قال الله تعالى عن أنصار الله "فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ" (ال عمران 52) أَنصَارِي: أَنصَارِ اسم، ى ضمير، الْحَوَارِيُّونَ: الْ اداة تعريف، حَوَارِيُّونَ اسم، الحَواريُّونَ: أصفياؤه و أنصاره، الحواريون: أصحاب النبي عيسى، وتلاميذه المخلصون، وأنصاره الذين قاموا يبشرون بدعوته من بعده، فلما استشعر عيسى منهم التصميم على الكفر نادى في أصحابه الخُلَّص: مَن يكون معي في نصرة دين الله؟ قال أصفياء عيسى: نحن أنصار دين الله والداعون إليه، صدَّقنا بالله واتبعناك، واشهد أنت يا عيسى بأنا مستسلمون لله بالتوحيد والطاعة، الحواريون كانوا مؤمنين بالله وكانوا مسلمين "وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ" (ال عمران 52) ان مفهوم الاسلام عند مفسرين مسلمين هو الاستسلام لله ورسله، و "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ الله" (الصف 14) يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، كونوا أنصارًا لدين الله، كما كان أصفياء عيسى أنصارًا لدين الله حين قال لهم عيسى: مَن يتولى منكم نصري وإعانتي فيما يُقرِّب إلى الله؟ قالوا: نحن أنصار دين الله، فاهتدت طائفة من بني إسرائيل، وضلَّت طائفة، فأيدنا الذين آمنوا بالله ورسوله، ونصرناهم على مَن عاداهم مِن فرق النصارى، فأصبحوا ظاهرين عليهم؛ وذلك ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم، من هنا جاءت تسمية أصحاب الديانة المسيحية بالنصارى.
في سورة الصف قال الله تعالى "فَآمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ" (الصف 14) طائفتان في بني اسرائيل مؤمنة واخرى كافرة ونصر الله الطائفة المؤمنة. يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، كونوا أنصارًا لدين الله، كما كان أصفياء عيسى أنصارًا لدين الله حين قال لهم عيسى: مَن يتولى منكم نصري وإعانتي فيما يُقرِّب إلى الله؟ قالوا: نحن أنصار دين الله، فاهتدت طائفة من بني إسرائيل، وضلَّت طائفة، فأيدنا الذين آمنوا بالله ورسوله، ونصرناهم على مَن عاداهم مِن فرق النصارى، فأصبحوا ظاهرين عليهم؛ وذلك ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم، من هنا جاءت تسمية أصحاب الديانة المسيحية بالنصارى.
جاء في معاني القرآن الكريم: نصر النصر والنصرة: العون. قال تعالى: "نصر من الله وفتح قريب" (الصف 13)، والنصارى قيل: سموا بذلك لقوله: "كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله" (الصف 14)، وقيل: سموا بذلك انتسابا إلى قرية يقال لها: نصرانة، فيقال: نصراني، وجمعه نصارى، قال: "وقالت اليهود ليست النصارى" (البقرة 113). جاءت تسمية النصاري لاتباع الانصار حسب راي بعض المفسرين "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ" (البقرة 62) و "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ الله" (الصف 14) ومنهم نصارى نجران في الحجاز. جاء في موقع مع الله صفحة مقالات عن مفهوم النصر في القرآن الكريم: من أسباب النصر: التأييد الإلهي: أخبر عز وجل أنصاره بأنه مؤيدهم على عدوهم. قال الله تعالى: "يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُوٓاْ أَنصَارَ ٱللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ لِلۡحَوَارِيِّـۧنَ مَنۡ أَنصَارِيٓ إِلَى ٱللَّهِۖ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِۖ فَـَٔامَنَت طَّآئِفَةٞ مِّنۢ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٞۖ فَأَيَّدۡنَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمۡ فَأَصۡبَحُواْ ظَٰهِرِينَ" (الصف 14) وعلى قدر إيمان العبد يكون نصره وتأييده، والنصر والتأييد الكامل إنما هو لأهل الإيمان الكامل، فمن نقص إيمانه نقص نصيبه من النصر والتأييد.
عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ" (الصف 14) حض سبحانه المؤمنين على نصرة دينه فقال "يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله" أي أنصار دينه وأعوان نبيه وإنما أضاف إلى نفسه كما يقال للكعبة بيت الله وقيل حمزة بن عبد المطلب أسد الله والمعنى دوموا على ما أنتم عليه من النصرة "كما قال عيسى بن مريم" (الصف 14) أي مثل قول عيسى بن مريم "للحواريين" وهم خاصة الأنبياء وسموا بذلك لأنهم أخلصوا من كل عيب عن الزجاج وقيل سموا بذلك لبياض ثيابهم وقيل لأنهم كانوا قصارين "من أنصاري إلى الله" والمعنى قل يا محمد إني أدعوكم إلى هذا الأمر كما دعا عيسى قومه فقال من أنصاري مع الله ينصرني مع نصرة الله إياي وقيل إلى الله أي فيما يقرب إلى الله كما يقال اللهم منك وإليك "قال الحواريون نحن أنصار الله" (الصف 14) أي أنصار دين الله وأولياء الله وقيل إنهم إنما سموا نصارى لقولهم نحن أنصار الله. "فآمنت طائفة من بني إسرائيل"" (الصف 14) أي صدقت بعيسى "وكفرت طائفة" أخرى به قال ابن عباس يعني في زمن عيسى عليه السلام وذلك أنه لما رفع تفرق قومه ثلاث فرق فرقة قالت كان الله فارتفع وفرقة قالت كان ابن الله فرفعه إليه وفرقة قالوا كان عبد الله ورسوله فرفعه إليه وهم المؤمنون واتبع كل فرقة منهم طائفة من الناس فاقتتلوا وظهرت الفرقتان الكافرتان على المؤمنين حتى بعث محمد صلى الله عليه وآله وسلّم فظهرت الفرقة المؤمنة على الكافرين وذلك قوله "فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين" (الصف 14) أي عالين غالبين وقيل معناه أصبحت حجة من آمن بعيسى ظاهرة بتصديق محمد صلى الله عليه وآله وسلّم بأن عيسى كلمة الله وروحه عن إبراهيم وقيل بل أيدوا في زمانهم على من كفر بعيسى عن مجاهد وقيل معناه ف آمنت طائفة من بني إسرائيل بمحمد صلى الله عليه وآله وسلّم وكفرت طائفة به فأصبحوا قاهرين لعدوهم بالحجة والقهر والغلبة وبالله التوفيق .
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قال الله تبارك وتعالى "قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ" (ال عمران 52) و ساروا في هذا الدرب حاملين لواء الخير و الهداية، و متصدّين لحرب أعداء الحقّ و الرسالة، حيث يقول سبحانه: "فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَ كَفَرَتْ طائِفَةٌ" (ال عمران 52) و هنا يأتي العون و النصر و الإغاثة و المدد الإلهي للطائفة المؤمنة حيث يقول سبحانه: فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ" (الصف 14). و أنتم أيضا يا حواريي محمّد، يشملكم هذا الفخر و تحيطكم هذه العناية و اللطف الإلهي، لأنّكم أنصار اللّه، و إنّ النصر على أعداء اللّه سيكون حليفكم أيضا، كما انتصر الحواريون عليهم، و سوف تكون العزّة و السمو من نصيبكم في هذه الدنيا و في عالم الآخرة. و هذا الأمر غير منحصر أو مختّص بأصحاب و أعوان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فحسب، بل جميع أتباع الحقّ الذين هم في صراع دائم ضدّ الباطل و أهله، إنّ هؤلاء جميعا هم أنصار اللّه، و ممّا لا شكّ فيه فإنّ النصر سيكون نصيبهم و حليفهم لا محالة. قوله تعالى "وَ الَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ" (الشورى 39) أيّ أنّهم إذا تعرضوا للظلم لا يستسلمون له، بل يطلبون النصر من الآخرين. و واضح أنّ الآخرين مكلفون بالانتصار ضد الظلم، لأن طلب النصر دون النصرة يعتبر لغو و لا فائدة فيه، و في الحقيقة فإن المظلوم مكلف بمقاومة الظالم و طلب النصرة، و أيضا فإن المؤمنين مكلفون بإجابته، كما ورد في الآية (72) من سورة الأنفال حيث نقرأ: "وَ إِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ" (الانفال 72) هذا البرنامج الإيجابي البناء يحذر الظالمين من مغبة ظلم المؤمنين، حيث أنّهم لا يسكتون على ذلك و يقفون بوجوههم. و هو أيضا يؤمّل