• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : نقاش هادئ في أجواء ساخنة .
                          • الكاتب : رائد عبد الحسين السوداني .

نقاش هادئ في أجواء ساخنة

 يمر العراق ومنذ ما يقرب الشهرين بأزمة بين الأطراف المؤلفة للحكومة والبرلمان وصلت حد القطيعة بين القيادات ،وقد انقسموا إلى فريقين ،فريق يطالب بإزاحة رئيس مجلس الوزراء السيد نوري المالكي عن منصبه،وفريق آخر يعد هذا الطلب بأنه يدخل البلد في متاهات ويذهب به إلى المجهول .
تتمثل المعطيات التي يملكها المطالبون بسحب الثقة عن السيد المالكي بأنه التفرد بالسلطة ،ومنها النقص في الخدمات التي رفعها التيار الصدري بشخص زعيمه السيد مقتدى الصدر إلى أربيل أواخر نيسان من العام الحالي أثناء زيارته لهذه المدينة واجتماعه بالقيادة الكردية ،وبعد ذلك في الاجتماع الخماسي الذي ضم فضلا عن السيد الصدر والسيد مسعود البارزاني ،زعيم القائمة العراقية ،ورئيس مجلس النواب ،وكذلك رئيس الجمهورية . 
تمخض عن هذا الاجتماع موقف صيغ بصورة رسالة من (9) نقاط أرسلت عن طريق زعيم التيار إلى التحالف الوطني لم تلق الترحاب المطلوب بنظر  الموقعين مما جعلهم يجتمعون مرة أخرى في النجف الأشرف لتأكيد المطالب السابقة .
أما فريق رئيس الوزراء والذي ضم هذه المرة الفريق الذي عارض أن يشكل الحكومة للمرة الثانية (المجلس الأعلى) وقد كان هذا الموقف أحد أسباب انفصال منظمة بدر عن قيادة المجلس الأعلى بزعامة السيد عمار الحكيم ،كما إن المجلس الأعلى وجه انتقادا لموقف الصدريين بالموافقة على تشكيل المالكي للحكومة وعدوه خروجا عن الموقف الموحد للإئتلاف العراقي .
أدير الصراع على عدة خطوط من قبل فريق رئيس الوزراء،الأول كان خطابا موجها نحو الجميع بأن طلباتهم غير دستورية ،وعليهم الاحتكام للدستور ،وأيضا على الجميع التوجه نحو المؤتمر الوطني وكل طرف يكشف ملفاته أمام الملأ ليتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود،وفي خطوة لها عدة دلالات سارع رئيس الوزراء إلى موافقة فورية إلى ما طرحه رئيس الجمهورية من نقاط تخص الأزمة .
الثاني :وكان هذا الأمر يدور بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ،فإن رئيس الجمهورية ومن خلال ما أظهره من ممارسات تتعلق بهذا الأمر لا يرغب أن يكون لرئيس الإقليم صفة المنتصر أو صفة صانع الملوك ومزيحهم لو صح التعبير ،وبالتالي يسيطر أكثر على الساحة الكردية والتي أقل ما يقال عنها إن نارا تحت الرماد في أرضها السياسية .وقد بدر من رئيس الجمهورية أن طلب من السيد البارزاني تواقيع العدد المطلوب من النواب لسحب الثقة (64) وليس تواقيع رؤساء الكتل ،وهذا بطبيعة أمر غير دستوري بالمرة فآلية سحب الثقة المتعلقة برئيس الجمهورية لا تتعلق بالنواب ،وإنما تتوفر قناعات ومعطيات لديه يطلب على إثرها من البرلمان سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء التي تتطلب موافقة هذا العدد عند التصويت ،أما رئيس الوزراء وفريقه فقد شككوا بتواقيع النواب وطلبوا وعلى لسان السيد المالكي تحويل التواقيع إلى الأدلة الجنائية لتظهر صحتها من عدمها ،وهذه فكرة أو طلب يحمل معان خطيرة تتمثل بالتشكيك في مجمل قرارات وتشريعات مجلس النواب فإذا كان التشكيك في خطوة واحدة فالأمر ينسحب على كل الخطوات والأعمال أو أغلبها حتما ،والأخطر من ذلك لم يتوقف أي من النواب أو الكتل أمام خطورة هذه الفكرة في زحمة التجاذبات بل توقفوا أمام إثبات صحة التواقيع وكان من المفروض على رئيس الجمهورية كحارس للدستور أن لا يطلب جمع تواقيع وعلى رئيس الوزراء كمنفذ أول عدم التوقف أمام هذا الطلب والذي لا يوجد في الدستور،بل كان على الكتل والنواب أن يرفضوا هذا الطلب الرئاسي ويمارسوا دور الإقناع ،وأن يطرحوا الحجة بالحجة أمام رئيس الجمهورية لتتكامل عنده القناعة التامة لطلب سحب الثقة ،لكن وبما إن أغلب النواب لا يعون ماهية المسؤولية الملقاة على عاتقهم ولأنهم مسيرون أمام زعمائهم حتى وإن كانت خلاف قناعاتهم بل أكثرهم مغيبون عن ساحة الحدث من قبل كتلهم ،لم يعترضوا على هذا الطلب ،والأدهى من ذلك إن رئيس مجلس الوزراء أعلن إن تزوير التواقيع لن يمر دون الوقوف عنده في إشارة لتحويل الأمر إلى القضاء،وأكرر القول