• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : اشارات قرآنية في كتاب مرشد المغترب للسيد محمد سعيد الحكيم (ح 1) .
                          • الكاتب : د . فاضل حسن شريف .

اشارات قرآنية في كتاب مرشد المغترب للسيد محمد سعيد الحكيم (ح 1)

جاء في کتاب مرشد المغترب للسيد محمد سعيد الحكيم عن نصائح وتوجيهات للمغتربين: إلى إخواننا المؤمنين المغتربين أينما كانوا من شرق الأرض وغربها: عزيز علينا أن نتحدث إليكم على بعد الدار، وتعذر المزار لنواسيكم في محنتكم، ونشاطركم الأسى في بليتكم، حيث فارقتم أهاليكم وأحبتكم، وتركتم المعشر الذين عشتم معهم، وأنستم بهم، وهجرتم دياركم وبلادكم التي أحببتموها وأحبتكم، وتركتم أجواءكم ومجتمعاتكم التي ألفتموها وألفتكم، وعانيتم وحشة الاغتراب، ومشاكل التشتت والتشريد. إلا أن لكم أسوة بنبيكم العظيم، وآله الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وأوليائهم المخلصين، حيث استهدفتهم الدنيا بمحنها وبلائها ومصائبها وأرزائها، مشردون نفوا عن عقر دارهم * كأنهم قد جنوا ما ليس يغتفر. وتلك سنة الله تعالى في الدني، حيث اختص أولياءه فيها بالبلاء والعناء، حتى صارت الدنيا لهم سجن، كما ورد في أحاديث كثيرة. وقد قال عز من قائل: "أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ" (البقرة 214). فالحمد لله تعالى على حسن بلائه وجميل صنعه بعباده المؤمنين. ونسأله سبحانه بمنه ولطفه أن يوفقنا وإياكم للثبات على الحق، والخروج من هذه المحن مفلحين منجحين، غير خائبين ولا خاسرين. وأن لا يجعلنا من "وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ" (الحج 11). كما نسأله جل شأنه بفضله ورحمته أن يعينكم في محنتكم، ويرعاكم في غربتكم، ويحوطكم برعايته وعنايته، ويعيذكم من مضلات الفتن، ويسددكم للتي هي أقوم، ويهديكم سواء السبيل. إنه الرؤوف بالمؤمنين الرحيم بهم. إياكم والجزع والهلع، والشعور بالوهن والفشل والخيبة والإحباط، لكثرة المشاكل المحيطة بكم. فإن الله تعالى قد منّ عليكم بأعظم النعم وأجلّه، وهو دين الإسلام العظيم، وطريق أهل البيت عليهم السلام القويم، الذي ارتضاه لخلقه، ولم يرض لهم غيره، فقال جلت آلاؤه وعظمت نعماؤه: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً" (المائدة 3)، وقال عز من قائل: "وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ" (ال عمران 85).
ويستطرد آية الله العظمى السيد الحكيم قدس سره قائلا: أن المؤمنين معرضون للبلاء، فينبغي للمؤمن إذا حلّ به البلاء أن يزداد بصيرة في دينه وثباتاً في يقينه، كما قال عز من قائل: "وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً * مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً" (الاحزاب 22-23). الولاء لأهل البيت عليهم السلام، الذي به يكمل الإسلام وتتم نعمته، حيث تحزبت عليه فرق الضلال، وتحالفت على مقاومته قوى الكفر، من يومه الأول حتى يومنا هذا، وحاربوه بلا هوادة، وأنزلوا به النوازل، وقارعوه بالقوارع، وجدوا في إطفاء نوره، ونسف قواعده، واستئصال شجرته، وهو يزداد مع كل ذلك قوة وصلابة، وظهوراً وانتشار. وقد صدق الله عز وجل حيث يقول: "يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ" (الصف 8)، وحين يقول: "فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ" (الرعد 17)، وحيث يقول: "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ * يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ" (ابراهيم 24-27). فاشكروا الله تعالى على عظيم نعمته عليكم، وجميل صنعه بكم، حيث عرّفكم نفسه وأولياءه، وجعلكم أهل دعوته وحملة دينه، ووفقكم للتمسك بحبله، وموالاة أوليائه، ومعاداة أعدائه. وأدوا حق هذه النعمة، وتعاهدوه، وجِدّوا في الحفاظ عليه، وقووا معنوياتكم اعتزازاً به، وشعوراً بالرفعة على من فقده. إن من أعظم الواجبات وآكدها التفقه في الدين، وتعلم أحكامه في العقائد والعمل، فقد حثّ الشارع الأقدس على ذلك مؤكد. قال الله تعالى: "فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ" (النحل 43)، وقال عز من قائل: "وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ" (التوبة 122). وفي نصوص كثيرة أن طلب العلم فريضة على المسلمين. وفي صحيح مسعدة بن زياد: (سمعت جعفر بن محمد عليهم السلام وقد سئل عن قوله تعالى: "فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ" (الانعام 149) فقال: إن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة: أكنت عالم؟ فإن قال: نعم، قال له: أفلا عملت بما علمت؟ وإن قال: كنت جاهل، قال له: أفلا تعلمت حتى تعمل؟ فيخصمه. وذلك الحجة البالغة).
