• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : طوفان و طوافون و يطوفون في القرآن الكريم (ح 2) .
                          • الكاتب : د . فاضل حسن شريف .

طوفان و طوافون و يطوفون في القرآن الكريم (ح 2)

قال الله تعالى عن يطوف ومشتقاتها "إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ" ﴿البقرة 158﴾ يطوف فعل، يَطَّوَّفَ: يسعى بين الصفا والمروة، يطّوّف بهما: يدور بهما و يسعى بينهما، إن الصفا والمروة، وهما جبلان صغيران قرب الكعبة من جهة الشرق من معالم دين الله الظاهرة التي تعبَّد الله عباده بالسعي بينهما. فمَن قصد الكعبة حاجًّا أو معتمرًا، فلا إثم عليه ولا حرج في أن يسعى بينهما، بل يجب عليه ذلك، ومن فعل الطاعات طواعية من نفسه مخلصًا بها لله تعالى، فإن الله تعالى شاكر يثيب على القليل بالكثير، عليم بأعمال عباده فلا يضعها، ولا يبخس أحدًا مثقال ذرة، و "يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ" ﴿الواقعة 17﴾ يطوف عليهم لخدمتهم غلمان لا يهرمون ولا يموتون، بأقداح وأباريق وكأس من عين خمر جارية في الجنة، لا تُصَدَّعُ منها رؤوسهم، ولا تذهب بعقولهم، و "يُطَافُ عَلَيْهِم بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ" ﴿الصافات 45﴾ يطاف فعل، يدار عليهم في مجالسهم بكؤوس خمر من أنهار جارية، لا يخافون انقطاعها، بيضاء في لونها، لذيذة في شربها، ليس فيها أذى للجسم ولا للعقل، و "يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ ۖ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ۖ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" ﴿الزخرف 71﴾ يطاف فعل، يطاف على هؤلاء الذين آمنوا بالله ورسله في الجنة بالطعام في أوانٍ من ذهب، وبالشراب في أكواب من ذهب، وفيها لهم ما تشتهي أنفسهم وتلذه أعينهم، وهم ماكثون فيها أبدًا، و "وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ" ﴿الطور 24﴾ وَيَطُوفُ: وَ حرف عطف، يَطُوفُ فعل، ويطوف عليهم غلمان مُعَدُّون لخدمتهم، كأنهم في الصفاء والبياض والتناسق لؤلؤ مصون في أصدافه، و "يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ" ﴿الرحمن 44﴾ يَطُوفُونَ: يَطُوفُ فعل، ونَ ضمير، يقال لهؤلاء المجرمين -توبيخًا وتحقيرًا لهم-: هذه جهنم التي يكذِّب بها المجرمون في الدنيا: تارة يُعذَّبون في الجحيم، وتارة يُسقون من الحميم، وهو شراب بلغ منتهى الحرارة، يقطِّع الأمعاء والأحشاء، و "وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا" ﴿الانسان 15﴾ ويدور عليهم الخدم بأواني الطعام الفضيَّة، وأكواب الشراب من الزجاج، زجاج من فضة، قدَّرها السقاة على مقدار ما يشتهي الشاربون لا تزيد ولا تنقص، ويُسْقَى هؤلاء الأبرار في الجنة كأسًا مملوءة خمرًا مزجت بالزنجبيل، يشربون مِن عينٍ في الجنة تسمى سلسبيلا؛ لسلامة شرابها وسهولة مساغه وطيبه، و "وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا" ﴿الانسان 19﴾ ويدور على هؤلاء الأبرار لخدمتهم غلمان دائمون على حالهم، إذا أبصرتهم ظننتهم لحسنهم وصفاء ألوانهم وإشراق وجوههم اللؤلؤ المفرَّق المضيء، و "وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ ۚ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ" ﴿النور 58﴾ طوافون اسم، يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه مُروا عبيدكم وإماءكم، والأطفال الأحرار دون سن الاحتلام أن يستأذنوا عند الدخول عليكم في أوقات عوراتكم الثلاثة من قبل صلاة الفجر؛ لأنه وقت الخروج من ثياب النوم ولبس ثياب اليقظة، ووقت خلع الثياب للقيلولة في الظهيرة، ومن بعد صلاة العشاء؛ لأنه وقت للنوم، وهذه الأوقات الثلاثة عورات لكم، يقل فيها التستر، أما فيما سواها فلا حرج إذا دخلوا بغير إذن؛ لحاجتهم في الدخول عليكم، طوافون عليكم للخدمة، وكما بيَّن الله لكم أحكام الاستئذان يبيِّن لكم آياته وأحكامه وحججه وشرائع دينه، والله عليم بما يصلح خلقه، حكيم في تدبيره أمورهم.
