عندما تأسست جامعة الدول العربية في 22/03/1945، كانت شعوبها ترزح تحت الاستعمار الغربي، ولم يكن يعني ذلك لها شيئا، ومن بلغها ذلك التأسيس استبشرت به وأمّلت فيه، أن تكون منطلقا لتأسيس صرح وحدويّ طالما تمنّته، وأن يتحقّق مشروعها كمنظمة دولية، يكون لها شأن وموقف يَعْتدّ به كل عربي، ولكنه بمرور الزمن سقطت جميع الآمال المعلقة عليها تباعا، حتى لم يعد هناك أمل واحد بقي قائما، في نظر هذه الشعوب، ومن موقف سيء إلى أسوأ، ظهرت الجامعة سلبية، كلما جدّت أزمة داخلها، بين هذا الطرف أو ذاك من أعضائها، وتبيّن أنّها بمرور الزمن وتعاقب السنين، ما قدّمت مشروعا أو عبّرت عن موقف تجاه قضيّة تخصّ العرب وخصوصا قضية فلسطين، إلّا إذا كان مُفْرغا من الفعل والتأثير، مجرّد كلام فيه تنديد أو استنكار أو استهجان، لا أثر يتركه وراءه، ما دعا العديد من المتابعين العرب لهذه الجامعة للتساؤل، هل هذه جامعة دول عربية أم جامعة دول عبريّة؟
وعندما نستعرض تاريخ هذه الجامعة منذ فكرة انشائها، النابعة من بريطانيا، رأس البلاوى المصبوبة على رأس العرب والمسلمين منذ أن احتلت أرضهم، حيث مهّد لها وزير الخارجية البريطاني (أنتوني أيدن) في 29/05/1941 بقوله: (إن العالم العربي قد خطا خطوات عظيمة منذ التسوية التي تمت عقب الحرب العالمية الماضية، ويرجو كثير من مفكري العرب للشعوب العربية درجة من درجات الوحدة، أكبر مما تتمتع به الآن، وإن العرب يتطلعون لنيل تأييدنا في مساعيهم نحو هذا الهدف، ولا ينبغي أن نغفل الردّ على هذا الطلب من جانب أصدقائنا، ويبدو انه من الطبيعي ومن الحق وجود تقوية الروابط الثقافية والاقتصادية بين البلاد العربية، وكذلك الروابط السياسية أيضا .. وحكومة جلالته سوف تبذل تأييدها التام، لأي خطة تلقى موافقة عامة. بعد ذلك بسنتين تقريبا، صرح الوزير البريطاني نفسه في مجلس العموم البريطاني، بأن الحكومة البريطانية تنظر بعين العطف، إلى كل حركة بين العرب، ترمي إلى تحقيق وحدتهم الاقتصادية والثقافية والسياسية)(1)
فجامعة نشأت بفكرة بريطانية، لا يمكنها أن تحمل آمال وطموحات الشعوب العربية، خصوصا إذا نظرنا إلى ما تمثّله بريطانيا حينها، وهي صاحبة مشروع التوطين الصهيوني، ونشأة كيان إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، وفكرتها المسمومة التي بثتها عبر المفكرين التغريبيين العرب، الواقعين تحت تأثير الثقافة الغربية، هدفها الأوّل صرف العرب عن دينهم الإسلامي، كمنطلق لأي وحدة تتحقق شروطها، والزج بهم في نواة عرقيّة، ثبت أنّها نواة عقيمة، بل وعميلة أيضا، لا يصدر منها أبدا ما من شأنه أن يقلق أو يزعج الغرب، بل ثبت أن صدر منها ما يزعج العرب والمسلمين.
