افترضنا في الحلقة الثالثة من هذه السلسلة بأن حل الأزمة الحكومية التي يعيشها العراق بعد ما يقرب العامين على تشكيل حكومة السيد نوري المالكي لحكومته الثانية يكمن في حل البرلمان وتشكيل حكومة جديدة ،والسؤال هو على أي الأسس يتم التشكيل ؟ هل بموجب انتخابات القائمة المغلقة والتي جاءت بحكومة إبراهيم الجعفري ؟ أم بالقائمة المغلقة المفتوحة التي جاءت بحكومة السيد المالكي الأولى والثانية ؟ وتطرح هذه الأسئلة بسبب إن العراق لا زال لا يعرف على أي نظام انتخابي يستقر ففي كل موسم انتخابات سواء تشريعية عامة أم لمجالس المحافظات تبرز هذه المعضلة ولتخضع في النهاية للمساومات والتنازلات المتقابلة بعد أن تضع الأطراف المشاركة في العملية السياسية البلد على كف عفريت ،وتمارس الفضائيات دورها التشنجي من خلال نواب ونائبات الأزمة الذين لا هم لهم إلا الظهور من على الشاشة وكل يوم وفي أكثر من فضائية ويتوزع هؤلاء على كل الكتل النيابية تقريبا.
وسؤال مهم جدا ،هل تبقى القوائم والكتل الطائفية والقومية متحكمة على المشهد السياسي بعد الحل ،أم هناك واقع وحراك سياسي سيشهده العراق بعد هذا الإجراء ؟
وهنا افترض مرة أخرى إن أمريكا قد انسحبت من العراق كليا وإن أغلب القوى العراقية الفاعلة تمتلك قرارها بيدها .
تكمن الحلول في الدعوة إلى مؤتمر وطني شامل ولا يقتصر على أطراف الأزمة الحاليين ،وهذه الدعوة يوجهها رئيس مجلس القضاء الأعلى أو رئيس المحكمة الاتحادية باعتبار إن الرئاسات الثلاث تحولت إلى مهام تصريف أعمال بحل البرلمان الذي انتخبهم وباعتبارهم جزء لا يتجزأ من الأزمة وإن ابتعد السيد رئيس الجمهورية (جلال الطالباني) إلا إنه يبقى زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني حليف السيد مسعود البارزاني ولأجل ضمان الحيادية الكاملة نقترح أن تكون الدعوة من قبل القضاء وليكون هو الراعي وهو الضامن الفعلي والواقعي والقانوني والأخلاقي .
تشمل الدعوة مندوبي جميع المحافظات من سياسيين حاليين وسابقين ،والمثقفين والفنانين ،والأدباء والكتاب ،والمحامين والأطباء ،والمهندسين وأساتذة الجامعة والمعلمين ،والفلاحين والعمال ، ورؤساء وزعماء العشائر بطبيعة الحال ،على أن يجتمع هؤلاء كل في محافظته وينتخبون مندوبين عنهم يمثلونهم في المؤتمر الوطني العام ،وانتخاب هؤلاء يتم بإشراف القضاء ،على أن يكونوا ملزمين بصياغة وتقديم مقترحاتهم باسم المحافظة التي سيقدمونها إلى المؤتمر العام الوطني الشامل ،يقدمون هذه المقترحات إلى المؤتمر العام في المحافظة الذي انتخبهم ويجب أن يوافق عليه ،على تصاغ من قبل مختصين في القانون والعلوم السياسية وأصحاب الكفاءة والخبرة السياسية والثقافية .وكذلك يجب أن لا ننسى إن هناك كفاءات حزبية وسياسية وثقافية عراقية ظلت في مهجرها دون أن يدعوها أحد ولو للمشورة وأعتقد قد حان الوقت للاستفادة من خبراتهم وتقديم مقترحاتهم أيضا .
على أن لا تتقاطع المقترحات مع الدستور القائم إلا إذا كانت هناك مقترحات لتغيير بعض فقرات الدستور فهذا شأن آخر يوضع في محله ،وبالإلزام يكون أعضاء مجالس المحافظات الحاليين والسابقين وأعضاء مجلس النواب الحاليين والسابقين لما امتلكوه من خبرة ودراية سياسية وعملية في هذا المجال ويكون مؤتمر المحافظة برئاسة رئيس منطقة الاستئناف أو رئيس المحكمة في المحافظة .
من أهم الأمور التي يجب التأكيد عليها هي 1- الحفاظ على وحدة العراق أرضا وشعبا .2- ثرواته ملك للجميع ويجب وضعها ضمن خانة الشؤون السيادية أي إن الحكومة المركزية هي صاحبة القرار في ذلك وأن يشار على هذا الأمر بمفردات صريحة غير قابلة للتأويل أو الخلاف .3- التعليم اتحادي وتبقى وزارة التربية مركزية والمناهج أيضا مركزية لأهميتها القصوى في تربية النشأ الجديد على الحفاظ على وحدة البلد .4- القوات المسلحة يجب أن تكون للعراق جميعا وأن يكون القرار الأمني مركزيا وبنص صريح غير قابل للتأويل .
