(قام قابيل على أخيه هابيل وقتله. فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين .فخرج قابيل هاربا وسكن في أرض نود شرقي عدن. وكان يبني مدينة ، فدعا اسم المدينة كاسم ابنه حنوك).(1) اتفقت الكتب المقدسة وأيدها القرآن على حصول أول مأساة في التاريخ، وهي اصدق الحديث. ولو بقيت مدينة (حنوك ذات القار). وآثارها التي بناها قابيل بعد فراره من دم أخيه ، لو بقيت إلى هذا اليوم لما حصل اللغط التاريخي، ولكن هذه هي سنن التاريخ تُمحي كل أثر بطوفان او بغيره ، ليحل محله أثر جديد.
هو سؤال وردني من أحد الإخوة عن سر تشابه بعض المدونات التاريخية مع النصوص الدينية. بحث مختصر.
التاريخ في تشريعاته سارق من الكتب المقدسة أو ناسخ أو مقتبس. فأقدم الألواح والصحف والكتب التي سبقت الحضارات القائمة تجد تأثير تشريعاتها وقصصها في مدونات أغلب الحضارات اللاحقة الكبرى حتى الذي عند الناس ما يُطلق عليه الحكايات الشعبية أو الأساطير في واقعها هي قصص مقدسة ونصوص دينية نزل بها وحي ولكن تغيرت على يد الإنسان بالتدريج ،لأن التدوين كان معدوما أو صعبا فيتناقل الناس تراثهم شفاها فتضاف إليه من المخيلة أشياء كثيرة.
خذ مثلا قصة الطوفان كانت مذكورة في ألواح نوح كتبها باللغة السامانية وذكرها الرب كعقوبة وعبرة للعصاة، ولكنك عند البحث تجد قصة الطوفان في كل حضارة على وجه الأرض.(2) وكذلك مثلا القوانين أو التشريعات في مسلة حمورابي (3) كأول قانون في مسلته .هذه القوانين في أصلها تعود للنبي نوح في شريعته ونوح سابق لحمورابي بأكثر من ألف وخمسمائة عام وهي موجودة تشريعا. وكما تعلم أن شريعة نوح سبقت مسلة حمورابي بسنين طويلة، فكيف انتقلت شريعة نوح لحمورابي ، وأحكامها نفسها نزلت فيما بعد للنبي موسى.(4) لا بل وجود هذه التشريعات في كل دين نزل. وهكذا عندما تجد أن هناك تشابها بين النص الديني والنص التاريخي فهذا يعني أمور ، منها :
الأول: أن التاريخ هو الذي سرق أو اقتبس او نسخ من دين موجود لأنه رأى أنها تدعم ملكه وحكمة وأن فيها حكمة وأن الناس تُقدّس هذه النصوص وتنقاد بسهولة من خلالها.فتحاول كل جهة توضيفها لمصالحها.
الثاني : أن النص الموجود والمدون في التاريخ هو نص ديني نزل به وحي على نبي ولكن تم تحريفه بما يخدم كهنة المعبد تزلفا للحاكم وهذا ما اتفق عليه القرآن والتوراة .(يحرفون كلامي، يحرفون الكلم عن مواضعه .. ليشتروا به ثمنا قليلا). (5)
ولمّا كانت النصوص الدينية المسروقة او المقتبسة عالية المضامين ولا تصدر عن أناس عاديين وأن الناس يعلمون بأن هؤلاء الكهنة أو الملوك غير قادرين على االاتيان بمثلها ، ادعى هؤلاء الملوك أنهم آلهة أو أبناء آلهة. وزعم من قام بالسرقة من كهنة المعابد وسدنة الملوك بأن الوحي (الروح القدس) يأتيهم في المنام. كل ذلك من أجل التغطية على أصل النص المسروق. كما رأينا في أغلب الجداريات والمدونات التاريخية أن الملوك كانوا يسرقون بعضهم إنجازات بعض، وطمس ما لا يعجبهم منها.
لهذا السبب تتابع نزول الأنبياء برسالات جديدة لتصحيح ما يتم تشويهه وتبديله وتغييره.
أمثال هذا الخلط واللغط حول تشابه النصوص هو الذي دفع بعض أنصاف القساوسة أن يقولوا لي ــ على سبيل المثال ــ لماذا تهتمين بما عند المسلمين وهو مسروق من الإنجيل والتوراة. فقلت لهم : لم أفهم كيف يكون مسروق. قالوا أن محمدا نسخ بعض قصص التوراة وتعاليمها وكتبها في القرآن ، فزعم أنها وحي.
فقلت لهم عجيب أمركم .
أولا : إذا كنتم تعتقدون بأن ما في القرآن هو نسخ من التوراة والإنجيل لماذا لا تؤمنوا به ، لماذا تُحاربوه .
الثاني أن القرآن الذي يصف التوراة والإنجيل بالتحريف كيف يقوم بالنسخ منهما. فسكتوا كأنما الجمتهم بلجام من نار.
المصادر :
1- سفر التكوين 4 : 17. و: سورة المائدة آية : 30. على ضوء أقدم نص ديني فإن مدينة حنوك تقع في أو حول مدينة الناصرية في جنوب العراق. لأن النص الديني يُحدد مكان بنائها كأول مدينة بالقرب من (عدن). وعدن كما يتفق كل المفسرين هي جنة آدم في الناصرية في أهوارها.
2- يقول وليم شي، هو باحث في معهد بحثي للكتاب المقدس في ماريلاند في أمريكا، إن أول مدينة قبل الطوفان ذكرت في قائمة الملوك السومريين كانت إريدو.ان الطوفان محى كلا المدينتين.
3- ان كثير من الباحثين في دراستهم لتلك الفترة وضحوا بان الملك حمورابي هو الذي تكلم عنه سفر التكوين بإسم (امرافل) ملك شنعار فتقول : (و حدث في أيام امرافل ملك شنعار و اريوك ملك الإسار و كدرلعومر ملك عيلام و تدعال ملك جوييم).() سفر التكوين 14 :1. هؤلاء كلهم معاصرون للملك حمورابي (أمرافل) وامرافل هو واحد من الأربع ملوك الذين هزمهم إبراهيم النبي عندما أغاروا في نواحيه و سبوا شعوب المنطقة ومنهم لوط ابن اخيه، ومذكورة قصتهم في التوراة.
4- الفترة الزمنية بين حمورابي وموسى اكثر من 400 سنة بقليل. ولكن حمورابي كان معاصرا للنبي إبراهيم والنبي لوط . حمورابي مذكور في التوراة في سفر التكوين 14 تحت إسم (أمرافل ملك شنعار). وهذا ما ذهب إليه اكثر المستشرقين والباحثين المسيحيين. وحمورابي ليس صاحب أقدم شريعة او تشريع فقد سبقته شريعة نوح بألف وخمسمائة سنة وفيها ما يشبه تشريعات حمورابي لا بل أكثر منها . وشريعة نوح موجودة في التلمود باللغة العبرية، ويسمونها اليوم (universal laws). وهي الأساس لكل الشرائع، حيث تتضمن الوصايا التي أعطاها نوح لأبنائه سام وحام ويافث بعد الطوفان.
في الرابط أدناه شريعة نوح النبي من التلمود.
https://en.wikipedia.org/wiki/Seven_Laws_of_Noah
5- سفر المزامير 56: 5. و : سورة النساء آية : 46.
|