُخرِجُ المَوتَى بِإِذنِي وإذ كَفَفتُ بَنِي إِسرائِيلَ عَنكَ إِذ جِئتَهُم بِالبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنهُم إِنْ هَذا إِلا سِحرٌ مُبِينٌ} [سورة المائدة: 110]. فخَلْقُ الطير ليس خلقاً كاملاً، وإنما بدايته هي نحت لجسم الطير من مادة موجودة هي الطين لم يأتِ بها عيسى سلام الله عليه من العدم كما يفعل الله جلّت قدرته. أما إحياء الموتى فهو محدود لبعض الموتى حسب ما يقتضيه الاعجاز المؤيد للرسالة التي جاء بها عيسى سلام الله عليه وليس شاملاً، فهو محيي وليس المحيي مطلقاً، ولم تذكر الآيات أنه مميت، بل فقط يحيي. لذا فهو لا يمتلك القدرة على الإحياء والإماتة بل على إحياء محدود فقط.

ومن الثابت وفق التواتر الإجمالي[2] حدوث مختلف الكرامات على أيدي الأئمة سلام الله عليهم. وهي على كل حال محدودة لا تُقارن بالقدرة المطلقة للباري سبحانه وبما يبتدعه من العدم. ولا يحتاج أهل البيت صلوات الله عليهم لإسباغ قدرات إلهية عليهم كي ترتفع مكانتهم، لأن الكرامة والتكريم الحقيقي وفق مفاهيم القرآن الكريم والسنة المُحكمة إنما هو بالطاعة والعبودية وتقوى الله سبحانه كما قال جلّ شأنه: {إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ اللهِ أَتقاكُم} [سورة الحجرات: 13]. وتوجد آيات وروايات عديدة مُحكمة صريحة في بيان عبودية أولياء الله تعالى وعجزهم وفقرهم التكويني ونفي ما يجعل الناس يظنون بصفات الغلوّ التي انتشرت في زماننا هذا.

ومن الضروري أن نعرف أن الواجب في مسألة الإمامة هو الإقرار بإمامة الأئمة الإثني عشر سلام الله عليهم وأنهم خلفاء رسول الله صلى الله عليه وآله في الدين وقيادة الأمة، وقد افترض الله طاعتهم. كما يلزم الاعتقاد بعصمتهم من المعصية، ولا يجب أكثر من هذا. وننقل هنا كلام الشيخ مرتضى الأنصاري (الملقب بالشيخ الأعظم) في بيان العقيدة الإسلامية وسهولة أمرها وخلوها من التعقيدات التي أضافها البعض بعد عصر الأئمة سلام الله عليهم، حيث قال:

(ففي رواية محمد بن سالم، عن أبي جعفر عليه السلام، المروية في الكافي: {إن الله عزّ وجلّ بعث محمداً صلى الله عليه وآله وسلم وهو بمكة عشر سنين، فلم يمت بمكة في تلك العشر سنين أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا أدخله الله الجنة بإقراره، وهو إيمان التصديق}[3]، فإن الظاهر أن حقيقة الإيمان التي يخرج الإنسان بها عن حد الكفر الموجب للخلود في النار، لم تتغير بعد انتشار الشريعة. نعم، ظهر في الشريعة أمور صارت ضرورية الثبوت من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فيعتبر في الإسلام عدم إنكارها، لكن هذا لا يوجب التغيير، فإن المقصود أنه لم يعتبر في الإيمان أزيد من التوحيد والتصديق بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وبكونه رسولاً صادقاً فيما يبلغ، وليس المراد معرفة تفاصيل ذلك، وإلا لم يكن من آمن بمكة من أهل الجنة أو كان حقيقة الإيمان بعد انتشار الشريعة غيرها في صدر الإسلام.

وفي رواية سليم بن قيس، عن أمير المؤمنين عليه السلام: {إن أدنى ما يكون به العبد مؤمناً أن يعرفه الله تبارك وتعالى إياه فيقرّ له بالطاعة، ويعرفه نبيه فيقر له بالطاعة، ويعرفه إمامه وحجته في أرضه وشاهده على خلقه فيقر له بالطاعة}، فقلت: يا أمير المؤمنين وإن جهل جميع الأشياء إلا ما وصفت؟ قال: {نعم}[4]، وهي صريحة في المدّعى.