وردت كلمة طوف ومشتقاتها: الطُّوفَانَ، لِلطَّائِفِينَ، يَطَّوَّفَ، الطُّوفَانَ، طَائِفٌ، وَلْيَطَّوَّفُوا، طَوَّافُونَ، يُطَافُ، وَيَطُوفُ، يَطُوفُونَ، فَطَافَ، وَيُطَافُ. جاء في کتاب تفسير غريب القرآن للمؤلف فخر الدين الطريحي النجفي: (طوف) "الطوفان" (العنكبوت 14) سيل عظيم، و "الطوفان" (الاعراف 132) الموت الذريع أي الكثير أيضا. قوله تعالى "شعائر الله" (البقرة 158) (الحج 32) (الحج 36) (المائدة 3)، و "لا تحلوا شعائر الله" (المائدة 3) أي ما جعله الله علما لطاعته كالمواقف، والطواف، والسعي، وغيرها. طاف يطيف طيفا فهو طائف، ويقال: طاف عليها هلاك أو بلاء في حال نومهم فأصبحت كالصريم، و "طائفتان منكم" (ال عمران 122) حيان من الأنصار: بنو سلمة من الخزرج، وبنو حارثة من الأوس، خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله ووعدهم الفتح إن صبروا، والطائفة من الشئ قطعة منه، قال تعالى: "وليشهد عذابهما طائفة" (النور 25) وعن ابن عباس: الواحد فما فوقه.
حين أعتمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه بعد صلح الحديبية بعام، كان قد رآهم كفار قريش يطوفون بالكعبة، فقالوا مستهزئين بالمسلمين: يطوفون اليوم بالكعبة قوم أنهكتهم حمى يثرب أي المدينة، فقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (رحم الله امرئ أراهم من نفسه قوة، واضطبع بردائه) أي أدخل الرداء من تحت إبطه الأيمن، بحيث يبدي منكبه وعضده الأيمن. الطواف حول الكعبة احد اركان الحج قال تعالى "ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ" (الحج 29). يستطيع الحاج بعد الطواف أن يستريح قبل السعي لأن الموالاة بين الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة سنة. اما الموالاة بين اشواط الطواف او بين اشواط السعي فهو شرط لا بد ان يوليه الحج أي عدم قطع الأشواط. والراجح أن المشي أفضل من الركوب خلال الأشواط وإن كان الركوب يجزئ. والسعي يكون بعد الطواف. وشوط السعي هو من الصفا إلى المروة ثم الشوط الاخر من المروة الى الصفا. قال الله تعالى "إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا" (البقرة 158). وإن كان رجلاً فيستحب له أن يسعى سعياً شديداً بين الميلين الأخضرين اي يمشي سريعا. قبل الإسلام كان العرب يقصدون البيت الحرام في موسم الحج و يقفون في عرفات ويجتمعون في منى ويسعون بين الصفا والمروة ويطوفون بالبيت الحرام، وبتعبير آخر: أنهم كانوا يؤدون مجمل الشعائر التي سميت بعد ذلك بشعائر الحج والتي أقرها الإسلام أيضا.
