• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : الجبن والبخل والأنانية...وأخواتها الفاضلات .
                          • الكاتب : د . محمد تقي جون .

الجبن والبخل والأنانية...وأخواتها الفاضلات

 أصبحت الصور والكلمات لها ظلال حزينة، وكل شيء صار متصلاً بخيط دم ودمع منسكب! آه كم يحتاج المرء في هذه الحالة الى التعلق بالحياة لمقاومة اليأس وعدم الاستسلام للنهاية!! إن الأخيار يموتون أسرع من غيرهم؛ لأنهم يسلمون سريعاً ولا يقاومون كثيراً زهداً بالحياة. والحياة تتخلى عن مبغضيها وتهجر هاجريها وتتمسك بعشاقها المخمورين المهووسين بها، لهذا يعيش (الدنيويون) أكثر فهؤلاء يتغاضون عن آلامهم ومشاكلهم ويتحملون على أنفسهم تمسكاً بالحياة ولأجلها.
فكيف إذاً؟ هل يحتاج الخير إلى شيء من الشر أو بعض سماته وتوابعه ليستمر؟ حتماً لا توجد حدود حادة بين الشر والخير، وثمة مساحة مشتركة يتقابلان ويتداخلان فيها، ويبقى مركز الثقل للشر والخير حاسما وفي مكان بعيد عن المساحة المشتركة.
لقد خلق الله (جل جلاله) القيم السامية والطباع الهاوية، وجعل من اللازم تحقيق تلك القيم مع تلبية حاجة تلك الطباع لأنها حبال تربط الإنسان بالحياة، فإن كثيرا من الصفات التي نستحقرها ونلعنها حقيقة أو تظاهراً إنما وضعها الله العظيم فينا ليضمن انسجامنا مع الحياة التي تقسو تصاعدياً حتى تصبح لا تطاق، وان أكثر الناس تعلقاً بالحياة أكثرهم فعلا وتفاعلا معها، وأكثرهم تحملا وتقبلا مع تحولاتها وتقلباتها. وأكثر قاطعي الحياة اقلهم فاعلية فيها وأكثرهم ضجراً ومللاً وشعوراً بالنهاية وفي الطرف حيث لا يحب الله أن يرى الإنسان هناك.
 فهذه الطباع الدنيئة الموجودة فينا بنسب متفاوتة وضعها الله فينا لضرورتها في وجودنا وبقائنا، ليضمن عدم اليأس والانكسار والانزواء بانتظار الموت حين يكون أكثر جدوى. ولكنه اذ أرادها فينا وأوصى بعدم استئصالها لأنها كالغدد الصم عملا في ديمومة الجسم، دعانا إلى تهذيبها والسيطرة عليها وتدجينها لأخذ فوائدها وتجنب مضارها، وان تكون بنسب غير متحركة او مستحوذة. 
إذاً سنقرأ قوانين السماء في الأرض، وعلى التراب لا نرقى حتى شجرة بسيطة الارتفاع، عندها سنكون بالارتفاع المطلوب للفهم. فضبّط نفسك وقسها: اذا لم تكن جباناً فقد تكون أخرق يلقي نفسه في التهلكة، وإذا لم تكن بخيلا فقد تكون مسرفاً فتكون أخاً للشيطان، وإذا لم تكن أنانياً انتهازياً فقد تكون غبياً يفوّت الفرص التي تمر مرَّ السحاب! واذا كنت ممن طلق الحياة ثلاثاً لا رجعة فيها فقد تكون زاهداً سلبياً، فان العابد اذا جلس في صومعته يعبد فقط، فانه في (هامشه) لن يستطيع أن يتماهى مع الله وقوانينه التي توصي بالزهد الايجابي، فحتى الزهد أراده الله فاعلا كزهد الإمام علي (ع). وعليه فلا تكن جباناً ولا أخرق، ولا بخيلا ولا مسرفاً، ولا انتهازياً ولا غبياً ولا متصوفاً ولا متهتكاً، بل كن محققاً لقيم السماء ومستغلا الطباع الهاوية فيك لتحقيق تلك القيم مع ضبطها وعد السماح لها بأن تكبر فتمنعك من تحقيق تلك التهم، واعلم تمام اليقين بأن حشداً من تناقضات عجيبة مطلوب منها في النهاية ان توصلك إلى رضا الله.
 
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=19112
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 07 / 06
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29