• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : تصريحات أمنية ساخنة .
                          • الكاتب : محمد كاظم الموسوي .

تصريحات أمنية ساخنة

الملف الأمني في العراق وما يشهده من تعقيد على أرض الواقع, ومن تعثر في الأداء, مضافاً إلى تأثير التجاذبات السياسية, وخطورة التحديات الداخلية والإقليمية, يبقى بحاجة إلى النية الصادقة, والكلمة الطيبة, والتحليل الهادف, والتصريح  الواضح والواعي في الخطاب الأمني, وإلى تكاتف الجهود من الجميع لأجل رفع وإنهاء إغلاقات وتعقيدات المشهد الأمني العراقي.

فلسنا بحاجة إلى إثارات ومتاهات وجمل وكلمات ملتوية في الخطاب الأمني والتي من شأنها أن تزيد الملف الأمني تعقيداً وتلقي بضلالها على المشهد السياسي حيث تخلق هذه التصريحات الأجواء المناسبة لوضع بذرة الاتهامات بين الفرقاء السياسيين, في الوقت الذي نكون فيه بأمس الحاجة إلى اللحمة الوطنية التي تمثل روح العملية الأمنية وقلبها التكاملي.

إلا أننا وللأسف الشديد نشاهد ونسمع بين الحين والآخر تصريحات أقل ما يقال في تقييمها أنها تصريحات عفوية وغير مسؤولة وغير معقولة !! تصدر من جهات أمنية !! ناسية أو متناسية مسؤوليتها في الحفاظ على دقة المعلومة وعلى سريتها, وعلى التحري عن المنشأ والمصدر لهذه المعلومة, وعلى توخي الحذر والاحتياط في إطلاقها, فإن المعلومة وإن كانت تحمل بين طياتها شيئاً من المصداقية والحقيقة إلا أن إطلاقها لا يصح إلا بعد ملاحظة ماتقدم وملاحظة الزمان والمكان المناسبين وبعض الخصوصيات المهمة في نقل الخبر الأمني.

فإن إطلاق مثل هذه التصريحات ـ الخالية من الدقة والبعيدة عن الواقع والتي تحمل بين سطورها الشك والشبهة في مصداقيتها وموضوعيتها ـ سيزيد من تعقيد المشهد السياسي والأمني, وسيزلزل ثقة الناس بالقيادات الأمنية, وسيخلق جواً من تبادل الاتهامات, ليس بين الفرقاء السياسين فحسب بل حتى بين مكونات من الشعب العراقي, إلى غير ذلك من الأضرار والآثار السيئة المترتبة على إطلاق هذه العبائر اللامسؤولة.

ففي تصريح مثير وغريب وغير مسبوق حول الملف الأمني وعمل المؤسسة الأمنية, أكد عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان النائب السيد حاكم الزاملي في 4/7/2012  صحة المعلومات التي ذكرها النائب عن كتلة الأحرار في محافظة ديالى السيد حسين همهم الخفاجي بشأن إطلاق سراح  (2093)  ألفين وثلاثة وتسعون متهماً معظمهم من القيادات البارزة في تنظيم القاعدة وذلك بعد تغيير إفاداتهم وتغيير إفادات الشهود من قبل ضباط التحقيق. وأضاف الزاملي أن لدى لجنة الأمن والدفاع البرلمانية مؤشرات واضحة بهذا الشأن ولدينا معلومات عن طبيعة ما يجري أثناء التحقيق مع المتهمين حيث إن هناك بعض ضباط التحقيق من ضعاف النفوس يقومون بتغيير إفادات المتهم ثم التخلص من الأدلة التي تدين المتهمين بعد الاتفاق مع المجرمين من تنظيم القاعدة الإرهابي على إطلاق سراحهم لقاء مبالغ من المال. ثم أضاف الزاملي قائلاً: إن وجود ضباط مفسدين في الأجهزة الأمنية خاصة من ضباط التحقيق هو السبب الرئيس لعدم استتباب الأمن في البلد .

