الحكمة أو العلة تُعّرف بانها المصلحة التي من أجلها شُرع الحكم، ويدور مدارها ثبوتاً وعدماً.
يعتقد الشيعة الإمامية أعلى الله كلمتهم، وأنار برهانهم، بأن الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد، بمعنى أن التشريع الإلهي لكل واحد من الأحكام الإلزامية، سواء منها الوجوبية، أم التحريمية، بل حتى المستحبات والمكروهات، شرعت لوجود مصلحة فيما يكون إلزاماً في جانب الفعل، أو لوجود مفسدة فيما يكون في جانب الترك، والسر في ذلك يعود لكون المشرع وهو الله سبحانه وتعالى حكيم، يستحيل أن يصدر منه شيء من الأمور دونما علة وغاية، بل يكون جزافاً، ولمجرد التعبد فقط دون أن يكون ذلك لوجود مصلحة أو مفسدة واقعية فيه.
فكل ما أمر الباري سبحانه وتعالى به، وأوجبه على العباد لأجل تحصيل ما فيه من مصلحة، كما أن جميع ما نهى عنه تعالى، وحرمه، من أجل اتقاء العباد ما فيه من مفسدة سواءً وصل إلينا هذا التعليل أو هذه الحكمة ام لم تصل، ومنشا هذا الاعتقاد أن الشيعة الامامية اعزهم الله من الذين يعتقدون بالحسن والقُبح العقليين ، والعلة التي نقصد وجودها هي غير المستنبطة فمستنبط العلة عند أصحابنا مذموم ، وإنما المعتبر لدينا هي المنصوصة حيث تأتينا من الشارع المقدس بنص عن المعصوم (ع)(النبي أو الإمام) حينئذٍ تكون علة حقيقية يمكن إعتمادها بعكس الاستحسانات التي هي غير صحيحة حيث جعلها فقهاؤنا في خانة العمل بالرأي فإنّ المستحسِن إذا استند إلى ما يستقل به العقل من حُسن العدل و قُبح الظلم، أو إلى دليل شرعي، فلا إشكال في كونه حجّة، لأنّه أفتى بالدليل، لا بمجرّد الاستحسان، وأمّا إذا استند لمجرد استحسان طبعه و فكره، وأنّ الحكم الشرعي لو كان كذا لكان أحسن، فهو تشريع باطل وهو من الحكم بغير علم وقد نُهينا عنه في طائفة من الآيات والروايات، فهو إفتاء بمالم يقم عليه دليل شرعي وهو تشريع محرّم ، وكيف كان فإن الأحكام كلها معلله وهناك حكمة في تشريعها سواءا وصلتنا أم لم تصلنا هذه التعليلات والواصل إلينا يجب أن يكون عن طريق الشارع المقدس لاالاستحسانات البشرية التي منشأها الطبع والفكر الغير مستند إلى دليل شرعي ،ومع هذا فإننا لا ينبغي أن نسأل عن علل الأحكام إذا لم يصل بيان بشأنها لأن هذا ينافي من جهة ما التسليم لأحكام الله عزّ وجل فالعلة الموجودة الواردة عن طريقٍ شرعي نُظهرها وأما الغير واصله إلينا فنتعبد بالحكم دون السؤال عنها وإرادة معرفتها أو استحسان علة لادليل عليها، وعلى الإنسان أن يسلم لشريعة الله عزّ وجل تسليما حقيقياً كون أن الذين اوصلوها الينا هم النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله وسلم " وأهل بيته المعصومين"عليهم السلام " وهذا الطريق معصوم لايعتريه الاشتباه أو الخطأ فنلتزم بما ورد إلينا دون أن نعدي أو نخترع ، فالعمدة في المقام العلة المنصوصة أو التي أقيم عليها دليل شرعي ضمن القواعد المتعارفة عند الإمامية ، وقد كُثر في هذا الزمان إطلاق الكلام في هذا الموضوع دون الوقوف على أدلته أو سوقه للوصول إلى غاية معينة وهذا استخفاف بأدلة الأحكام وجهل باصولها...
|