لست محللاً عسكرياً، ولا مخططاً إستراتيجياً، ولكن وفق جميع القراءات المنطقية الأولية، والتراكمية، والمرحلية، فينبغي على إيران أن لا تنجر لـ(قواعد الاشتباك) الجديدة التي فرضتها إسرائيل من خلال عدوانها السافر على القنصلية الإيرانية في دمشق الذي اسفر عن إستشهاد عددٍ من القادة المبرزين في الحرس الثوري.
بمعنى، أنَّ أيَّةَ ضربةٍ إيرانيةٍ ثأريَّةٍ أو إنتقاميةٍ لأهدافٍ إسرائيليةٍ مباشرةٍ في الداخل الإسرائيلي، او للمقار الدبلوماسية الإسرائيلية في المنطقة والعالم، ستكون بمثابةِ خضوعٍ تامٍ إيرانيٍ لـ(قواعد الاشتباك) الجديدة التي فرضتها تل ابيب قسراً عبر عملية قصفها للقنصلية الإيرانية في دمشق، وبالتالي إنجرارٌ إيرانيٌ لتوقيت الحرب المفتوحة التي يريدها نتنياهو في هذا المرحلة بشدة للخلاص من الضغوط الإسرائيلية الداخلية المهولة، ولأعطاء الذرائع الميدانية والعملياتية لواشنطن كي تنخرط في الحرب المباشرة ضد طهران، او على الأقل في فتح بوابة المرحلة الأخيرة العظيمة من الدعم والمساندة الأميركية لإسرائيل بموافقاتٍ جمهوريةٍ وديمقراطيةٍ معاً.
قواعد الاشتباك غير المعلنة التي حكمت المرحلة الفائتة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية ونتنياهو وبطانته كانت تنفذ وفق حسابات ومشاعر مضبوطة من الجانبين، والتدرج فيها كان مرحلياً، غير أن قصف القنصلية الإيرانية في دمشق جهاراً نهاراً وبطائراتٍ اسرائيليةٍ حربيةٍ، هي مرحلة يمكن وصفها بـ(هروبٍ إسرائيليٍ الى الامام)، نظراً لان حلقة الضغوط الهائلة باتت تضيق على رقبة نتنياهو الذي يعيش حالة عراكٍ وصراعٍ محتدمٍ ليس مع حزبه واقطاب حكومته فحسب، بل حتى مع دائرته العسكرية الضيقة التي تتخذ القرارات العملياتية منذ بداية عملية (طوفان الأقصى).
وطبق كل الحسابات المنطقية، فإنّ من مصلحة نتنياهو بشدة ان يجر ايران الى حربٍ مفتوحةٍ وفقاً للتوقيت الذي يرتأيه هو ، ووفقاً لما يراه ويخطط له من حساباتٍ عسكريةٍ ولوجستيةٍ واستراتيجية، ومؤكد ان الانخراط الإيراني في حربٍ مفتوحةٍ مع إسرائيل (إستجابةً للتوقيت الإسرائيلي) سيكون دون ادنى ترددٍ ليس في صالح إيران مطلقاً، ولذا تجد ان نتنياهو كَشَّرَ عن انيابه في هذه المرحلة بصورةٍ عنيفةٍ وتتصف بنوعٍ من الحمق الاستراتيجي، فهو انطلقَ بإستهداف المزيد والمزيد من الشخصياتِ العسكرية الإيرانية في بقاعٍ سوريةٍ ولمراتٍ عديدة، في مسعىً حثيثٍ لإجبارِ طهران وحملها على اتخاذ قرارِ الحرب المفتوحة ضد تل ابيب وفقاً لتوقيته هو، والذي سيكون بمثابة شيءٍ من (طوقِ نجاةٍ ) أخير لنتنياهو الذي يدرك يقيناً أن المحاكم الإسرائيلية سوف لن ترحمه في اول ساعةٍ تمر عليه بعد وقف الحرب ضد حماس، فكل الافواه الإسرائيلية، حزبيةٍ، وحكوميةٍ، وقضائيةٍ، وحتى عسكريةٍ، تتحلب للنيل من نتنياهو الذي يعيش ما يُشبه مرض (الصرع ) على الصعيد السياسي بشكلٍ ملحوظ بشدة.
من هنا، فإن على أصحاب القرار في الجمهورية الإسلامية، إلتزام الحكمة المعهودة عندهم، وتحكيم العقل السياسي والعسكري المعروف عندهم، وعدم الانجرار الى توقيتات نتنياهو في تفجير صاعق الحرب المفتوحة مع إسرائيل والتي يريدها نتنياهو بشدة.
كما ان على الداخل الإيراني والنخب الإيرانية الكف عن ممارسة أيَّةِ ضغوطٍ اضافيةٍ على القيادة الإيرانية بغية حملها على ردٍ يوازي العدوان الإسرائيلي الأخير الذي استهدف القنصلية الإيرانية في دمشق، فإن هذا هو مطلبٌ إسرائيليٌ واضح، وليترك القرارُ الى عقلاء القوم في ايران ليدرسوا بدقة أبعاد الرد الإيراني ونوعيته وتوقيته طبقاً لما يروه هم مناسباً، وليس طبقاً للإرادة النتنياهوية اذا صح التعبير، ومؤكد أن الحزم وضبط النفس واختيار التوقيت المناسب للرد وطبيعة الرد، وعدم الانجرار خلف (إضطرابات الصرع السياسي) لنتنياهو هو عين العقل الايراني، ولب الصواب، بما يصب في صالح ايران ومحور المقاومة معاً. ولله الامر من قبل ومن بعد.
|