• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : دول الغرب من الدور الاستعماري إلى التورّط الصهيوني .
                          • الكاتب : محمد الرصافي المقداد .

دول الغرب من الدور الاستعماري إلى التورّط الصهيوني

عندما تُصنّفُ بالعقليّة الجيوسياسية الغربيّة أيّ دولة من الدّول المتخلّفة عن ركب تفوّقها، ضمن دول العالم الثالث، فذلك يعني، أنّ تلك الدّول يجِبُ أن تكون في حساباتها دائما متخلّفة، أمام تقدّم الدول الغربيّة المصنّفة نفسها عالما أوّلا، وبمعنى آخر حسب ذلك التصنيف، لا يحقّ لها أن تطمح، في أن تكون ضمن الدّول الغربية المتقدّمة تقنيا وصناعيا، ويجِبُ أن تبقى على تلك الحال دائما وأبدا، وهو تصنيف نابع عن عقليّة استعمارية، لا تزال تعتبر دول العالم الثالث، تابعة لها اقتصاديا وماليا وحتى سياسيا، فقليل من تلك الدّول من استقلّت تماما من هيمنة الغرب، وخرجت من سيطرته على جميع مجالات الحياة لديها، ومن وقاحة دول الغرب المستعمرة، ادعاؤها بأنها تسعى إلى خير تلك الدّول ونمائها، لا يتعدّى ما تطلقه كلّ مرة على منابر السياسة الدولية، كونه مجرّد دعايات فارغة، هدفه حفظ ما بقي من ماء وجه ساستها، بعد حقبة استعمارية عسكرية سيئة، استمرّت إلى حدود الثمانية عقود من الزمن، مستغلّة الموارد الأساسية لشعوب أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، مستهترة بقيمتها الإنسانية.

وأقولها بصراحة أنّ دول الغرب لم تتقدّم وتتفوق، بغير استغلال موارد الدول المُستَعْمَرَة، من ألماس وذهب ونفط وموارد أخرى، نهبتها بكل عنف وشراسة، تاركة وراءها سجلّا أسود حالكا بجرائمها المتعمّدة بحق تلك الشعوب، وفيما يزداد هذا الغرب بمنظومته الاستكبارية الإستعمارية تقدّما وتفوّقا، تزاد الدّول العالقة في شراكه تأخرا وتخبّطا على جميع الأصعدة، ويستحيل على هذه الدول المستضعفة أن تحقّق خلاصها من هيمنة من سامها الذلّ والهوان، هي لا تزال قابعة تحت سقف سياسته، مستمرّة في التعامل معه، على أساس مساعدته وتقديم العون له، ولم تقُمْ بأيّ بادرة تحرّر حقيقية، وفي مقدّمتها العمل على إدانة فترات تسلّط الدول الغربية الإستعمارية، خلال فترة استيلائها على الدول الأفريقية والآسيوية والأمريكية اللاتينية الضعيفة، واستعادة ما نُهِبّ منها وتعويضها على الخسائر الناجم عن اعتداءاتها كلّها، ومن هنا تظهر وطنية وحقانية الحكام، وعدالة أدائهم القانوني والسياسي، ومجرّد الكلام وحده لا يكفي.

ولا يكفي مثلا أن تتخذ دول العالم المستهدفة دوما من عالم الغرب مواقف مبدئية، حيال الدّول التي يزداد كل يوم صهينة وشراسة، وتكشف كل مرّة عن وجوه شيطنة طالما أخفوها، فعلى الشعوب أيضا أن تتخلص من عقلية الركون إلى دول الغرب، والبقاء رهن ثقافتها وسياستها الفاسدة، اليوم بالذّات كشفت هذه الدّول عن مستوى جديد من الإنحطاط الأخلاقي بتصديق الإدعاءات الصهيونية - وهم أهْلُها- وهي تعلم جيّدا أنّها ادّعاءات كاذبة، غايتها إحكام الخناق على الفلسطينيين النازحين في مناطقهم بقطاع غزة بإيقاف مساعدات منظمة الأونروا للمحتاجين هناك، بعد فشل القوات الصهيونية في اجتياح القطاع وانهاء المقاومة فيه لليوم 113.

