كل مجموعة من حلقات هذه السلسلة تنشر في أحد المواقع.
جاء في کتاب مقتل الحسين عليه السلام للسيد عبد الرزاق المقرّم: عن تشريع الزيارة: إنّ مجتمعات الزيارة كمواسم جاء الحثّ عليها، حيث إنّ المَزور دعامة من دعائم الدِّين ومنار هداه، ومنه تؤخذ التعاليم، وتُدرس المعارف. فإذا ازدلف الزائرون إلى قبره من شتّى النّواحي، وتعرّف كلٌّ بالآخر، وشاهد كلٌّ منهم ذلك الزحام المعجب، والتهافت المتواصل، والتهالك دون ذلك المقصد الشريف بما أنّ صاحب المشهد صاحب دعوة إلهيّة، وداعية إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحَسنة عظم في عينه الشخص المَزور ونزعته ودعوته، وثلج صدره بذلك المنظر المبهج، ورقّ له قلبه، وثبت به يقينه. وبطبع الحال ينجذب إلى تتبع تعاليمه، ودرس أحواله، واقتصاص أثره، وتعرّف مظلوميّته، إلى ما هنالك من فوائد لا تحصى. وهناك معنى آخر، وهو أنّ الزيارة تحكم رابطة الاخوّة بين المؤمنين، التي دعا إليها الكتاب المجيد "إِنّمَا المُؤمِنُونَ إِخوَةٌ" (الحجرات 10)، فإنّ الزائرين باجتماعهم عند القبر، وفي الطريق إليه يتبادلون المعروف والمكافاة عليه، ويتفاهمون في التوجيه نحو الدِّين الصحيح، فينكشف الخطأ في اعتقاد الطوائف الاُخرى وشذوذها، وتصبح الرابطة بينهما حكيمة الأساس.
وعن قول الشعر فيهم يقول السيد عبد الرزاق المقرم: ولم يعهد من الأئمّة عليهم السّلام مع تحفّظهم على التقيّة، وإلزام شيعتهم بها تثبيط الشعراء عن المكاشفة في حقّهم، وإظهار باطل المناوئين مع أنّ في الشعراء مَن لا يقرّ له قرار، ولا يؤويه مكان، فرقاً من أعداء أهل البيت عليهم السّلام لمحض مجاهرتهم بالولاء، والدعوة إلى طريقة آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، كالكميت ودعبل الخزاعي ونظرائهما، بل كانوا عليهم السّلام يؤكّدون ذلك بالتحبيذ، وإدرار المال عليهم، وإجزال الهبات لهم، وذكر المثوبات على عملهم هذا. وليس ذاك، إلا لعلمهم بأنّ المكاشفة في أمرهم أدخل في توطيد اُسس الولاية، وعامل قوي لنشر الخلافة الإلهيّة حتّى لا يبقى سمع إلا وقد طرقه الحقّ الصراح، ثمّ تتلقاه الأجيال الآتية، كلّ ذلك، حفظاً للدين عن الإندراس، ولئلا تذهب تضحية اُمناء الوحي في سبيله إدراج التمويهات. ولولا نهضة اُولئك الأفذاذ من رجالات الشيعة للذبّ عن قدس الدِّين بتعريض أنفسهم للقتل، كحجر بن عدي، وعمرو بن الحمق، وميثم التمّار، وأمثالهم بما نال أهل البيت من أعدائهم، لَما عرفت الأجيال المتعاقبة موقف الأئمّة عليهم السّلام من الدِّين، ولا ما قصده أعداؤهم من نشر الجور والضلال. "أَفَمَن يَهْدِي إلى الحَقّ أَحَقّ أَن يُتّبَعَ أَمْ مَن لاَ يَهِدّي إِلا أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ" (يونس 35).
جاء في کتاب مقتل الحسين عليه السلام المؤلف للسيد عبد الرزاق المقرّم: ولما سأل ابن الحاجب شيخنا المفيد عن معنى حضور الوافدين الى هذه الضرائح؟ حينئذ أجابه الشيخ المفيد بأنه انما جاء العباد الى محال قبورهم وان لم يكونوا فيها اكباراً لهم وتقديساً للمواضع التي حلوا فيها ثم ارتفعوا عنها وهذا مثل تبعد الله العباد بالسعي الى بيته الحرام مع انه سبحانه لا يحويه مكان وانما ذلك ذلك تعظيم له وتجليل لمقامه جل شأنه. وفي الفتاوى الحديثية لابن حجر في 213 عن ابن العربي ان الأنبياء ترد اليهم أرواحهم في القبور ويؤذن لهم في الخروج والتصرف في الملكوت العلوي أو السفلي فلا مانع من أن يرى النبي صلّى الله عليه وآله الكثيرون لانه كالشمس. وفي وفاء الوفاء للسمهودي ج 2 ص 407 الفصل الثاني في بنية المزارات روى عنه انه صلّى الله عليه وآله قال: ما من نبي دفن الا وقد رفع بعد ثلاث غيري فاني سألت الله تعالى أن أكون بينكم إلى يوم القيامة وروى عبد الرزاق ان سعيد بن المسيب رأى قوماً يسلمون على النبي صلّى الله عليه وآله فقال: ما مكث نبي في الأرض أكثر من أربعين وفي روح المعاني للآلوسي ج 2 ص 37 سورة الاحزاب آية "ما كان محمداًَ أبا أحد من رجالكم" (الاحزاب 40) أحاديث عن أنس قال صلّى الله عليه وآله ما من نبي يموت فيقيم في قبره إلا أربعين صباحاً. وعن سعيد بن المسيب وأبي المقدم ثابت بن هرمز ما مكث نبي في الأرض أكثر من أربعين يوماً. ومن الأخبار ما ذكره امام الحرمين في النهاية والرافعي في الشرح ان النبي قال: أنا أكرم على ربي أن يتركني في قبري بعد ثلاث. زاد امام الحرمين وروى أكثر من يومين ونقل عن القاضي ابن العربي والروض: ان الأنبياء ترد اليهم أرواحهم بعد ما قبضوا ويؤذن لهم في الخروج من قبورهم والتصرف في الملكوت العلوي والسفلي، ثم ذكر رأيه.
وعن الخروج من المدينة يقول السيد المقرم في كتابه: وخرج الحسين من المدينة متوجّهاً نحو مكّة ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب ومعه بنوه وإخوته وبنو أخيه الحسن وأهل بيته، وهو يقرأ: "فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَبُ قَالَ رَبّ نَجّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ" (القصص 21). ولزم الطريق الأعظم، فقيل له: لو تنكّبت الطريق كما فعل ابن الزبير، كيلا يلحقك الطلب، قال: (لا والله، لا أفارقه حتّى يقضي الله ما هو قاض). ودخل مكّة يوم الجمعة لثلاث مضين من شعبان وهو يقرأ: "وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيل" (القصص 22). فنزل دار العبّاس بن عبد المطلب واختلف إليه أهل مكّة ومَن بها من المعتمرين وأهل الآفاق، وابن الزبير ملازم جانب الكعبة، ويأتي إلى الحسين فيمَن يأتيه وكان ثقيلاً عليه دخول الحسين مكّة، لكونه أجلَّ منه وأطوع في النّاس، فلا يبايَع له ما دام الحسين فيها. وخرج عليه السلام في بعض الأيام إلى زيارة قبر جدّته خديجة، فصلّى هناك وابتهل إلى الله كثيراً.
|