الفتى
الفتى هو الشابُ... قال القتيبي: ليس الفَتى بمعنى الشابّ والحَدَث، إنّما هو بمعنى الكاملِ الجَزْلِ من الرجال.
وقد جاءَ وصفُ (الفتى) لشخصيّاتٍ ثلاثة:
الشخصية الأولى: الإمام المهدي (عجل الله (تعالى) فرجه).
إحدى الصفاتِ التي وُصِفَ بها الإمامُ المهدي (عليه السلام) في بعضِ الرواياتِ العامّيَّة هي صفة الفتى، من قبيل ما رويَ عن ابن عمر، قال: كانَ رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) جالسًا في نفرٍ من المهاجرين والأنصار وعليُّ بن أبي طالب عن يسارِه والعبَّاسُ عن يمينه، إذ تلاقى العبَّاسُ ورجلٌ من الأنصار، فأغلظَ الأنصاري للعبَّاس، [فـ]أخذَ رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) بيدِ العبَّاس ويدِ عليٍّ، فقال: «سيخرجُ من صلبِ هذا فتىٰ يملأ الأرضَ جورًا وظلمًا، وسيخرجُ من هذا فتىٰ يملأ الأرضَ قسطًا وعدلًا، فإذا رأيتم ذلك فعليكم بالفتى التميمي فإنَّه يُقبِلُ من قِبَل المشرق، وهو صاحبُ راية المهدي» .
وهذه الروايةُ أطلقتِ (الفتىٰ) أيضًا علىٰ التميمي، وسيأتي توضيحه.
وعن ابن عبَّاس قال: (لا تمضي الأيَّامُ والليالي حتَّى يليَ منَّا أهلِ البيت فتىٰ لم تلبسْه الفتنُ ولم يلبسها»، قال: قلنا: يا أبا العبَّاس، تعجزُ عنها مشيختكم وينالُها شبابكم، قال: (هو أمرُ اللهِ يؤتيه من يشاء) .
ولعلَّ مقصودَ ابن عباس من (أهلِ البيت) ما يعمُّ عمومته، على أنَّ الفتى هو المهديُ بلا شك.
وبغضِّ النظرِ عن سندِ هذه الروايات، فإنَّ خروجَ الإمامِ المهدي (عليه السلام) شابًّا، هو ما وردَ في رواياتِنا أيضًا، فقد رويَ عن أبي الصلت الهروي، قالَ: قلتُ للرضا (عليه السلام): ما علاماتُ القائمِ منكم إذا خرج؟ قال: «عَلَامَتُهُ أَنْ يَكُونَ شَيْخَ اَلسِّنِّ شَابَّ اَلمَنْظَرِ حَتَّىٰ إِنَّ اَلنَّاظِرَ إِلَيْهِ لَيَحْسَبُهُ اِبْنَ أَرْبَعِينَ سَنَةً أَوْ دُونَهَا، وَإِنَّ مِنْ عَلَامَاتِهِ أَنْ لَا يَهْرَمَ بِمُرُورِ اَلْأَيَّامِ وَاَللَّيَالِي حَتَّىٰ يَأْتِيَهُ أَجَلُهُ» .
ولذا، فمن فِتَنِ وامتحاناتِ الظهور هو خروجُه الإمام (عليه السلام) شابًّا وهم يظنُّونه شيخًا كبيرًا، فقد رويَ عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه قال: «لَوْ قَدْ قَامَ اَلْقَائِمُ لَأَنْكَرَهُ اَلنَّاسُ، لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ شَابًّا مُوفِقًا لَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ إِلَّا مَنْ قَدْ أَخَذَ اَللهُ مِيثَاقَهُ فِي اَلذَّرِّ اَلْأَوَّلِ»، وفي غيرِ هذه الرواية أنَّه قالَ (عليه السلام): «وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ اَلْبَلِيَّةِ أَنْ يَخْرُجَ إِلَيْهِمْ صَاحِبُهُمْ شَابًّا وَهُمْ يَحْسَبُونَهُ شَيْخًا كَبِيرًا»( ).
الشخصية الثانية: شعيب بن صالح:
نُقِلَ في وصفِ بعضِ أصحابِ الإمام المهدي (عليه السلام)أنَّ منهم: «صاحب رايته الفتىٰ التميمي الذي يقبل من المشرق» .
والظاهرُ أنَّ المقصودَ منه (شعيب بن صالح) الذي رويَ أنَّه يكونُ بين يدي الخُراساني، إذ رويَ عن أبي جعفر (عليه السلام): «يخرجُ شابٌّ من بني هاشم بكفِّه اليُمنىٰ خالٌ، من خراسان براياتٍ سودٍ بين يديه شعيب بن صالح، يُقاتِلُ أصحابَ السفياني فيهزمهم» .
وأوضحُ منه في الدلالةِ علىٰ أنَّ المقصودَ بصاحبِ رايةِ الإمامِ المهدي الفتىٰ التميمي ما رويَ عن عمَّار بن ياسر أنَّه قالَ في رواية: (... ثمّ يخرجُ المهدي علىٰ لوائه شُعيب بن صالح...) .