وعن التعرض لأتباع أهل البيت هذه الأيام يقول المرجع السيد محمد سعيد الحكيم في كتابه: الحذر كل الحذر أيها المغتربون المؤمنون على دينكم لئلا يسرق منكم بهذه الطروحات والمحاولات المشبوهة، فإن دينكم وولاءكم لأهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام هما الجوهرتان الثمينتان، والنعمتان الكبريان اللتان أنعم الله عز وجل بهما عليكم وعلى جميع المؤمنين، لطفاً منه وفضل، فلا ينبغي التفريط بهما وكفر نعمة الله تعالى فيهم، فيكون عاقبة ذلك الوبال والنكال والخسران الدائم، كما قال عز وجل: "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ" (ابراهيم 28-29). ونحن وإن كنا على بصيرة تامة بصحة عقيدتنا ومسلماتن، وقوة حجتن، وتناسق أدلتن، إلا أنا لا نريد منكم التشبث بها تقليداً لسلفنا الصالـح وجموداً على الماضي الموروث، ورفض الأفكار والطروحات المضادة من دون فحص وتثبت، فإنا بحمد الله تعالى وفضله في غنى عن ذلك. بالرجوع إلى مصادر المعرفة والنظر في أدلتنا بموضوعية وإنصاف، ولو بالاتصال بمراكز الثقافة الدينية والحوزات الشريفة، والاستعانة بأهل البحث والتحقيق، من أجل معرفة تلك الأدلة والوصول إليه، لتتضح الحقيقة بجلاء، ولتكون عاقبة ذلك ثبات العقيدة عن بصيرة تامة، وحجة كافية، فإن عقيدتنا بحمد الله تعالى غنية بذلك "وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمـُؤْمِنِينَ سَبِيلاً" (النساء 141). الإسلام بل كل دين سماوي في الحقيقة فقد قرن العقيدة بالعمل. وقد أكد القرآن الشريف على العمل الصالـح وقرنه بالإيمان في آيات كثيرة جداً قال تعالى: "وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ" (العصر 1-3). أن أهمية هذا الأمر تفرض عليكم التضحية في سبيله، وشدّ العزم عليه مهما كلف من ثمن، متكلين على الله تعالى، مستمدين منه العون والتسديد. وإلا غلبتم على أمركم وذبتم في تلك المجمعات الفاسدة المتحللة، وانصهرتم به، وضاعت شخصيتكم، وتحطم كيانكم إلى غير رجعة، وكان ذلك سبباً في خذلان الله تعالى لكم، فيعرض عنكم ويكلكم إلى أنفسكم "وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ" (ال عمران 160). على أن الإصرار والاستمرار على الالتزام الديني وإن كان قد يكون سبباً للحرج في أول الأمر، إلا أنه إذا كان مشفوعاً بحسن الخلق وجميل المعاشرة، يلجئ مجتمعكم إلى الاعتراف به على أنه الأمر الواقع الذي لابد من التسليم به والتعايش معه، والتعامل معكم على أساسه، فتخف عليكم مؤنته. بل يرفع من مكانتكم في نفوسهم، ويفرض احترامكم عليهم. لأن النفوس مجبولة على احترام ذوي المبادئ الشريفة، والإرادة القوية، والشخصية المتكاملة. وفوق كل ذلك رضا الله تعالى الذي بيده الأمور وإليه المصير، فإن البخوع لأمره ونهيه، وإحكام العلاقة به من أهم أسباب الفلاح والنجاح والتأييد والنصر، كما قال عز من قائل: "إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ" (محمد 7) و "إِن يَنصُرْكُمُ اللهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ" (ال عمران 160) وهو خير الناصرين وولي المؤمنين.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=185705
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2023 / 08 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 3