المظلومين بأن الآخرين سوف ينصرونكم عند استغاثتكم. "ينتصرون" من كلمة (انتصار) و تعني طلب النصر، إلّا أن البعض فسرها بمعنى (التناصر) و النتيجة واحدة للتوضيح الذي ذكرناه. على أية حال، فأي مظلوم إذا لم يستطع أن يقف بوجه الظلم بمفرده، فعليه ألا يسكت، بل يستفيد من طاقات الآخرين و النهوض بوجه الظلم، و مسئولية جميع المسلمين الاستجابة لاستغاثته و ندائه. و لكن بم أنّ التناصر يجب أن لا يخرج عن حد العدل و ينتهي إلى الانتقام و الحقد و التجاوز عن الحد، لذا فإن الآية التي بعدها اشترطت ذلك بالقول: "وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها" (الشورى 40) يجب أن لا تتجاوزوا عن الحد بسبب أن أصدقاءكم هم الذين ظلموا فتنقلبوا إلى أشخاص ظالمين، و خاصة الإفراط في الرد على الظلم في مجتمعات كالمجتمع العربي في بداية الإسلام، لذا يجب التمييز بين نصرة المظلوم و الانتقام. و عمل الظالم يجب أن يسمى ب "سيئة" إلّا أن جزاءه و عقابه ليس (سيئة) و إذا وجدنا أنّ الآية عبّرت عن ذلك بالسيئة فبسبب التقابل بالألفاظ و استخدام القرائن، أو أنّ الظالم يعتبرها (سيئة) لأنّه يعاقب، أو يحتمل أن يكون استخدام لفظة (السيئة) لأنّ العقاب أليم و مؤذ، و الألم و الأذى بحدّ ذاته (سيء) بالرغم من أن قصاص الظالم و معاقبته يعتبر عملا حسنا بحد ذاته. و هذا يشبه العبارة الواردة في الآية (194) من سورة البقرة: "فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَ اتَّقُوا اللَّهَ" (البقرة 194).
جاء في التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ" (الصف 14). الخطاب في يا أيها الذين آمنوا للصحابة يأمرهم اللَّه فيه أن يكونوا مع رسوله العظيم كما كان الحواريون مع عيسى قولا وفعلا . وتقدم مثله في الآية 52 من سورة آل عمران ج 2 ص 67 . وفي قاموس الكتاب المقدس : (يسمى يسوع الناصري - أي عيسى - . والنسبة تعود إلى مدينة الناصرة . . ومعنى يسوع (يهوه مخلَّص) وهو اسمه الشخصي ، أما المسيح فهو لقبه . . ويقال المسيح لأنه مكرس للخدمة والفداء . . ودعي المؤمنون مسيحيين سنة 42 أو43 م . . ويرجح ان هذا اللقب كان في أول الأمر شتيمة) . وبين عيسى وموسى أكثر من 1200 سنة وأقل من 1491 لأن المؤرخين على أقوال في ذلك أكثرها 1490 وأقلها 1211.
عن کتاب الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي: قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله" (الصف 14) إلخ، أي اتسموا بهذه السمة ودوموا واثبتوا عليها فالآية في معنى الترقي بالنسبة إلى قوله السابق: "هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم" ومآل المعنى: اتجروا بأنفسكم وأموالكم فانصروا الله بالإيمان والجهاد في سبيله ودوموا واثبتوا على نصره. والمراد بنصرتهم لله أن ينصروا نبيه في سلوك السبيل الذي يسلكه إلى الله على بصيرة كما قال: "قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي" (يوسف 108). والدليل على هذا المعنى تنظيره تعالى قوله: "كونوا أنصار الله" بقوله بعده: "كما قال عيسى بن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله" (الصف 14) فكون الحواريين أنصار الله معناه كونهم أنصارا لعيسى بن مريم عليهما السلام في سلوكه سبيل الله وتوجهه إلى الله وهو التوحيد وإخلاص العبادة لله سبحانه فمحاذاة قولهم: "نحن أنصار الله" لقوله: "من أنصاري إلى الله" (الصف 14) ومطابقته له تقتضي اتحاد معنى الكلمتين بحسب المراد فكون هؤلاء المخاطبين بقوله: "يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله" أنصارا لله معناه كونهم أنصارا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في نشر الدعوة وإعلاء كلمة الحق بالجهاد، وهو الإيمان بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وطاعته فيما يأمر وينهى عن قول جازم وعمل صادق كما هو مؤدى سياق آيات السورة.
|