لذلك فإن الشعوب العربية قد نفضت أيديها من هذه الجامعة باكرا، ولم يعد لهم فيها ثقة تماما، ولا يعتبرونها تمثل شيئا عندهم، وهي بما أبدته من مواقف خادمة لمشاريع الغرب الصهيوني في منطقتنا، وهي شريكة في التفريط لحقوق الشعب الفلسطيني، واسقاطها بمشروع حلّ الدولتين، كيان الجامعة لم يكن نابعا من الشعوب العربية، فكيف يرجى منه خير هو بذلك التأسيس المفضوح؟
سوف لن نستعرض مخازي هذه الجامعة فهي كثيرة، ولا مجال لذكرها هنا، ومن تعوّد على الركوع للغرب والخضوع له، خشية انقطاع مننه المشبوهة، على أتباعه من العملاء العرب، لا يمكنه أنه يصدِر بيان حقّ بشأن ما حصل ويحصل في فلسطين، خصوصا اعمال التدمير والإبادة والتهجير التي تمارسها القوات الصهيونية، وهي جرائم حرب مخالفة للقوانين الدولية.
ما نحن بصدده اليوم هو البيان الختامي الذي أصدرته الجامعة البائسة، والذي عبرت عن تحفظها عليه الجزائر وسوريا والعراق وليبيا (2) وقد التحقت تونس بالدول المتحفظة على البيان، باعتراض رئيسها على مضامين البيان التي ساوت بين المعتدى عليه وهو الشعب الفلسطيني والمعتدي وهو الكيان الغاصب كما جاء من (إدانة قتل المدنيين من الجانبين واستهدافهم) وقد أصر الوفد الجزائري، برئاسة وزير الخارجية (أحمد عطاف)، على أن يتضمن القرار الذي انتهى إليه الاجتماع الوزاري للجامعة، تحفظات الجزائر حول بعض الفقرات التي قال إنها "تساوي بين حق المقاومة الفلسطينية والممارسات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين".وأكد القرار أن "الوفد الجزائري ينأى بنفسه عن كل ما يساوي بين حق الشعب الفلسطيني غير القابل التصرف في تقرير مصيره، لإقامة دولة ذات سيادة على حدود 1967، مع ممارسات الكيان الصهيوني التي تنتهك المواثيق وقرارات الشرعية الدولية (3) يبدو أن هذه الجامعة بكامل موظفيها وخبرائها، تجهل ان المدنيين في الكيان الصهيوني هم في حقيقتهم جنود احتياط، سواء كانوا رجالا او نساء، فكيف صنفهم بيان الجامعة مدنيين وتطالب بإطلاق سراحهم، وفي السجون الصهيونية آلاف المعتقلين الفلسطينيين تعسفيا ؟
لقد انتهى منطق منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الوحيد الشرعي للشعب الفلسطيني، والاستفراد بالقرار الفلسطيني من دون بقية الأطراف الفلسطينية المقاومة على وجه أخص، كما أصبحت السلطة الفلسطينية عبئا وعقبة في طريق المقاومين الفلسطينيين، وهي في وضعها الحالي أبعد ما تكون عن مطالب الشعب وطموحاته، وهاتان التسميتان دخلتا تاريخ فلسطين، الملوث بالخيانة للقضية العادلة، وشعبها المقاوم ببسالة، من أجل استعادة كامل حقوقه.
كان من واجب هذه الجامعة ودولها أن تسقط من حساباتها مسارات التسوية السلمية، فهي خيانة وسرقة موصوفة لحقوق الشعب الفلسطيني، والدعوة إليها مجددا ومحاولة إحيائها، هي مشاركة في تثبيت الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، ولا يختلف مسار التطبيع عن مسار التسوية السلمية، في مدّ عمر الاستيطان وتوسع كيانه، وهذا ما لا يرضاه أحرار فلسطين والعالم، وسوف نرى قادما لمن ترجح كفة الحق؟ فما ضاع حق وراءه طالب.
المراجع
1 – جامعة الدول العربية
جامعة الدول العربية - ويكيبيديا (wikipedia.org)
2 – تحفظات على بيان وزراء الخارجية العرب بشأن التطورات في فلسطين
تحفظات على بيان وزراء الخارجية العرب بشأن التطورات في فلسطين (alaraby.co.uk)
3 – البيان الختامي للاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب بشأن الحصار على غزة |فيديو
البيان الختامي للاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب بشأن الحصار على غزة |فيديو (elbalad.news)
|