منذ قيام إسرائيل عام 1948، انهالت الوعود الأممية والدولية، بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات سيادة، فيما فشلت جميع تلك المحاولات البائسة لأسباب أكثر من أن تحصى، وعلى العرب أن يعوها جيداً قبل الغوص في أي ترتيب جديد يفضي إلى تصفية القضية الفلسطينية مع تطبيع مجاني لأهم الدول العربية وأكثرها تأثيراً.
ومع قرار التقسيم، لم تفلح الجهود الأممية في تقسيم فلسطين، وكانت “إسرائيل” عبارة عن مجموعات من شذاذ الآفاق، تتجمع في ميناء حيفا، آتية من كل أنحاء الأرض، لتسكن فلسطين، الوطن البديل، وكانت المنازل الفلسطينية هي غايتها، في ظل وجود الانتداب البريطاني البغيض الذي سهل الأمر.
أحداث سياسية عصفت بالمنطقة منذ العدوان الثلاثي على مصر، ونكسة حزيران، وحرب تشرين، وصولاً إلى مدريد وأوسلو واتفاق وادي عربة، وفي كل هذه المحطات كانت “إسرائيل” تماطل في وعود خلبية، وتعمل على توسيع الاستيطان السرطاني للسيطرة على المزيد من الأراضي، وقطع أوصال الضفة الغربية، ومنع أي تواصل جغرافي بين الأراضي الفلسطينية .
“إسرائيل” عملت بحرفية عالية في كسب ود الغرب، تحت مسميات كثيرة وشعارات زائفة، منها “المحرقة “و “معاداة السامية” إلى أن كونت اقتصاداً متينا، وسلحت جيشها بأحدث الأسلحة بمساعدة واشنطن، في وقت انشغل فيه العرب منذ ثمانينات القرن الماضي بحركات مشبوهة عطلت حركة المجتمع في كثير من الأماكن.
حرب الكويت وبعدها الغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان كانت الشعرة التي قصمت ظهر البعير فقد تم* استيلاد أسامة بن لادن وشرذمته من الظواهري إلى الزرقاوي و”جبهة النصرة” وصولا إلى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام والمعروفة اختصارا “داعش “.
حتى الحركات الانفصالية في شمال شرق سورية ما هي إلا جزء من تداعيات الغزو الأمريكي الذي صب في خدمة إسرائيل لإقامة “كنتون” عرقي في الشمال يبرر قيام كيان ديني يهودي في الجنوب، إضافة لضرب أي تحالف إيراني عراقي سوري يطالب بعودة الحقوق للشعب الفلسطيني والتي من ضمنها حق العودة الذي يشكل عقدة النجار لدى الكيان الغاصب ويقضي على حلم “يهودية الدولة” الذي بني عليه المشروع الصهيوني .
مطلب حل قضية النازحين الفلسطينيين كان من أهم محاور عملية السلام في الشرق الأوسط التي تم إطلاقها في مؤتمر مدريد نهاية تشرين الأول 1991، إلا أن هذه القضية ظلت عصية على الحل، ولم يتم حلها بالصورة المطلوبة، فيما تسببت العمليات العسكرية العدوانية التي شنتها “إسرائيل” طوال العقود الماضية في تهجير موجات جديدة من الفلسطينيين ومغادرة أراضيهم.
قادة “إسرائيل” وعلى مدى 50 عاماً أفشلوا كذلك مبدأ “الأرض مقابل السلام”، وبدلاً من هذا المبدأ العادل، طرحوا أفكاراً التفافية مثل “الأمن مقابل السلام”.
رئيس الكنيست الأسبق ياريف ليفين توجه في إحدى الجلسات إلى رئيس وزراء “إسرائيل” الحالي بنيامين نتنياهو وقال إن “مبدأ الأرض مقابل السلام ليس إلا مسخرة”، وعلى رغم كل ما يحصل اليوم، لا توجد بارقة أمل في أي عملية تفاوضية ممكنة، وخصوصاً بعدما نعى قبل أيام نتنياهو وعدد من وزراء “حكومة الحرب” مبدأ “حل الدولتين”.
أقصى ما تقبل به “إسرائيل” ترتيبات أو اتفاقات تعود وتفخخها أو تثقلها بشروط تعجيزية.
والخطر القائم والوضع القاتم سببهما أن “إسرائيل” تريد للصراع أن يبقى في دائرة التاريخ، فلا ينتقل إلى رحاب الحلول السياسية، وكيف يمكن الكلام على “سلام دائم” بوجود دولة “الحروب الأبدية”؟
بعد نكسة حزيران عام 1967 قال وزير الحرب آنذاك سيئ السمعة والسيط موشيه ديان وبغطرسة المنتصر “إننا ننتظر مكالمة من العرب”، بمعنى تعالوا واعترفوا بأننا أقوى منكم، وتصرفوا على هذا الأساس، ومن الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون إلى الحالي جو بايدن تنقل كتب مذكرات مسؤولين في الإدارة الأميركية أقذع العبارات في حق نتنياهو وشرذمته.
دنيس روس أحد أكثر المسؤولين الأميركيين انخراطاً في المفاوضات بين العرب و”إسرائيل”، وصف أول زيارة لنتنياهو إلى واشنطن بعدما أصبح رئيساً للحكومة كالتالي “في اجتماعه مع الرئيس كلينتون كان لا يطاق وهو يحاضر فينا ويلقننا كيف ينبغي التعاطي مع العرب، بعد مغادرته لم يجد كلينتون مناصاً من القول إنه يظن نفسه القوة العظمى ونحن طوع بنانه”.
قبله الرئيس ريتشارد نيكسون صرح مرة بأن “إسرائيل “لا تملك أي قيمة إستراتيجية لأميركا”، وفي تسجيل صوتي يعود إلى عام 1973 وكشفته فضيحة “وترغيت” لم يتورع عن القول “اليهود هم فقط شخصيات عدوانية وعنيفة وبغيضة”.
وليست مصادفة أن يكون معظم سياسييها أي “إسرائيل” ووزرائها من العسكر، لأنها قائمة على القوة والقتل وفي الميزان العسكري تحقق إسرائيل نقاطاً على جبهات القتال الأبدي في الشرق الأوسط، ولكن ماذا بعد؟
لم يحقق أي انتصار عسكري “سلاماً سياسياً دائماً”، عربياً وإسلامياً، لم يحصل منذ قيام إسرائيل أي خرق نفسي يبدد الاقتناع بأنها “الكيان الدخيل”، في أفضل الأحوال ينظر إليها كدولة “أمر واقع”، ولا يوجد واقع لا يتغير، مهما كان “إسبارطياً” وهنا ينطبق القول إن إسرائيل هي جيش لديه “دولة” وليس العكس.
وعلى ما يبدو أن كل هذه الحقائق غائبة عن المطبع العربي لاسيما أن هناك أبر تخدير تخرج من الاتحاد الأوروبي أو من كواليس الإدارة الأمريكية تدعوا البعض للالتحاق بركب إبراهام والصعود في قاطرة التطبيع ليبقى حلم إقامة دولة فلسطينية ويعود أصحاب الأرض إليها حبراً على ورق يتم تداوله في الأروقة السياسية ووسائل الإعلام، ويبقى الجرح الفلسطيني نازفاً حتى تكتمل دورة الحياة، ويأخذ المقاوم الفلسطيني سيادته على أرضه، وبالتأكيد هناك طفل فلسطيني ينبت مع سقوط كل قطرة دم على ثرى فلسطين.
|