بما إن الأمر غير مطلوب دستوريا فلم الوقوف عنده طويلا من قبل الرئاسة ورئاسة الوزراء،وقبول النواب به ،أما الخط الآخر الذي سار عليه فريق رئيس الوزراء تمثل بهجوم استباقي إعلامي ضخوا فيه مبدأ تخوف الكتل من عملية استجواب السيد المالكي لتوفر ملفات يمتلكها تدين وتفضح المطالبين بسحب الثقة ،والسؤال إذا كانت هناك ملفات فلم لم يفتحها وواجبه أن يفتحها سواء طالبوا بسحب الثقة أم لا أو طلبوه للاستجواب من عدمه ،أم هي المساومات التي تتطلبها مقتضيات البقاء في الحكم ،وهناك سؤال إذا كان فريق رئيس الوزراء يدعي إن الآخرين يخشون الاستجواب فلماذا هو وفريقه يتخوفون من جلسة سحب الثقة طالما كانت دستورية ،ومرة أخرى أؤكد عليه بفتح الملفات لو كانت متوفرة لديه .
الأمر الآخر وهو الأخطر في نظري تمثل في إبراز المواجهة بين التيار الصدري وبين التحالف الوطني (الشيعي) وليس دولة القانون وأظهر فريق رئيس الوزراء وقد أدى عمله بذكاء مذكيا روح الاصطفاف الطائفي وإن التيار الصدري قد شق صفوف التشيع واصطف مع أعداء الشيعة وانتقل هذا الجدل إلى الشارع الشيعي وهنا الخطورة بطبيعة الحال كما إن أطراف الفريق المقابل (العراقية والكردستاني) هم أيضا أبرزوا الصراع وبصورة رئيسية بين التيار الصدري وفريق السيد المالكي ،وقد عابوا على التيار جلوسه بين السيد البارزاني والدكتور أياد علاوي.أعتقد إن هذا لم يظهر اعتباطا بل أنا أقرأ بأن هذا مقدمة لتصفية التيار الصدري من خلال الصدام بينه وبين أجهزة السلطة بقيادة السيد المالكي من خلال التجاذب الشعبي ومن خلال ملفات قضائية مدفونة وبالتالي ضربه سياسيا وهذا مطلب أمريكي بطبيعة الحال كُشف عنه بعد الانسحاب الأمريكي من العراق ،وأؤكد مرة أخرى إن الصدام حتمي في الشارع الشيعي مهما رُحلت المشاكل  لوقت آخر كما إن الصدام حتمي بين طرفي التحالف الكردستاني مهما طال أمد التحالف الستراتيجي بينهما وهذا ما بينته في مقال سابق بعنوان أربيل ما قبلها وما بعدها .
وتساءل فريق السيد رئيس الوزراء لماذا الاجتماعات في أربيل والنجف وليس في بغداد ،علما إن السيد المالكي هو الركن الثالث  من اتفاقية أربيل التي شُكلت الحكومة بضوئها مع السيد أياد علاوي والسيد مسعود البارزاني وقد تمت الموافقة  فيها على مجلس السياسات الستراتيجي على أن يرئسه الدكتور علاوي ،وهنا سؤال لماذا قبل السيد المالكي على مبادرة البارزاني واجتمع في أربيل وبالتالي تحولت أربيل والبارزاني إلى مرجعية تناسى بموجبها الفرقاء الدستور،علما إن المجلس الأعلى بشخص زعيمه نادى مرارا بعقد اجتماع طاولة مستديرة للأطراف جميعا لكن دون إجابة،وإذا كان يعيب على الآخرين اجتماعاتهم في محافظات غير بغداد لماذا يذهب بوزرائه إلى المحافظات لحل مشاكلها وهل حل المشاكل إلا الذهاب إلى المحافظات وتعطى المكرمات للمحافظات التي يزورها مجلس الوزراء ،أفلم يوجد أعضاء مجلس نواب يعطون الحكومة بيانات  عن نقص الخدمات ومجالس محافظات ومحافظين يمثلون الكتل السياسية ،لاسيما كتلة رئيس مجلس الوزراء ، علما إن من حق وواجب رئيس الوزراء زيارة كافة مناطق العراق كما من حق الأطراف الاجتماع في أي مكان من أرض العراق ،ولماذا لا تعقد الاجتماعات في أربيل مثلا أو تعقد المهرجانات فيها لتؤكد عراقيتها ولتقوية أواصر اللحمة بينها وبين باقي محافظات وفعاليات المجتمع العراقي ،قضية أخرى بينتها الأزمة المتعلقة بسحب الثقة عن السيد المالكي هي تخطئة كل طرف بالمطلق للطرف الآخر والعكس هو الصحيح مما يوسع الهوة بينهم وهذا شيء خطير وخطيئة أن يعد طرف ما موقفه هو الصح المطلق والآخر على العكس من ذلك .
من الضروري في هذا المجال أن ينبري عقلاء الطرفين لإيجاد الأرضية المشتركة كي تخلق فرص الحل أكثر من مبررات العداء ،لكن يبدو من خلال ما ظهر من خلافات على السطح إنه لا مجال للعقلاء في الكتل وإن وجدوا فإنهم يعلنون انسحابهم من كتلتهم كي يوصلوا صوتهم وهو ضائع بطبيعة الحال في وسط الصخب الإعلامي المتأجج لاسيما من قبل نواب الأزمة من كلا الطرفين .وللحديث بقية .
  



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=18757
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 06 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29