• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : طوفان الأقصى وعقيدة "الصدمة" .
                          • الكاتب : د . شامل محسن هادي مباركه .

طوفان الأقصى وعقيدة "الصدمة"


 كانت اتفاقيةُ إبراهام الموقعة بين الكيان الصهيوني الغاصب مع الإمارات ١٣ آب ٢٠٢٠، الدولة الثالثة بعد مصر التي وقّعت اتفاقية سلام في ١٩٧٩ و الأردن في ١٩٩٤، صدمةً كبيرة للشعب الفلسطيني، ثم اعقبها إنضمام البحرين و المغرب السودان ليزيدوا السواد على القضية الفلسطينية.

أصابت شعبَ فلسطين صدمةٌ وهو يرى ضياعَ قضيته في قصور و عروش دول الخليج، حتى وصلت إلى الدولة الاسلامية التي تضم اقدس بقاع الأرض، بيت الله الحرام، مملكة ال سعود، لتكون الصدمةَ الكبرى عند الفلسطينين.

نشرت صحيفة رويترز مقالاً في ٢ شباط ٢٠٢٤ تحت عنوان "السعودية تضغط من أجل إبرام اتفاقية دفاعية أمريكية قبل الانتخابات الرئاسية"، (Saudi Arabia pushes for U.S. defence pact ahead of presidential election). يذكر المقال: الرياض لن تُصر على أن تتخذ إسرائيل خطوات ملموسة لإنشاء دولة فلسطينية، وستقبل بدلاً من ذلك "التزاماً سياسياً" بإقامة دولة فلسطينية. يسترسل المقال: من شأن اتفاق التطبيع أن يعزز أيضًا دفاعات إسرائيل ضد خصمها اللدود إيران ويمنح الرئيس الأمريكي جو بايدن نصرًا دبلوماسيًا…، إذا أوقفت إسرائيل هجومها العسكري على غزة - أو على الأقل أعلنت وقف إطلاق النار - فسيسهل ذلك على المملكة العربية السعودية المضي قدمًا في التطبيع.

تذكر الاستاذة الكندية نعومي كلاين في كتابها " عقدية الصدمة"، (The Shock Doctrine) عن كيفية علاج الصدمة بالصدمة، حيث تقول في صفحة ٣٣٢: تعد الصدمة والرعب عقيدة عسكرية تفتخر ليس فقط باستهداف القوات العسكرية للعدو، ولكن، كما يؤكد مؤلفوها، "المجتمع ككل" - فالخوف الجماعي هو جزء أساسي من الاستراتيجية.

ثم تسترسل الحديث فتقول في صفحة ٣٣٣: تماماً كما كانت النظرية وراء غزو العراق. غالبًا ما يتم تقديم الصدمة والرعب على أنها مجرد استراتيجية للقوة النارية الساحقة، لكن مؤلفي هذا المبدأ يرون أنها أكثر من ذلك بكثير: فهي، كما يزعمون، "مخطط نفسي متطور يهدف مباشرة إلى الإرادة العامة للخصم". 

من هنا نستطيع القول أن حركة حماس و الجهاد الإسلامي أختاروا علاج الصدمة بالصدمة ليولِد عصرٌ جديدٌ من المواجهة بين العدو الاسرائيلي والفلسطينين، فكانت صدمة طوفان الأقصى علاج للصدمات التي ضربت القضية الفلسطينية، وكانت بنفس قوة صدمة التطبيع الذي حصل والذي كاد سيحصل مع مملكة ال سعود.

نحن لسنا ثوريين، و لسنا في مقام مقارنة الخسائر الفادحة التي تعرض لها الفلسطينيون من الأرواح، وتدمير كامل للبنى التحتية والممتلكات الخاصة والعامة، لكننا نحاول أن نُعطي تفسيراً على تبني الفلسطينيين علاج الصدمة بالصدمة.

أعادت الصدمة القضية الفلسطينية إلى الرأي العام العالمي، و أماطت اللثام عن قضم العدو الاسرائيلي الأراضي الفلسطينية منذ حرب ١٩٦٧، وأحيت مظلومية الشعب الفلسطيني في أذهان الشعوب، هذا ما كانت تبحث عنه حركة حماس.

أما على الصعيد الأمريكي، فلم يُسجّل التاريخ تأثير القضية الفلسطينية في الانتخابات الرئاسية الأمريكية قط، كما يحصل اليوم.

أظهر استطلاع حديث نشرته صحيفة نيوزويك في ٨ نيسان تحت عنوان "انخفضت شعبية جو بايدن بشكل كارثي بسبب إسرائيل"، (Joe Biden's Approval Rating Has Catastrophically Fallen Over Israel). تذكر الصحيفة: أظهر الاستطلاع أن استياء الناخبين الأمريكيين من تصرفات بايدن في الأزمة قد تزايد بشكل حاد منذ كانون الاول.
أن المجرم بايدن يواجه تدني غير مسبوق في دعم الشعب الأمريكي في انتخابات تشرين الثاني القادم، في قبال المرشح الأوفر حظاً دونالد ترامب. أنعكست حرب غزة على ناخبي الولايات المتأرجحة كولاية مشيغان، حيث صوت اكثر من ١٠٠ الف ديمقراطي بـ "كلا"  لبايدن في الانتخابات التمهيدية التي أجريت في ٢٦ شباط الماضي. في انتخابات ٢٠١٦، نجح ترامب في مشيغان بفارق ١٠ الاف صوت في قبال هيلاري كلنتون.

