• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع :  نبي الرحمة / ١ .
                          • الكاتب : يحيى غالي ياسين .

 نبي الرحمة / ١

كانت العرب قبل الإسلام في أعلى درجات ومستويات الفصاحة والبلاغة والأدب ، ولكن لم تسعفهم تلك المهارات اللغوية عن إبعاد صفة الجاهلية عنهم ..! ، لأنها إما كانت عبارة عن قوالب لفظية جوفاء لا تحمل معان نافعة لأصحابها ، أو كانت مجرد نُظم وأنساق شعرية ونثرية ذات دلالات كاذبة وخادعة ( وَأَنَّهُمۡ يَقُولُونَ مَا لَا يَفۡعَلُونَ ) بحسب التعبير القرآني في وصف الشعراء .. أو كانت تُستعمل لأخلاقيات منبوذة كالتفاخر والتنابز والتغزل بالمرأة او الخمرة .. أو إثارة النعرات القبلية وإستثارة الأحقاد وزرع روح الفرقة والتنازع والتباغض وحميّة الجاهلية ..

وهذا ما عالجه الإسلام ، ففي الوقت الذي جاراهم بل تحدّاهم باللغة وفصاحتها وبلاغتها ( أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۖ قُلۡ فَأۡتُواْ بِسُورَةٖ مِّثۡلِهِۦ وَٱدۡعُواْ مَنِ ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ) يونس ٣٨ ، إلا أنه عالج استعمالاتها الخاطئة وإستغلالاتها السيئة .. فباتت لغة العرب هي لغة القرآن الكريم ، هذه اللغة التي أضحت تعبّر عن مرادات السماء وحقائق الكون وإرشادات وتوجيهات الشريعة ( إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ قُرۡءَٰنًا عَرَبِيّٗا لَّعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ ) يوسف ٢
..

لم يتفضّل نبي على لغة قومه كما تفضّل نبي الاسلام على لغة العرب ( وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوۡمِهِ ) ، فبالقرآن صان قواعدها وعمّق من دلالاتها وهذّب استعمالاتها صلى الله عليه وآله .

يقول طه حسين : " والقرآن بعد هذا كله هو الذي حفظ اللغة العربية أن تذوب في اللغات الأجنبية التي تغلبت على اللغة العربية بحكم السياسة في عصور كثيرة وظروف مختلفة . فقد تفرقت كلمة المسلمين في السياسة وآنحلّت الخلافة العربية القديمة وخضع العرب لإستعمار الأعاجم . حكمهم الفرس في دار الخلافة نفسها أولاً ، وحكمهم الترك بعد ذلك قرونا متصلة ، وجاء العصر الحديث فخضع العرب لسلطان الأجنبي الأوربي يقهرهم مرة بالإستعمار والحكم المباشر لهم ، ويقهرهم مرة أخرى بالتفوق في الحضارة المادية والمعنوية جميعا ويضطرهم الى أن يتعلموا اللغات الأوربية إرضاءً لحكامهم من الأوربيين والتماساً لما في هذه اللغات من علم وأدب وفلسفة وفن . وكان هذا كله جديراً أن يمحق اللغة العربية محقاً ويذهب شخصية الشعوب العربية ، ولكن القرآن عصم هذه اللغة من الضياع وحال بين الخطوب الجسام وبين التأثير فيها " .

الدرس المهم الذي يجب أن يأخذه كل أديب أو خطيب او كاتب .. أن لا تأخذ منه اللغة اهتماماً على حساب المحتوى والأهداف والأخلاق والمبادىء الإنسانية والشرعية .. فهي بالتالي علم آلي لا غائي ..




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=186952
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2023 / 09 / 29
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 3