• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : اسْتراتِيْجِيَّةُ التَمْهِيدِ لِثَوْرَةِ الظُهُوْرِ . .
                          • الكاتب : محمد جواد سنبه .

اسْتراتِيْجِيَّةُ التَمْهِيدِ لِثَوْرَةِ الظُهُوْرِ .

 صفتان من مختصّات الرّسالة الإسلاميّة المجيدة، الصّفة الأولى أنّها رسالة خاتمة لجميع الأدّيان، فبالقطع لا رسالة تأتي بعدها، لا حاضراً ولا مستقبلاً. والصّفة الثانية، أنّها رسالة (كوزموبولوتية)، حسب المصطلحات الحديثة، أيّ رسالة كونيّة، تربط بيّن الله تعالى و بيّن الإنسان، و تربط بيّن الله سبحانه وغيّر الإنسان، و تربط بيّن الإنسان والإنسان، و تربط بيّن الإنسان والطّبيعة، و تربط بيّن الإنسان وبما وراء الطّبيعة أيضاً، هذه هي الرؤيّة الكونيّة للإسلام. ونظراً لخاتميّتها فذلك يحتم، بقاء ناموسها التشريعيّ عاملاً وفاعلاً مع تقدم الزمن، وهذا الاستمرار و التّفاعل مع تطوّر الزّمن، لم يُفرِغ محتواها العقائدي والتشريعي، وبذلك لمْ تعّجز الرّسالة الخاتمة، من تلبية أيّ مطلب حياتيّ أو عقائديّ، على امتداد خطّ الزمن.
 
أمّا نظرة الإسلام الكونيّة، فقد عبّر عنها القرآن الكريم بقوله تعالى:( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ). وهاتان النظرتان، الشموليّة للزمان، والعالميّة للمكان، يتطلبان وجود إمام لكلّ مرحلة، ليكون قيّماً على الشريّعة، يصحح المسار العقائديّ والسلوكيّ والاخلاقيّ للمجتمع، و يصححه من أيّ انحراف كان. قال سبحانه:(رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً). إنّ موضوع الإمام المنتظر(عج)، تمثل حالة التطابق الكلي، مع مفهوم خاتميّة الإسلام ومفهوم كونيّته، فهذه المفاهيم تحتاج على الدّوام، وجود مقوّم ومسدّد لحركة المسلمين، وحارس وراع  لأحكام شرعة الدّين. الاسلام المجيد، أقام أسس نظريّته التغييريّة، على مبدأ إقامة العدل والإحسان، فقال تعالى:(إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ). الأمر الذي يتطلّب وجود قيمومة معصومة، لرعاية الحقّ والعدل والاحسان بيّن الناس. والأئمّة عليهم السلام هم الحرّاس المنصبون من قبل الله تعالى، للحفاظ على الإسلام بالحقّ. يقول الامام الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر(قدس سره): (لكي تقوم المرجعية بملء الفراغات، التي قد تواجهها ذهنية المسلمين، وتقديم المفهوم المناسب، ووجهة النظر الإسلامية، فيما يستجد من قضايا الفكر والحياة، وتفسير ما يشكل ويغمِض من معطيات الكتاب الكريم، الذي يشكّل المصدر الأوّل للمرجعيّة الفكريّة في الإسلام، ولكي تقوم المرجعيّة القياديّة الإجتماعيّة بمواصلة المسيرة، وقيادة المسيرة الإسلاميّة في خطها الإجتماعي. وقد جمعت كلتا المرجعيتين لأهل البيّت(ع))(نشأة الشيعة والتشيع ص84).
 
نعم يوجد اختلاف بيّن المسلمين في قضية المعصوم الغائب(ع)، ولكن الإختلاف، ليس في وجود وعدم وجود قضيّة الامام المنتظر(عج)، وإنّما الإختلاف تركّز في وجوده حيّاً، خارج تاثيرات الزمن وسنن التاريخ. 
فجمهور يؤمن بوجود الإمام المنتظر(عج) بيّن ظهرانينا، يتعايش مع متطلبات الأمّة ومعاناتها وآلامها وآمالها، قال سبحانه(يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ). وجمهور آخر يذهب إلى أنّ الإمام المهدي(عج)، منصوص عليه في القرآن الكريم، والسّنة المطهرة، ولكنه لم يولد بعد. 
إذن الاختلاف ليس في جوهر الموضوع، وإنّما في صورته الخارجيّة، ومن المفيد أنْ أذكر، أنّ الأمّة الإسلاميّة بمختلف مدارسها الفقهيّة، قد دوّنت الأحاديث النبويّة الخاصة بالإمام المهدي(عج)، فكان عدد الأحاديث في هذا الشأن، الفاً وتسعمائة وواحداً واربعين حديثا. (كتاب المهدي المنتظر في الفكر الاسلامي ص150)، ولعمري أيُّ إجماع للأمّة يكون، بعد هذا الاجماع؟.
 
