عن هجرة العباس يقول المحقق السيد محمد مهدي الخرسان في كتابه موسوعة عبد الله بن عبّاس: قال الرسول صلىالله عليه وآله وسلم: (لا نصرتُ إن لم أنصر بني كعب) يعني خزاعة وأحلّ الله له نقض ما كان بينه وبين قريش ، حيث بدأوا بالنكث، "فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ" (الفتح 10). ويخرج صلى الله عليه وآله وسلم لنصرة خزاعة، ومعه المسلمون وعدتهم يومئذ عشرة آلاف. ولمّا وصل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ومعه المسلمون إلى السقيا قرية من أعمال الفرع أو الجحفة على بعد تسعة عشر ميلاً من السقيا وعلى ثلاث مراحل من مكة أو ذي الحليفة على خمسة أميال من المدينة التقى فيما يقول أصحاب السيرة عمه العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه وقد جاء مهاجراً بأهله ورحله إلى المدينة دار الهجرة والإيمان.
وعن شواهد ومشاهد يذكر آية الله السيد محمد مهدي الخرسان في كتابه: أخرج البخاري عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى "لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ" (القيامة 16) قال: (كان النبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم يعالج من التنزيل شدة وكان يحرّك شفتيه، فقال لي ابن عباس: أحرّكهما لك كما كان رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم يحرّكهما فقال سعيد: أنا أحرّكهما كما كان ابن عباس يحرّكهما، قال ابن عباس فكان رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم إذا أتاه جبريل عليه السلام أستَمَع فاذا أنطلق جبريل قرأه النبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم كما أقرأه). أخرج الطبراني في معجمه بسنده عن ابن عباس قال: (كنا في حلقة في المسجد نتذاكر فضائل الأنبياء أيّهم أفضل ؟ فذكرنا نوحاً وطول عبادته ربّه، وذكرنا إبراهيم خليل الرحمن، وذكرنا موسى كليم الله، وذكرنا عيسى بن مريم، وذكرنا رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم، فبينما نحن كذلك إذ خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم فقال: (ما تذاكرون بينكم ؟) قلنا: يا رسول الله تذاكرنا فضائل الأنبياء وأيّهم أفضل؟ ذكرنا نوحاً وطول عبادته، وذكرنا إبراهيم خليل الرحمن، وذكرنا موسى كليم الله، وذكرنا عيسى بن مريم، وذكرناك يا رسول الله قال: (فمن فضلتم ؟) قلنا: فضّلناك يا رسول الله، بعثك الله إلى الناس كافة، وغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخّر، وأنت خاتم الأنبياء فقال رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم: (أمّا أنّه لا ينبغي لأحد أن يقول انا خير من يحيى وزكريا) قلنا: يا رسول الله ومن أين ذاك؟ قال: (أما سمعتم الله كيف وصفه في القرآن؟ فقال: "يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا" (مريم 12) فقرأ حتى بلغ "وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ" (ال عمران 39) لم يعمل سيئة قط ولم يهمّ بها).