عن کتاب مجمع البيان في تفسير القرآن للشيخ الطبرسي: قوله تعالى "والذي نزل من السمآء مآء بقدر فأنشرنا به ى بلدة ميتا كذلك تخرجون" (الزخرف 11) "بقدر" بمقدار الحاجة ولم يكن طوفانا يضر بالبلاد والعباد. قوله تعالى "إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم" (البقرة 158) "الصفا والمروة" علمان للجبلين، والشعائر: جمع شعيرة وهي العلامة، أي:
هما من أعلام مناسكه ومتعبداته، والحج: القصد، والاعتمار: الزيارة، وهما في الشرع: قصد البيت وزيارته للنسكين المعروفين، وهما في المعاني كالنجم والبيت في الأعيان، و "يطوف" أصله: (يتطوف) فأدغم. "أن يطوف بهما"، وإنما قال: "فلا جناح عليه" والسعي بينهما واجب، لأنه كان على الصفا إساف وعلى المروة نائلة، وهما صنمان، يروى: أنهما كانا رجلا وامرأة زنيا في الكعبة فمسخا حجرين فوضعا عليهما ليعتبر بهما، فلما طالت المدة عبدا، وكان أهل الجاهلية إذا سعوا مسحوهما، فلما جاء الإسلام كره المسلمون الطواف بينهما لأجل فعل الجاهلية فرفع عنهم الجناح.
جاء في التفسير الوسيط لمحمد سيد طنطاوي: قوله: "فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما" (البقرة 158) و "يَطَّوَّفَ" أصلها يتطوف، فأبدلت التاء طاء، وأدغمت في الطاء فصارت "يطوف". والتطوف بالشيء كالطواف به، ومعناه: الإلمام بالشيء والمشي حوله. وقد فسر النبي صلّى الله عليه وسلّم الطواف بالنسبة للكعبة بالدوران حولها سبعة أشواط. وفسره بالنسبة للصفا والمروة بالسعي بينهما سبعة أشواط كذلك. قال تعالى: "وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ".(البقرة 125) والطائفين: جمع طائف من طاف يطوف طوفا وطوافا إذا دار حول الشيء والمراد بهم: المتقربون إلى الله بالطواف حول الكعبة. قوله تعالى "يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ" (الواقعة 17)) أى: يدور عليهم من أجل خدمتهم غلمان، شبابهم باق لا يتغير، وهيئتهم الجميلة على حالها لا تتبدل، فهم دائما على تلك الهيئة المنعوتة بالشباب والمنظر الحسن. قوله تعالى "بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ" (الواقعة 18) أى: يطوفون عليهم، بأكواب أى: بأقداح لا عرى لها، وأباريق، أى: وبأوان ذات عرا وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ أى: وبإناء مملوء بالخمر الكثير الجاري فقوله مَعِينٍ من المعن بمعنى الكثرة.
وعن تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: قوله تعالى "وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ" (ال عمران 69) الطائفة الجماعة من الناس، وكأن الأصل فيه أن الناس وخاصة العرب كانوا أولا يعيشون شعوباً وقبائل بدويين يطوفون صيفاً وشتائاً بماشيتهم في طلب الماء والكلاء، وكانوا يطوفون وهم جماعة تحذراً من الغيلة والغارة فكان يقال لهم جماعة طائفة، ثم اقتصر على ذكر الوصف (الطائفة) للدلالة على الجماعه. والطائفة في الأصل هي الجماعة كانوا يطوفون بالارتحال من مكان إلى مكان قيل : وربما تطلق على الاثنين وعلى الواحد. قوله سبحانه "طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ" (النور 58) أي هم كثير الطوف عليكم بعضكم يطوف على بعض للخدمة فالاستيذان كلما دخل حرج عادة فليكتفوا فيه بالعورات الثلاث.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=187585
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2023 / 10 / 19
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 3