5- الخطاب السياسي العراقي والمواقف التي تتخذها الحكومة العراقية بشأن مجريات الأحداث في العالم يتم تبنيها أو عدم معارضتها أمام الأطراف الخارجية ،وهذا لا يعني عدم إبداء الرأي حولها داخل العراق وانتقادها لكن عندما يلتقي زعيم معارضة في البرلمان العراقي أو خارجه مع أي جهة خارجية عليه أن يطرح الموقف الرسمي العراقي كما هو حاصل في البلدان المتقدمة .
6- ولرسم السياسة الستراتيجية الكبرى للعراق ولأجل تلاق وتفاعل الأفكار فيما بينها ،يصار إلى تشكيل مجلس أمن قومي يرأسه رئيس الجمهورية إن عُدل الدستور وتحول شكل النظام من برلماني إلى رئاسي وهو الأصلح للعراق على أن يكون انتخابه عن طريق الاقتراع المباشر من قبل الشعب ،أما لماذا هو الأصلح فلأن المرشح سيقوم بجولات في كل أنحاء العراق ويطرح برنامجه أمام أبناء الشعب مباشرة ،أما إذا بقي النظام على حاله البرلماني سيتم انتخاب رئيس الوزراء على أساس مناطقي وكذلك رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب حتى لو شُرع قانون الأحزاب .أقول يرئس هذا المجلس رئيس السلطة التنفيذية ويضم في عضويته أ- وزير الخارجية .ب- وزير الدفاع ووزير الداخلية أيضا.ج- وزير المالية .د- مدير المخابرات العامة .ه – رئيس أركان الجيش .ح مستشار الأمن القومي ،مع أي شخص يرتئيه المجلس للمداولة وبطبيعة الحال يجب أن يكون البرلمان ممثلا في هذا المجلس المهم بشخص رئيسه .
7- لا توجد وزارة سيادية وأخرى خدمية وأيضا وزارة درجة ثالثة .كل الوزارات سيادية ،فهذا المبدأ يبعد المساومات وشراء الذمم من أجل الوصول إلى هذه المناصب حيث تشير بعض الأنباء إلى تسعيرة خاصة لكل وزارة حسب ترتيبها الرسمي .8- الاتفاق في المؤتمر الوطني العام على مبدأ الأعراف العشائرية خارج النطاق الرسمي لما سببته هذه القضية من شلل في إدارة البلد خشية (الكوامة العشائرية).
9- التأكيد على لا مركزية الحكم على أن تمنح المحافظات صلاحيات تتيح لها بناء البنية التحتية المدمرة وبناء المشاريع الصناعية والزراعية وغيرها وعلى أن تفك الصلاحيات المتداخلة بين الوزارات الخدمية وبين مجالس المحافظات وبما أن عمل مجالس المحافظات وفي أغلبه يتداخل مع عمل وزارة البلديات يحبذ إلغاء هذه الوزارة .
10- فك الصلاحيات المتداخلة بين المحافظ ومجلس المحافظة ،فمن الملاحظ إن المحافظ ومجلس المحافظة محكومان بقانون (21) المعدل لسنة 2008لكن المحافظ لديه قانون آخر يسير بموجبه عندما يجد إن طريقه مسدودة أمام مجلس المحافظة ،وأعني بذلك قانون المحافظات لسنة 1969.
11- التأكيد على البرلمان القادم على تشريع قانون المجلس الاتحادي وهو الغرفة الثانية لمجلس النواب ومهمته المصادقة أو نقض قرارات وقوانين مجلس النواب .12- تفعيل وتنشيط الدور التشريعي لمجلس النواب وعدم الاقتصار على التصديق أو عدمه على مشاريع القوانين الواردة من الحكومة .
13- طيلة التحضير للانتخابات القادمة يكون المؤتمر الوطني العام رقيبا على أداء حكومة تصريف الأعمال .
بطبيعة الحال لا ندعي استيعاب كل ما يهم البلد في الوقت الذي أؤكد القول مرة أخرى مفترضا استقلال القرار العراقي الرسمي والحزبي عن مؤثرات الاحتلال الأمريكي أو تدخلات جميع البلدان المجاورة ،صغيرها وكبيرها،وربما تدخلات البلدان الصغيرة المحاددة للعراق أكبر من الأخريات ،وأقول إنها أفكار ومقترحات قابلة للنقاش ،وقابلة للرفض مثلما هي قابلة للقبول ،أو هي مجرد دعوة لكل المعنيين بالشأن العراقي من العراقيين على وجه التحديد لتقديم أفكارهم ورؤاهم ومقترحاتهم ،ويجب الضغط وفي كل الساحات الإعلامية على أن لا يقتصر المؤتمر الوطني على أطراف الأزمة فقط . |