
دأب أهل البيت "عليهم السلام " على ترسيخ تعاليمهم الحقة في نفوس المؤمنين عن طريق توجيههم وبيان المهمات من المسائل والمعضلات وحلها من نمير علمهم ، ويتنوع هذا البيان وفق الظرف زمانا ومكانا ، والهدف الرئيسي منه هو ايصاله كوثيقة تعصم المؤمنين من الزلل وتقيهم من الشطط والضلال وهذا يحصل بطرق متعددة تارة عن طريق الدعاء أو الخطب أو أحاديث المجالس أو الوصايا وقد حفظ اصحابهم دررهم وكنوزهم واوصلوها إلينا في أتم السلامة وافضل التحقيق ، ومنها وصية الإمام الكاظم "عليه السلام " لهشام بن الحكم الذي كان من ثمرات أبيه الإمام الصادق "عليه السلام " حيث يعد من المبرزين في ميدان العقيدة ومن عليهم المعول في المناظرات فإن الإمام أبي عبد الله الصادق "عليه السلام" كان يقدمه كونه فيها مؤهل حيث كانت له ملكه وموهبة في افحام أهل الضلال ، فقد أوصى له الإمام موسى بن جعفر الكاظم "عليه السلام "بوصية تعتبر من الكنوز المكنونة والدرر المضمونة في العقيدة والسلوك العام وبيّن الإمام "عليه السلام " عدة أنحاء في خصائص العقل وماهيته وماهي الثوابت التي يعتمد عليها حتى يصل إلى السلامة التامة والنجاة من ظلام الجهل بمراتبه المتعددة شدةً وضعفا ،واشار "سلام الله عليه" إلى أثر العقيدة الصحيحة على حياة الإنسان وكيفية صياغة منهجه في معركته الوجودية مع المنغصات والكسل والابتلاءات ومحنها ، وكذلك أكد على سلامة الموقف فيما يتعلق ببراءة الذمة فإن الأشواك والمصائد والفخاخ التي جعلها الشيطان واعوانه في طريق الوصول إلى الحق كثيرة ، كما أنه أوضح كيفية أن يكون العقل حجة الله الباطنة وقد أكملها في الإنسان حتى لا يكون له تبرير في عدم التمسك بتعاليمه السماوية كما أنه جعل ذلك العقل دليلاً على معرفته والوصول إليه وقد رغّبَ أولوا الألباب بالآخرة فعرفوا كيف يدركون هذه الحقائق العظمى وبهذه التصورات أثبتوا بأن هذا الكون لابد له من مدبر عالم حكيم وهذا بحد ذاته شرفيه أسدل الإمام "عليه السلام" الستار عنها ، وأيضا بيّن الأدوات والعلامات والمحاذير من ترك التعقل والركون إلى الكثرة المذمومة من دون أدنى تفكر ومحذور ذلك أن خصوصية الإنسان في عدم التعقل ترتفع ويتساوى مع غيره من الدواب والعجماوات وهذا اخطر مايمكن تصوره في سلوك الإنسان وشؤونه ، فقد صاغ الإمام "عليه السلام " بوصيته لهشام منهاجا تربويا يبدأ من وظيفة العقل التي هي الكمال وهذا الكمال لا يكون إلا مع العبادة والتواضع لها إلى التصرفات الخارجية والسلوك وشؤونه ، فأعطى العلامات التي من شأنها أن تنير الطريق وتزيل العوائق والموانع عن طريق المؤمن وتحذيره الشديد من الدنيا والوقوع في شباكها والغرق في اتونها ،
تنبيه: إن العقل الوارد في هذه الوصية إنما هو المرتكز الوجداني ومجموعة مدركاته التي يتفق عليها العقلاء فهي الواضحات المودعه في جميع الناس لا العقل البرهاني الذي ميدانه الفلسفة النظرية .....
|