إنّ العقيدة المهدويّة تؤسّس، لربط وجود الكون كلّه، بوجود الإمام المنتظر(عج)، وإنّ غيبته الظاهريّة، هي العلّة في استمراريّة بقاء الكوّن. واستمرار الإسلام كدين عالميّ، يتطلب قيّمومة الإمام المعصوم، على أرض الواقع. قال رسول الله(ص): (لو لم يبق من الدنيا إلاّ يومٌ واحدٌ، لطوّلَ اللّهُ ذلك اليوم، حتى يبعثَ فيه رجلاً من ولدي، يواطئ اسمهُ اسمي يملؤها عدلاً وقسطاً كما مُلئتْ جوراً وظلما). 
إنّ الإيمان بفكرة وجود الإمام المنتظر(عج)، ترتبط تماماً بفكرة الإعتقاد بالإسلام كدين كونّي، فالمشترك بيّن الفكرتين واحد، هو إقامة العدل والقسط، ومقاومة الجوّر والظلم، على ضوء ثوابت الاسلام المقدسة. وبعد هذا الفهم للعقيدة المهدويّة، يتحتّم عليّنا كمؤمنين بهذه العقيدة المباركة، التي لا تنفصل عن جوهر الاسلام اطلاقاً، انْ نأخذ دورنا الفاعل والمؤثر في زمن الانتظار والتمهيد. يقول الإمام الشهيد السيّد محمّد محمّد صادق الصدر(قدس سره):(وإنما هذا الانتظار الكبير ليس إلا انتظار اليوم الموعود، باعتبار ما يستتبعه من الشعور بالمسؤولية والنجاح في التمحيص الإلهي، والمشاركة في إيجاد شرط الظهور، في نهاية المطاف.... كل ذلك لمن يشعر بهذا الانتظار ويكون على مستوى مسؤوليتة، بخلاف من لا يشعر به، بل يبقى على مستوى المصلحة والأنانية)(تاريخ الغيبة الكبرى ص363).
فينبغي علينا أنْ نجسّد الإسلامَ، عباداتٍ و معاملاتٍ، في كلّ حياتنا الخاصّة والعامّة، ونوطن انفسنا سلوكياً ونفسياً، على الإيمان بفكرة تطبيق الحقّ والعمل بها، بشرط أن ننجح في ذلك والميدان الأول هو انفسنا، وان يكون نصب أعيننا قوله تعالى(إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ). 
فالتمهيد حركة داخلية تبدأ من الذات، وتمتدّ لتشمل علاقاتنا مع اسرنا ومجتمعنا ومع العالم أيضا. 
التمهيد منهج يعلمنا ان نتخذ المواقف المطابقة لمبادئ الاسلام، وان كانت مخالفة لمصالحنا الذاتية وعواطفنا الشخصيّة.
التمهيد مشروع شامل في حياتنا الواقعيّة، توظّف لانجاحه جميع الطاقات الفكريّة والثقافيّة والإجتماعيّة والنفسيّة والاقتصاديّة والسياسيّة، فهو استراتيجية بعيدة المدى لها خطتها المرسومة، ومنظومتها المطلوبة، ولها أهدافها المحدّدة.    
التمهيد إرادة الخير والعطاء التي نستشعر من خلالها بدفئ انسانيتنا، ولطف آدميتنا، وخلافتنا من الله تعالى في الكون.  
التمهيد انطلاقة تجسّر العلاقة بيننا وبين الإمام المنتظر(ع)، وتقرّب من ظهوره الشريف بيّننا.
التمهيد ثقافة تعكس مدى تفاعلنا مع قيم الإسلام النبيلة، وتمسكنا بأخلاق الإسلام.  
لنبدأ بتمهيد الطريق عملياً، أمامَ ثورةِ الظهورِ. أقولُ ثوّرةَ الظهورِ، لأنّها التغييرُ الجذريّ، لواقعِ حياة البشريّةِ جمعاء، وليسَ تغييرِ واقعِ المسلمينَ فقط. 
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=19016
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 07 / 03
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28