الامر والشأن كلمتان مترادفتان أو متشابهتان بالمعنى ولكن الأمر أعم من الشأن الذي فيه خصوصية اي أن الشأن امر يخص شخص أو مجموعة ما. وفي القرآن الكريم توجد عشرات الآيات تحوي كلمة الأمر ومشتقاتها بينما بضع آيات تحوي كلمة شأن ومشتقاتها. جاء في معاني القرآن الكريم: شأن الشأن: الحال والأمر الذي يتفق ويصلح، ولا يقال إلا فيما يعظم من الأحوال والأمور. قال الله تعالى: "كل يوم هو في شأن" (الرحمن 29)، وشأن الرأس جمعه: شؤون، وهو الوصلة بين متقابلاته التي بها قوام الإنسان.
جاء في كتاب التحقيق في كلمات القرآن الكريم للشيخ حسن المصطفوي عن معنى كلمة الأمر: قوله تعالى "وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا " (الإسراء: 16). أي بالأمر الواقعي التكوينىّ في قبال النهى العملي التكوينىّ، بمعنى رفع المانع وسلب التوفيق، فلا يكون حائل بينهم وبين شهواتهم النفسانيّة، فعصوا واتّبعوا أمر الشيطان، وبذلك تتمّ الحجّة عليهم للّه المتعال، ومعلوم أنّ إهلاك قرية لا يكون إلّا بعد الطغيان والعصيان. وقوله جلت قدرته "يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ" (الأعراف 110). وقوله جل جلاله لمّا طلب فرعون من أتباعه من الامّة النظر والرأي وأراد جلب خاطرهم وتحريك عواطفهم وتجليل شخصيّاتهم: فعبّر بهذه العبارة " فَمَاذَا تَأْمُرُونَ " (الشعراء 35). وقوله عز اسمه "إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ" (القصص 20). الافتعال بمعنى أخذ الفعل والايتمار بمعنى أخذ الأمر، وهذا المعنى قريب من المطاوعة في بعض الموارد، وقد يفسّر هذا اللفظ بالمشاورة، ومرجعها الى أخذ الأمر والرأي. وقوله عز وعلا "وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ" (الطلاق 6). ليكن أخذ الحكم والتكليف بينكم بالمعروف. وقوله عز وجل "أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ" (الأعراف 54). أي الحكم والتدبير بين الخلق واطلاق الأمر يشمل على عالم الأمر المتكوّن فيه الأشياء بمجرّد الإرادة والأمر من دون حاجة الى المادّة والتقدير، كما في عالم الجبروت والاقتدار. قوله تبارك وتعالى "أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ" (النساء: 59). عطف على الرسول فيكون إطاعة اولى الأمر في مرتبة إطاعة الرسول ومن سنخه. ولازم أن يكون أمرهم موافق أمر الرسول، كما أنّ إطاعة الرسول لازم أن لا تخالف إطاعة اللّه بوجه، وإلّا يلزم التنافي والتخالف ولا تتحقّ الاطاعة. فتفسير أولى الأمر بالأمراء والحكّام في غاية الوهن. قوله جل جلاله "ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ" (يونس 3). ينظّم عواقب امور الخلق وشئون مراتب الموجودات وحالاتها. والأمر عبارة عن الشأن والحالة والعارضة والجريان الحادث بعد تحقّق الموضوع على ما يقتضيه الطلب من الخالق الآمر. واطلاق الأمر على متعلّق الأمر: اشارة الى أنّ ذلك المتعلّق فإن في الأمر، والأمر متجلّى فيه. قوله عز من قائل " وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ" (هود 123). أي لِلّه ما يتعلّق بما وراء المحسوس منهما، واليه يرجع ما يجرى فيهما من الحالات. قوله سبحانه وتعالى "وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ" (هود 97). أي حاله وجريان عمله وقوله، ممّا يكون متعلّقا بالتكليف والأمر الإلهىّ أو العقلي. قوله عز اسمه "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي" (الإسراء 85). أي ممّا يتعلّق عليه أمره ويتوجّه اليه خطابه وهو قوله تعالى "كُنْ فَيَكُونُ" (البقرة 117). فالروح متكوّنه من أمره، وأمّا مادّتها فهي خارجة عن المادّة، ولا يمكن لنا فهم حقيقتها بحواسّنا. فالأمر هنا مصدر. قوله عز وجل "لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا" (الكهف 71). الظاهر أنّه صفة على وزان ملح من قولهم أمر يأمر أي كبر وكثر. أي لقد جئت شيئا كبيرا.