وكونُ شعيب بن صالح من تميم جاءَ في الروايةِ عن أبي عبد الله (عليه السلام) في سياقِ ذكرِ دعوةِالفتىٰ الصبيح لآلِ محمّد، وكيفَ أنَّ كنوزَ اللهِ بالطالقان تُجيبه، فقال (عليه السلام): «ثمّ يخرجُ الفتىٰ الحسني الصبيحُ من نحوِ الديلم، فيصيحُ بصوتٍ له: يا آلَ محمّدٍ أجيبوا الملهوفَ والمناديَ من حولِ الضريح، فتُجيبُه كنوزُ الله بالطالقان، كنوزٌ لا من ذهبٍ ولا من فضَّة، بل رجالٌ كزُبُرِ الحديد، لكأنِّي أنظرُ إليهم على البراذين الشُّهُب بأيديهم الحرابُ، يتعاوون شوقًا إلىٰ الحربِ كما تتعاوىٰ الذئاب، أميرُهم رجلٌ من تميم يُقالُ له: شعيب بن صالح» .
هذا، ولكن جاءَ في روايةٍ عامّيَّةٍ أنَّه مولىٰ لتميم، فقد روى نعيمُ بن حمَّاد، قال: (حدَّثنا عبدُ الله بن إسماعيل البصري، عن أبيه، عن الحسن، قال: يخرجُ بالريِّ رجلٌ ربعةٌ أسمرُ مولىٰ لبني تميم، كوسج، يُقالُ له: شعيبُ بن صالح، في أربعةِ آلاف، ثيابُهم بيضً، وراياتُهم سود، يكونُ مقدّمة المهدي، لا يلقاه أحدٌ إلَّا فلَّه) .
الشخصية الثالثة: النفس الزكية:
بعدَ أنْ يلجأَ المهديُّ (عليه السلام) إلىٰ مكّة، ويُخسَفَ بجيشِ السفياني، يُقبِلُ أصحابُ المهدي (عليه السلام) عليه ويقترحون أنْ يُعلِنَ ظهورَه ويبدأ بحركتِه المُباركة في مكّة، فيُجيبُهم بأنَّ أهلَ مكّة لا ينصـرونه، ولكن من بابِ إلقاءِ الحُجَّة، ورجاءَ هدايتِهم أو هدايةِ بعضِهم، فإنَّه يُرسِلُ بعضَ المؤمنين من خاصَّته -وهو الذي سمَّتْه الرواياتُ بالنفسِ الزكيَّة- ليدعوهم إلىٰ نُصـرته، فيطيع أمره، ويذهبُ إلىٰ مكّة، وعند بيتِ اللهِ الحرامِ يخطبُ بهم ويدعوهم لنُصـرةِ المهدي (عليه السلام)، ولكن أهلَ مكّة يقتلونه في حرمِ اللهِ الآمن، ليقترفوا بذلك أنواعًا من المعاصي في آنٍ واحد...
فقد رويَ عن أبي جعفر (عليه السلام) أنَّه قال: «يَقُولُ اَلْقَائِمُ (عليه السلام) لِأَصْحَابِهِ: يَا قَوْمِ، إِنَّ أَهْلَ مَكَّةَ لَا يُرِيدُونَنِي، وَلَكِنِّي مُرْسِلٌ إِلَيْهِمْ لِأَحْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِمَا يَنْبَغِي لِمِثْلِي أَنْ يَحْتَجَّ عَلَيْهِمْ. فَيَدْعُو رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ فَيَقُولُ لَهُ: اِمْضِ إِلَىٰأَهْلِ مَكَّةَ، فَقُلْ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ، أَنَا رَسُولُ فُلَانٍ إِلَيْكُمْ، وَهُوَ يَقُولُ لَكُمْ: إِنَّا أَهْلُ بَيْتِ اَلرَّحْمَةِ، وَمَعْدِنُ اَلرِّسَالَةِ وَاَلْخِلَافَةِ، وَنَحْنُ ذُرِّيَّةُ مُحَمَّدٍ، وَسُلَالَةُ اَلنَّبِيِّينَ، وَإِنَّا قَدْ ظُلِمْنَا وَاُضْطُهِدْنَا وَقُهِرْنَا وَاُبْتُزَّ مِنَّا حَقُّنَا مُنْذُ قُبِضَ نَبِيُّنَا إِلَىٰ يَوْمِنَا هَذَا، فَنَحْنُ نَسْتَنْصِرُكُمْ فَانْصُرُونَا. فَإِذَا تَكَلَّمَ هَذَا اَلْفَتَىٰ بِهَذَا اَلْكَلَامِ أَتَوْا إِلَيْهِ فَذَبَحُوهُ بَيْنَ اَلرُّكْنِ وَاَلمَقَامِ، وَهِيَ اَلنَّفْسُ اَلزَّكِيَّةُ...» .
|