اعتادت أمة العرب من محيطها لخليجها على نمط واحد وسياق واحد من أداء طقوسهم الفنية في شهر رمضان المبارك، دون أدنى شعور بأن شياطين الاعلام حرة طليقة تعبث بهم بطريقة أموية بامتياز، وما تزال كذلك منذ أن صدحت أولى اجهزة التسجيل بأصوات المغنين والمغنيات، ومنذ أول إضاءة للشاشات في منازل المترفين منهم، تعلن بدء الشهر بأغنية وتختمه بأغنية، وصار حساب أيامه ولياليه مقترنا بحلقات المسلسلات، فالحلقة الأولى تعني اليوم الأول، وتؤكد الحلقة الأخيرة منها أن يوم غد هو العيد..
طاعة ولاة الأمر والحكام بكل عمالتهم هي الحال الملازمة لاسلام القوم.. وتخيل أن يزيد والقرد وسرجون والحاشية هم المصداق لولاية الأمر.. وهي القناعة الراسخة لدى شعوب لغة الضاد، فكل الحكام يزيد، وكل الحاشية أموية الهوى والولاء..
في العراق وتحديدا في الزمن الجميل -كما يصر على تسميته البعض- كان في بعض مناطقنا (حسينية) واحدة تنتظر أذانها تلك الأغلبية المضطهدة؛ لتمسك وتصلي وتفطر وتصلي..
كانت تحيط بها عشرات الجوامع تعلن رمضان والعيد قبل أوانهما؛ تنفيذا للمرسوم الحكومي وما على الأغلبية الا الاسترجاع والحوقلة وهي تجري اتصالات سرية مع النجف المضيق عليها لاعلان بشرى رؤية الهلال دون اكتراث بما تبثه قنوات النظام من أخبار ثبوت الرؤية بأدوات وزارة الأوقاف..
لم تكن بيوتنا تخلو من تلفاز ذو قناتين للنظام، يبث فيهما برامجه الرمضانية التي تستند في أغلبها الى ما تنتجه دول أخرى فيتم توزيعه بالتساوي على أمة العرب (مسلسلات وفوازير.. برامج وأفلام.. يكون ختامها مقطع لأغنية (الليلة عيد)!!..
بعد سقوط النظام ظهر التوجه الحقيقي للأغلبية المضطهدة في عدم الاعتراف بالمنهج الرمضاني الأموي؛ فتم افتتاح قنوات فضائية جديدة ذات طابع ديني يظهر خلاف ما كانت عليه قنوات العفالقة، وقد أظهرت عدم اعترافها بذلك المنهج الأموي في شهر رمضان أو في غيره ليكون للأغلبية المضطهدة الحق في الإعلان عن ثبوت الرؤية وفق ضوابطها الشرعية هي لا وفق ضوابط غيرها.. أصبحت تستمع لدعاء الافتتاح، وترى قباب مراقد الائمة، وتنصت للأذان في وقته جهارا عبر المساجد والحسينيات، وتعلن صيامها وعيدها -وإن خالفها الآخر- بعدما كانت تخفي ذلك خوفا من الوشاية بها بأقلام الرفاق في تقارير الفرق الحزبية.
مما تجدر الاشارة اليه اننا حين اطلعنا على القنوات العربية -بعد دخول الستلايت- وما تبثه خلال شهر رمضان وجدناها -وما زالت- نسخة طبق الأصل عن تلك الفترة التي كنا نعيشها في زمن الطاغية.. فأمة العرب ماتزال تعيش الصيام الأموي، والافطار الأموي، ورمضان القائم على شعار (ساعة لقلبك وساعة لربك) و (بيت الطرب ما خرب).. وهؤلاء لن يتغير منهجهم حتى وإن تغيرت أنظمتهم.. فليس فيهم أغلبية تنتظر رمضانا خاليا من الشوائب الأموية، وليست كل ارض علوية حسينية مهدوية.
ملاحظة أخرى واختم بها.. ما تزال في العراق قنوات تبث برامجها بالطريقة ذاتها التي تبث بها القنوات العربية برامجها.. لكنها غير مُلزمة لأحد بمتابعتها.. فأزرار جهاز التحكم كفيلة بحذفها في زمن غير ذلك الزمن.
|