في الوقت الذي يندد فيه بايدن ارتفاع عدد القتلى من الفلسطينيين، بعث إلى العدو الاسرائيلي قبل ايام ١٨٠٠ قذيفة تزن الواحدة ٢٠٠٠ رطل اي ما يقارب ٩٠٠ كيلوغرام من القنابل التي تمحي الواحدة منها مساحة اكثر ألف متر مربع. هذا بكل تأكيد سيقضي على حياة المجرم بايدن سياسياً. (راجع مقال واشنطن بوست "إدارة بايدن توافق على المزيد من الأسلحة لإسرائيل"، Biden administration approves more weapons for Israel، في ٢٩ آذار ٢٠٢٤)

أما على مستوى العدو الاسرائيلي فقد فاق كل التوقعات، حيث نشرت صحيفة وول ستريت جورنال مقالاً في ٧ نيسان ٢٠٢٤، تحت عنوان "في ستة أشهر، تغير كل شيء بالنسبة لإسرائيل"، (In Six Months, Everything Has Changed for Israel). حسبما جاء في المقال؛ نضعه في نقاط:
١- بعد ان تعرضت إسرائيل لهجوم دموي، أصبحت أقرب إلى المنبوذة عالمياً من أي وقت مضى. 
٢- اتفاق التطبيع السعودي الخاص بها معلق.
٣- إسرائيل في جدال مفتوح مع حليفتها الرئيسية، الولايات المتحدة. 
٤- تقلصت مساحة معيشتها المادية بسبب المخاطر على حدودها الشمالية والجنوبية.
٥- تضاءل تدفق التعاطف العالمي الذي ظهر بعد أسوأ هجوم على اليهود منذ المحرقة.
٦- حلّت صور الفلسطينيين الجائعين والقتلى في غزة في جميع أنحاء العالم محل صور مذبحة المستوطنين اليهود.
٧- دفع مقتلُ سبعة من عمال الإغاثة الولايات المتحدة لاعادة التفكير بدعمها إسرائيل.
٨- إرتفعت موجة معاداة السامية وأثارت قلقها ليس فقط الإسرائيليين، بل اليهود في جميع أنحاء العالم.
٩- إنهيار إقتصادي كامل داخل إسرائيل، حيث اضطر مئات الآلاف من جنود الاحتياط إلى ترك وظائفهم للقتال.
١٠- تحطّم فكرة الجيش الاقوى في المنطقة، فإسرائيل غير قادرة على حفظ أمن المستوطنين.
١١- ينظر الكثير من دول العالم على إسرائيل بانها المعتدي ومهاجميها الضحايا.
١٢- تمزيق النسيج الاجتماعي بين المتشددين دينياً، الحريديم، و الليبراليين اللذين يطالبون بانضمام الحريديم للجيش.
١٣- انقسامات بين أعضاء حكومة نتنياهو الحربية.

في غضون ستة أشهر، انقلب العالم رأساً على عقب بالنسبة لهذ الكيان الصهيوني الغاصب. في السابع من تشرين الأول شهد العدو الاسرائيلي "صدمةً" جوهريةً في حاضره ومستقبله.

قال المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس: "إن طول عمر إسرائيل أصبح موضع شك للمرة الأولى منذ ولادتها. المرة الوحيدة التي واجهت فيها إسرائيل تهديدا وجوديا مماثلا كانت في حربها من أجل الاستقلال عام ١٩٤٨".

كما قال ميكا جودمان، الكاتب والفيلسوف الإسرائيلي: "إن إسرائيل تواجه معضلة حيث تريد أن يحبها الغرب، لكن يجب أن يهابها أعداؤها في الشرق الأوسط لضمان وجودها على المدى الطويل. هذا هو المأزق الذي نحن فيه".

مع كل ما تقدم، خسائر الفلسطينيين لا تُقدر. وقف العالمُ عاجزاً عن إنهاء آلة الحرب المدمرة، وهو يرى تجاوز عدد الضحايا الفلسطينيين الثلاثة وثلاثين ألفاً.  فقدت الحكومات إنسانيتها، وماتت ضمائرها.

تقول هنّة أرندت في مقدمة كتابها "أصول الشمولية"، (The Origins of Totalitarianism)، وهي تنعى الحضارة الغربية: لم يعد بوسعنا أن نأخذ ما كان جيدا في الماضي ونسميه ببساطة تراثنا، وأن نتخلص من السيئ ونفكر فيه ببساطة باعتباره حملا ميتا سوف يدفنه الزمن في طي النسيان. التيار الجوفي للتاريخ الغربي برز أخيرا إلى السطح واغتصب كرامة تقاليدنا. هذا هو الواقع الذي نعيش فيه. ولهذا السبب كل الجهود المبذولة للهروب من كآبة الحاضر إلى الحنين إلى الماضي الذي لا يزال سليما، أو إلى النسيان المتوقع من مستقبل أفضل، هي عبثا.

٩ نيسان ٢٠٢٤




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=192477
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2024 / 04 / 09
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 3