وفي رواية أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: جعلت فداك، أخبرني عن الدين الذي افترضه الله تعالى على العباد، ما لا يسعهم جهله ولا يقبل منهم غيره، ما هو؟ فقال: {أعد عليّ}، فأعاد عليه، فقال: {شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً، وصوم شهر رمضان} ثم سكت قليلاً، ثم قال: {والولاية، مرتين} ثم قال: {هذا الذي فرض الله عزّ وجلّ على العباد، لا يسأل الرب العباد يوم القيامة، فيقول: ألا زدتني على ما افترضت عليك، ولكن من زاد زاده الله، إن رسول الله صلى الله عليه وآله سن سنة حسنة ينبغي للناس الأخذ بها}[5]. ونحوها رواية عيسى بن السري: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: حدثني عما بُنيت عليه دعائم الإسلام، التي إذا أخَذْتُ بها زَكَى عملي ولم يضرني جهلُ ما جهلتُ بعده؟ فقال: {شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله، والاقرار بما جاء من عند الله، وحق في الأموال الزكاة، والولاية التي أمر الله بها ولاية آل محمد صلى الله عليه وآله، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية، وقال الله تعالى: {أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم}، فكان علي، ثم صار من بعده الحسن، ثم من بعده الحسين، ثم من بعده علي ابن الحسين، ثم من بعده محمد بن علي، ثم هكذا يكون الأمر، إن الأرض لا تصلح إلا بإمام ... الحديث}[6].

وفي صحيحة أبي اليسع: قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أخبرني بدعائم الإسلام التي لا يسع أحدا التقصير عن معرفة شيء منها، التي من قصر عن معرفة شيء منها فسد عليه دينه ولم يُقبل منه عمله، ومن عرفها وعمل بها صلح دينه وقُبل عمله ولم يضق به مما هو فيه لجهل شيء من الأمور جهله؟ فقال: {شهادة أن لا إله إلا الله، والإيمان بأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله، والإقرار بما جاء به من عند الله، وحق في الأموال الزكاة، والولاية التي أمر الله عزّ وجلّ بها ولاية آل محمد صلى الله عليه وآله}[7].

وفي رواية إسماعيل: قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الدين الذي لا يسع العباد جهله، فقال: {الدين واسع، وإن الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهلهم}، فقلت: جعلت فداك أما أحدثك بديني الذي أنا عليه؟ فقال: {بلى}، قلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، والإقرار بما جاء به من عند الله، وأتولاكم، وأبرأ من عدوكم ومن ركب رقابكم وتأمر عليكم وظلمكم حقكم، فقال: {ما جهلت شيئاً، هو والله الذي نحن عليه}، قلت: فهل سلم أحد لا يعرف هذا الأمر؟ قال: {لا، إلا المستضعفين}، قلت: من هم؟ قال: {نساؤكم وأولادكم}، قال: {أرأيت أم أيمن، فإني أشهد أنها من أهل الجنة، وما كانت تعرف ما أنتم عليه}[8]. فإن في قوله عليه السلام {ما جهلت شيئاً} دلالة واضحة على عدم اعتبار الزائد[9] في أصل الدين.

والمستفاد من هذه الأخبار المصرحة بعدم اعتبار معرفة أزيد مما ذكر فيها في الدين - وهو الظاهر أيضا من جماعة من علمائنا الأخيار، كالشهيدين في الألفية وشرحها، والمحقق الثاني في الجعفرية، وشارحها، وغيرهم - هو: أنه يكفي في معرفة الرب التصديق بكونه موجوداً واجب الوجود لذاته، والتصديق بصفاته الثبوتية الراجعة إلى صفتي العلم والقدرة، ونفي الصفات الراجعة إلى الحاجة والحدوث، وأنه لا يصدر منه القبيح فعلاً أو تركاً. والمراد بمعرفة هذه الأمور: ركوزها في اعتقاد المكلف، بحيث إذا سألته عن شيء مما ذكر، أجاب بما هو الحق فيه وإن لم يعرف التعبير عنه بالعبارات المتعارفة على ألسنة الخواص)[10].