قالت المفوضية الأوروبية، إنها ستراجع ما إذا كان يمكنها الإستمرار في تمويل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، في ضوء المزاعم عن تورط موظفين فيها في هجمات السابع من أكتوبر، التي نفذتها حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في جنوب فلسطين. وأوقفت عدة دول، بينها ألمانيا وإيطاليا وهولندا وفنلندا، وهي أعضاء الإتحاد الأوروبي، تمويلها للأونروا بعد مزاعم إسرائيلية، بأن 12 من موظفي الوكالة البالغ عددهم 13 ألف موظف في غزة متورطون في الهجمات (1)

وفيما حذّر المفوّض العام للأونروا، من أن ما تتلقاه منظمته من الدول الماحنة، غير كاف لإغاثة أكثر من مليون ونصف من اللاجئين، ويُعّد قطعه أو وقفه ولو مؤقتا مشاركة في الحصار المضروب على غزة، ومساهمة في نشر مجاعة بمحض إرادة الدول الغربية، اسهاما منها في دعم الجهود الصهيونية في أعمال الإبادة التي ترتكبها القوات الصهيونية في القطاع، وجاء في تصريح عن دور وكالته، قال (فيليب لازاريني): (أنّ الأونروا وكالة إنسانية رئيسية في غزّة، تعتمد عليها أكثر من مليوني شخص، من أجل البقاء على قيد الحياة، وأنّ الكثيرين يشعرون بالجوع، في الوقت الذي تدق فيه عقارب الساعة نحو مجاعة تلوح في الأفق) (2)

هذا الإجراء الخطير والمتعمّد الذي اتخذته الدول الغربية جاء مناصرة للكيان الصهيوني فيما أقدم عليه من جرائم حرب بحقّ المدنيين، لقمع الشعب الفلسطيني واجباره على التخلّي عن حقوقه بالقوّة المفرطة، واعتبار أنّ أي مقاومة تصدر منه هي إرهاب يستهدف المدنية الغربية الزائفة في ثوبها الصهيوني المليء بالجرائم ضدّ الإنسانية، وهو نفس الغرب بدوله الاستعمارية التي كانت ترى مقاومة عساكرها من طرف الشّعوب المُستعْمَرَة إرهابا تعاقب على فاعليه بالإعدام، وكم من وطنيّ أعدِمَ في الساحات وأمام انظار شعبه زيادة في التنكيل به.

لذلك أقول اننا اليوم أمام مفترق يجب على الشعوب المستضعفة أن تتخذ قرارها فيه، إمّا أن تتخذ موقفا وطنيا وانسانيا ودينيا حاسما، يقطع مع عقود التبعية والخنوع والاستضعاف، وتبدأ مرحلة جديدة من اثبات الذّات والاستقلال الحقيقي من تبعية دول الغرب، وإما أن تستمِرّ في نفس المسار الذليل الخاسر دوما، منزوعة من روح الإرادة، في أن تبني صرح عزّتها بعيدا عن إملاءات الغرب، التي تصبّ غالبا في غير مصلحة الدول المتخلّفة عن ركب الحضارة، ولكنّها واقعا مليئة بالإنسانية التي يفتقدها الغرب، لقد اثبتت دول الغرب مرارا وتكرارا أنها فاقدة لأبسط القيم الإنسانية، وكل ما كانت تسوّقه لشعوبنا من أن سياساتها وحتى أوساطها الشعبية هي ذات قيم إنسانية، هي في مجموعها مجرد أقوال لم ترقى يوما الى مستوى التطبيق الحقيقي، وإن قامت بذلك يوما، فمن أجل الظهور الكاذب، بأن لها إنسانية تدعي حمايتها، وفي كواليسها ومع حلفائها تدوسها برجلي ساستها، ولا تقيم لقوانينها وزنا، وما قامت به منذ أمَدٍ هو تطبيق تلك القوانين بصورة معكوسة على الشعوب المكافحة من أجل نيل حرّيّتها، وعندما يعتبر هذا الغرب مقاومة الشعوب لتسلطاتها المباشرة وغير المباشرة إرهابا، فبدافع ابعادها عن حقوقها المسلوبة بسياساته الظالمة المعتدية، لدفعه عن التخلّي عنها والاستسلام له، لذلك أقول إنه يجب على شعوبنا أن تتّجه إلى بناء ثقة كاملة وتعاونا وثيقا بينها كشعوب مستضعفة، بإمكانها أن تخرج من واقع الاستضعاف الذي أورده إليها الغرب، وتقطع مع حقبة السيطرة الاستعمارية التي مازالت متواصلة إلى اليوم، ولا خروج منها يغير القرار الشعبي الحاسم، استعادة الحقوق المسلوبة من الغرب، تحتاج إلى عزيمة وإرادة وقرار سياسي شجاع، فمن الذي سيبدأ باستعادتها؟

 

المراجع

1 – الإتحاد الأوروبي يراجع تمويل وكالة الأونروا بعد مزاعم إسرائيلية

https://www.swissinfo.ch/ara/ /49167538

2 – 9 دول توقف تمويل منظمة وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين آخرها المانيا.. سويسرا تفضل الإنتظار حتى انتهاء التحقيقات.. فنلندا: نرغب في التأكّد من عدم وصول يورو واحد إلى حماس.. أمريكا تطلب ردّا من الأونروا https://www.youm7.com/story/2024/1/28/6461523




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=190549
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2024 / 01 / 30
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 3