عن تفسير الميسر: قال الله تعالى عن شأن: "وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ۚ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ" ﴿يونس 61﴾ شأن اسم، تَكونُ في شَأنٍ: في أمر هام. وما تكون أيها الرسول في أمر مِن أمورك وما تتلو من كتاب الله من آيات، وما يعمل أحد من هذه الأمة عملا من خير أو شر إلا كنا عليكم شهودًا مُطَّلِعين عليه، إذ تأخذون في ذلك، وتعملونه، فنحفظه عليكم ونجزيكم به، وما يغيب عن علم ربك أيها الرسول من زنة نملة صغيرة في الأرض ولا في السماء، ولا أصغر الأشياء ولا أكبرها، إلا في كتاب عند الله واضح جلي، أحاط به علمه وجرى به قلمه. قوله عز من قائل "يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ" ﴿الرحمن 29﴾ في شأن: يأتي بأحوالٍ و يذهب بأحوالٍ بالحكمة. كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ: يغفر ذنبا ويفرج كربا ويرفع قوما ويضع آخرين. يسأله مَن في السموات والأرض حاجاتهم، فلا غنى لأحد منهم عنه سبحانه. كل يوم هو في شأن: يُعِزُّ ويُذِلُّ، ويعطي ويَمْنع. قوله سبحانه "لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ" ﴿عبس 37﴾ فإذا جاءت صيحة يوم القيامة التي تصمُّ مِن هولها الأسماع، يوم يفرُّ المرء لهول ذلك اليوم من أخيه، وأمه وأبيه، وزوجه وبنيه. لكل واحد منهم يومئذٍ أمر يشغله ويمنعه من الانشغال بغيره. قوله جل شأنه "فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ" ﴿النور 62﴾ شَأْنِهِمْ: شَأْنِ اسم، هِمْ ضمير، إنما المؤمنون حقًا هم الذين صدَّقوا الله ورسوله، وعملوا بشرعه، وإذا كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم على أمر جمعهم له في مصلحة المسلمين، لم ينصرف أحد منهم حتى يستأذنه، إن الذين يستأذنونك أيها النبي هم الذين يؤمنون بالله ورسوله حقًا، فإذا استأذنوك لبعض حاجتهم فَأْذَن لمن شئت ممن طلب الإذن في الانصراف لعذر، واطلب لهم المغفرة من الله. إن الله غفور لذنوب عباده التائبين، رحيم بهم.
جاء في موقع اسلام وب عن لفظ (الأمر) في القرآن: ورد لفظ (الأمر) بمشتقاته المختلفة في القرآن الكريم في أكثر من مائتي موضع، بين اسم وفعل، وبمعان مختلفة، بحسب السياق الذي ورد فيه؛ كقوله تعالى: "أتى أمر الله فلا تستعجلوه" (النحل 1)، وقوله سبحانه: "وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به" (النساء 83)، وقوله تعالى: {فلا ينازعنك في الأمر} (الحج 67)، ونحو ذلك من الآيات. وقبل الوقوف على المعاني التي ورد فيها لفظ (الأمر) في القرآن، يحسن بنا أن نعود إلى معاجم اللغة، لمعرفة معنى (الأمر) في لغة العرب: تفيد معاجم اللغة أن لفظ (الأمر)، يأتي على خمسة معان أساسية: الأول: (الأمر) بمعنى (الفعل) و(الشأن)، ويجمع على أمور؛ تقول: هذا أمر رضيته، وهذا أمر لا أرضاه. وعلى هذا المعنى جاء قولهم في المثل: أمر ما أتى بك. الثاني: (الأمر) الذي هو نقيض (النهي)، ويجمع على أوامر؛ كقولك: افعل كذا، على جهة الأمر والطلب؛ وهو مقابل (النهي) عن فعل ما. الثالث: (الأمر) بمعنى النماء والبركة؛ وعلى هذا المعنى جاء قول العرب: من قل ذلَّ، ومن أمِرَ فلَّ، أي: من كثر غلب. ومنه قولهم: لقد أمِرَ بنو فلان، أي: كثروا. الرابع: (الأمر) بمعنى العلامة، تقول: جعلت بيني وبينك أمارة وأمارًا، أي: موعدًا وأجلاً. الخامس: (الإمْر) بكسر الهمزة، كـ (الإصر) بمعنى (العَجَب)؛ يقال: شيء إمْر، أي: عجب ومنكر، ومنه قول الشاعر: لقد لقي الأقران مني نكرًا * داهية دهياء إدًّا إمْرًا.
عن الميزان في تفسير القرآن: ثم إن المراد بالأمر في أولي الأمر هو الشأن الراجع إلى دين المؤمنين المخاطبين بهذا الخطاب أو دنياهم على ما يؤيده قوله تعالى: "وشاورهم في الأمر" (ال عمران 159)، وقوله في مدح المتقين: "وأمرهم شورى بينهم" (الشورى 38)، وإن كان من الجائز بوجه أن يراد بالأمر ما يقابل النهي لكنه بعيد. وقد قيد بقوله: "منكم" وظاهره كونه ظرفاً مستقراً أي أولي الأمر كائنين منكم وهو نظير قوله تعالى: "هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم" (الجمعة 2)، وقوله في دعوة إبراهيم: "ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم" (البقرة 129)، وقوله: "رسلاً منكم يقصون عليكم آياتي" (الاعراف 35)، وبهذا يندفع ما ذكره بعضهم: أن تقييد أولي الأمر بقوله: "منكم" يدل على أن الواحد منهم إنسان عادي مثلنا وهم منا ونحن مؤمنون من غير مزية عصمة إلهية. ثم إن أولي الأمر لما كان اسم جمع يدل على كثرة جمعية في هؤلاء المسمين بأولي الأمر فهذا لا شك فيه لكن يحتمل في بادئ النظر أن يكونوا آحاداً يلي الأمر ويتلبس بافتراض الطاعة واحد منهم بعد الواحد فينسب افتراض الطاعة إلى جميعهم بحسب اللفظ والأخذ بجامع المعنى كقولنا: صل فرائضك وأطع سادتك وكبراء قومك. ومن عجيب الكلام ما ذكره الرازي: أن هذا المعنى يوجب حمل الجمع على المفرد وهو خلاف الظاهر، وقد غفل عن أن هذا استعمال شائع في اللغة. والقرآن مليء به كقوله تعالى: "فلا تطع المكذبين" (القلم 8)، وقوله: "فلا تطع الكافرين" (الفرقان 52)، وقوله: "إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا" (الاحزاب 67)، وقوله: "ولا تطيعوا أمر المسرفين" (الشعراء 151)، وقوله: "حافظوا على الصلوات" (البقرة 238)، وقوله: "واخفض جناحك للمؤمنين" (الحجر 88)، إلى غير ذلك من الموارد المختلفة بالإِثبات والنفي والإِخبار والإِنشاء.
|