ثم قال الشيخ في صفحة 567: (ويكفي في معرفة الأئمة صلوات الله عليهم: معرفتهم بنسبهم المعروف والتصديق بأنهم أئمة يهدون بالحق ويجب الانقياد إليهم والأخذ منهم. وفي وجوب الزائد على ما ذكر من عصمتهم الوجهان[11]. وقد ورد في بعض الأخبار: تفسير معرفة حق الإمام عليه السلام بمعرفة كونه إماماً مفترض الطاعة. ويكفي في التصديق بما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم: التصديق بما علم مجيئه به متواتراً، من أحوال المبدأ والمعاد، كالتكليف بالعبادات والسؤال في القبر وعذابه والمعاد الجسماني والحساب والصراط والميزان والجنة والنار إجمالاً، مع تأمل في اعتبار معرفة ما عدا المعاد الجسماني من هذه الأمور في الإيمان المقابل للكفر الموجب للخلود في النار، للأخبار المتقدمة المستفيضة، والسيرة المستمرة، فإنا نعلم بالوجدان جهل كثير من الناس بها من أول البعثة إلى يومنا هذا.

ويمكن أن يقال: إن المعتبر هو عدم إنكار هذه الأمور وغيرها من الضروريات، لا وجوب الاعتقاد بها، على ما يظهر من بعض الأخبار، من أن الشاك إذا لم يكن جاحداً فليس بكافر، ففي رواية زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام: {لو أن العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا، لم يكفروا}[12]، ونحوها غيرها).

ثم قال: (وبالجملة: فالقول بأنه يكفي في الإيمان الاعتقاد بوجود الواجب الجامع للكمالات المنزه عن النقائص وبنبوة محمد صلى الله عليه وآله وبإمامة الأئمة عليهم السلام، والبراءة من أعدائهم والاعتقاد بالمعاد الجسماني الذي لا ينفك غالباً عن الاعتقادات السابقة، غير بعيد، بالنظر إلى الأخبار والسيرة المستمرة). انتهى كلام الشيخ الأنصاري، وقد ذكرناه على طوله لأهميته ولمكانة الشيخ الكبرى عند علماء الطائفة.

 

 

([1] الخصال، ص ٥٧٣.

[2]) التواتر الإجمالي هو أن يصلنا كثير من الروايات في موضوع محدد، لا يفيد أي منها العلم بصدورها عن المعصوم سلام الله عليه، ولكن يحصل العلم إجمالاً بصدور بعضها غير المعيّن.

[3]) الكافي، ج ٢، ص ٢٩.

[4]) الكافي، ج ٢، ص 414.

[5]) الكافي، ج ٢، ص ٢2.

[6]) الكافي، ج ٢، ص ٢1.

[7]) الكافي، ج ٢، ص 19.

[8]) الكافي، ج ٢، ص 405.

[9]) يلاحظ هنا تأكيد الشيخ الأنصاري على عدم اعتبار الزائد عما ذُكر في الرواية، وهذا يكشف عن أن ما يُدعى من مقامات مستحدثة لأهل البيت صلوات الله عليهم لا يجب معرفتها ولا يحق الطعن بمن لا يقرّ بها.

[11]) يقصد ما ذكره قبل هذا في ص 565: (ويكفي في معرفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم: معرفة شخصه بالنسب المعروف المختص به، والتصديق بنبوته وصدقه، فلا يعتبر في ذلك الاعتقاد بعصمته، أعني كونه معصوما بالملكة من أول عمره إلى آخره)، ثم ذكر اختلاف العلماء في وجوب الاعتقاد بالعصمة. أي يوجد رأيان حول وجوب الاعتقاد بعصمة النبي صلى الله عليه وآله والأئمة سلام الله عليهم. ولا يعني هذا التشكيك بعصمتهم فعلاً، بل التشكيك في وجوب الاعتقاد بها من قبل المكلفين.

[12]) الكافي، ج ٢، ص 388.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=183067
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2023 / 06 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 10