في الفترة الأخيرة ما قبل الطوفان سادت تبشيرات التطبيع بكثافة في البلدان العربية، وكان حديثها أن الفائز من طبّع أولاً والخاسر من رفض مشروع التطبيع وأبى! .دعا ذلك الإعلان لعقد حفلات التطبيع مع رجال بني صهيون مصحوباً بقبلاتٍ وأحضان، لم تكن كافية كل المواصلات والاتفاقيات والصفقات السرية معهم، جميعها لم يكن كافياً .كان الهم العربي مشغول في كسب محبة الصهاينة ورضاهم، .تفهم الحكّام العرب أن الشعوب العربية من الصعب أن تستجيب لرغباتهم وطموحاتهم اللامشروعة، فبدأوا يستعينون بماكنة أساليب التلاعب العاطفي والنفسي في إقناع الشعوب ودفعها لهاوية التطبيع .وعرفوا أيضاً أن الدين أحد المؤثرات على سايكلوجية هذه الشعوب، ولا يتم ذلك إلا من من خلال مشايخ السلطة الذين هم أداوتهم المفضلة .المشايخ الذين رضعوا من موائد بني صهيون . لا يجيدون إلا التفرقة والخطاب المملوء بسموم الطائفية، وتكثيف المساعي في ترحييل القضية بحجة مشاريع السلام والترفيه! وبسبب هذه وغيرها أصبحت القضية الفلسطينية شبه ميتة أو فاقدة للصلاحية أصلاً .
حتى جاء يوم سبعة أكتوبر يوم( الطوفان الأقصى)، وقد نفض الغبار بقوة عن وجه الأمة في الدفاع عن قضيتها وحقوقها المشروعة، بصرف النظر عن مسألة الأسرى والقتلى؛ نحن نتحدث هنا عن إنجاز الطوفان على صعيد الواقع والوعي السياسي، تمثل ذلك الإنجاز بلفت الأنظار للقضية الفلسطينية وتحريك وعي الشعوب للقضية التي شبه غيبت واندثرت وأصبح الحديث عنها غريباً!، فعملية الطوفان الأقصى حركتها من جديد، وأجبرت حتى الحكّام المطبعين على مسايرة رأي شعوبهم في مساعدة أهالي غزة، والوقوف مع الشعب الفلسطيني ولو بحدود الفضاء الإعلامي . لكن لا يختلف أن الحكّام العرب المطبعون يسعون للخلاص من المقاومة الاسلامية بشتى الطرق، وهذا ما ذكره نتنياهو في كتاباته، عندما كان عضواً في حزب الليكود قال ما مضمونه أن الرؤساء العرب في جلساتهم الخاصة كانوا دائماً يطلبون منه شخصياً ويحرضونه للقضاء على المقاومة! .فالرؤساء العرب يتمنون في هذه الحرب أن تنتصر إسرائيل بأي شكل من الاشكال على المقاومة الاسلامية الفلسطينية، ومن خلال بعض الأخبار الموثقة أن إتصالاتهم السرية جارية الطلب من الإسرائليين بالقضاء على حماس تماماً، وليس من صالحهم أن تنتصر فيها المقاومة لأي سببٍ كان، لأنهم يرون ممكن أن تفجر عناصر مقاومة أخرى في بلدانهم .والحقيقة إننا نعيش في منعطفات خطيرة إما النصر أو الهزيمة، والهزيمة تعني لا قدر الله لا وجود للقضية بعد، لا وجود للكرامة والاستقلال، لا وجود للمقاومة والدفاع عن الحق والأرض . لدي شعور هذه الأيام أنها لم تتكرر منذ أكثر من خمس وخمسين عاماً، لكن الفرق بينها أنها ماضية في طريق التفاؤل والحلول. أقول نتفائل رغم الحصار على قطاع غزة، رغم الخسائر بقتل الأطفال والأبرياء، لكن وجه التفائل المشروع
هو أن الأمة العربية والإسلامية توحدت كلها إزاء قضيتها - القضية الفلسطينية، وذابت فيها كل الاختلافات الجزئية والهامشية - أدرك العالم حقيقة المظلومية للشعب الفلسطيني، فأصبح الحديث عن غزة هو حديث عن العزة والكرامة، وأن الشعوب العربية والاسلامية أقوى مما مضى، وأقوى من كل سياسات التطبيع والخذلان .وأن الجيل الحالي هو أكثر الأجيال وعياً وصلابة في قضيته وإرادته. فهو مدرك تماماً أن الدفاع عن هذه القضية لا تعني الانتماء لحزب أو تيار، أو دولة معينة، وإنما يعني ذلك بوضوح الدفاع عن هويته وذاته وكيانه، وأن الحق مهما كان يعلو ولا يعلى عليه والحمد لله أولاً وآخراً .
|