ويستطرد السيد الخرسان رحمه الله عن شواهد ومشاهد في كتابه: أخرج الطبراني في معجمه بسنده عن ابن عباس قال: (أهدى رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم إلى أبي بكَارة فاستصغرها، ثمّ قال لي: انطلق بها إلى رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم يا بنيّ فقل: إنّا قوم نعمل فإن كان عندك أسنّ منها فابعث بها إلينا ، فأتيت بها فقال: (ابن عمي وجهها إلى أبل الصدقة). ثمّ أتيته في المسجد فصليت معه العشاء فقال : (ما تريد أن تبيت عند خالتك الليلة قد أمسيت) فوافقت ليلتها من رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم ، فأتيتها فعشتني ووطأت لي عباءة بأربعة فافترشنيْها ، فقلت لأعلمنّ ما يعمل النبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم، فدخل رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم فقال: (يا ميمونة) قالت: لبّيك يا رسول الله قال: (أفلا عشّيتيه إن كان عندك شيء ؟) قالت: قد فعلت، قال: (فوطئتِ له ؟) قالت: نعم، فمال إلى فراشه فلم يضطجع عليه، وأضطجع حوله ووضع رأسه على الفراش، فمكث ساعة، فسمعته قد نفخ في النوم، فقلت نام وليس بالمستيقظ وليس بقائم الليلة، ثمّ قام حيث قلت ذهب الربع، الثلث من الليل، فأتى سواكاً له ومطهرة، فأستاك حتى سمعت صرير ثناياه تحت السواك وهو يتلو هذه الآيات "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ" (البقرة 164)، ثمّ وضع السواك ثمّ قام إلى قربة فحلّ شناقها، فأردت أن أقوم فأصبّ عليه، فخشيت أن يذر شيئاً من عمله ، فلمّا توضأ دخل مسجده فصلّى أربع ركعات ، فقرأ في كلّ ركعة مقدار خمسين آية ، يطيل فيها الركوع والسجود، ثمّ جاء إلى مكانه الّذي كان عليه ، فاضطجع هوياً فنفخ وهو نائم فقلت ليس بقائم الليلة حتى يصبح فلمّا ذهب ثلثا الليل أو نصفه أو قدر ذلك، قام فصنع مثل ذلك، ثمّ دخل مسجده فصلّى أربع ركعات على قدر ذلك، ثمّ جاء إلى مضجعه فأتكّأ عليه فنفخ ـ فقلت ذهب به النوم ليس بقائم حتى يصبح ثمّ قام حين بقي سدس الليل أو أقل فاستاك ثمّ توضأ ثمّ دخل مسجده فكبّر فأفتتح بفاتحة الكتاب ثمّ قرأ "سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى" ثمّ ركع وسجد، ثمّ قام فقرأ بفاتحة الكتاب و "قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ" ثمّ ركع وسجد، ثمّ قام فقرأ بفاتحة الكتاب و "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ" ثمّ قنت فركع وسجد، فلمّا فرغ قعد حتى إذا ما طلع الفجر ناداني قلت : لبيك يا رسول الله قال: (قم) فوالله ما كنت بنائم فقمت فتوضأت وصليت خلفه فقرأ بفاتحة الكتاب و "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ" ثمّ ركع وسجد ، ثمّ قام في الثانية فقرأ بفاتحة الكتاب و "قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ"، فلمّا سلّم سمعته يقول: (اللّهم أجعل في قلبي نوراً وفي سمعي نوراً وفي بصري نوراً ومن بين يدي نوراً، ومن خلفي نوراً وعن يميني نوراً وعن شمالي نوراً ومن فوقي نوراً ومن تحتي نوراً وأعظم لي نوراً يا رب العالمين)).
وعن هل رؤية المَلَك تسبب العمى؟ يقول آية الله السيد محمد حسين الخرسان: لابدّ لنا قبل الإجابة على ذلك من الجواب على سؤال يفرض نفسه قبل ذلك وهو هل يمكن للناس ـ عدا الأنبياء رؤية الملائكة؟ ومن ثَمَّ إذا أمكن ذلك يأتي الجواب على السؤال المذكور هل الرؤية تسببُ العمى؟ أمّا الجواب على السؤال الأوّل فلا شك بأنّ الرؤية غير ممتنعة بل ممكنة بل وحاصلة الوقوع، وقد ورد في: القرآن المجيد ما يؤكد ذلك كما في قصة مريم عليهاالسلام وذلك قوله تعالى: "فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا" (مريم 17-19). وكذلك في حديث ضيف إبراهيم المكرمين وقولهم لزوجته "قَالُوا كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ" (الذاريات 30). وأوضح من ذلك ما جاء في سورة هود حيث قال تعالى "وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ * فَلَمَّا رَأَىٰ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ * وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَٰذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ" (هود 69-73). فإمرأة إبراهيم سارة رأت الملائكة وضحكت وقالت لهم وقالوا لها، فرؤية الملائكة والحديث معهم أمر ممكن وواقع، كما أنّه ليس مختصاً بالأنبياء وأهل الأنبياء كما قد يتوهم. فإن الملائكة الّذين رأتهم سارة زوجة إبراهيم وسمعت كلامهم فقالت لهم وقالوا لها. هم الّذين رأوهم قوم لوط "وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ" (هود 78). إلى آخر ما ورد في القرآن في ذلك.
|