وخلاصة كلام السيد الزاملي: إطلاق سراح أكثر من ألفين متهم من قيادات وعناصر تنظيم القاعدة, واشتراك ضباط التحقيق بهذه العملية لقاء مبالغ من المال بالاتفاق مع مجرمي القاعدة, والطريقة المتبعة هي تغيير إفادات المتهمين وإفادات الشهود والتخلص من الأدلة, وأن لدى لجنة الأمن في البرلمان المؤشرات والأدلة الواضحة على ذلك.

وليس لدينا إلا أن نسأل العقلاء عن ذلك, أفهل يعقل إطلاق سراح أكثر من ألفين متهم في محافظة واحدة بالتحديد وبالتواطؤ مع ضباط التحقيق, أي وجود أكثر من ألفين حالة تواطؤ في مكان واحد, كل ذلك يمر من دون علم الجهات الرقابية والقضائية والإعلامية والصحافية, مع أن شغل الإعلام والصحافة هو البحث عن زلة للحكومة أو تغافل لمسؤول؟

ثم أين جهاز المخابرات؟ وأين الاستخبارات؟ وأين عناصر مكافحة الإرهاب؟ وأين عناصر الأمن الوطني؟ وأين أفراد الشؤون الداخلية؟ أفهل ضرب الله على آذانهم جميعاً ولم يفيقوا من غفوتهم ولم يطلع أحد منهم على ذلك سوى نائبين فقط ومن كتلة واحدة.

ثمَّ لماذا لم يطلع أحد من بقية الكتل النيابية على ذلك؟ ولماذا خص الله العلم بهذا الأمر بكتلة الأحرار فقط دون غيرهم من الكتل؟ فهل لفشل لعبة سحب الثقة من حكومة السيد المالكي دخالة في ذلك؟

ثم كيف يمكن تعقل مرور أكثر من ألفين حالة لتغيير إفادات المتهمين مع تعدد وتنوع واختلاف ضباط التحقيق وقضاة التحقيق والمسؤول الأمني ولجان الحفظ والمتابعة؟ فهل جميع ضباط التحقيق وقضاة التحقيق ولجان المتابعة في محافظة ديالى متواطؤن مع الجماعات الارهابية ولم يوجد فيهم من اطلع على هذا الأمر وكشف خباياه؟

ولو قيل أن إطلاق سراح هذا العدد كان على طول سنة كاملة لا في دفعة واحدة, بمعنى أن حالات التواطؤ حصلت بالتتابع على طول الزمان. فهذا أحرى ببطلان هذا الكلام وزيف هذا التصريح, وذلك لعدم معقولية أن يستمر مسلسل التواطؤ يوماً بعد يوم ولمدة سنة كاملة وفي محافظة واحدة والكل غافل عن ذلك, فالمؤسسات الأمنية والرقابية والقضائية والصحافة والإعلام جميعها في سبات عدا نائبين فقط.

ونحن لا ننكر وجود فساد في المؤسسة الأمنية, ولاننكر ووجود ضباط ذوي نفوس مريضة يرجحون مصالحهم الشخصية على حساب المصلحة الوطنية وعلى حساب أرواح الآخرين, ونعترف بوجود فساد مالي وإداري في المؤسسة الأمنية ولكن لا بهذا المعنى اللامعقول الوارد في تصريح السيد عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية.

يجب تحري الدقة والموضوعية والعقلانية في مفردات التصريح الأمني وغيره, ويجب أن يحافظ التصريح بمفرداته على استقلاليته, بمعنى أن لا تتأثر مفردات التصريح الأمني بالواقع السياسي والخلاف السياسي, فالكل خطاب هدف وغاية لابد أن يصل إليها, فالخلط بين الأمور خلط بين الحقائق, وهذا يقتضي أن الناطق الأمني أو من يتولى التصريح في مسائل الأمن يجب أن يكون واعياً فطناً, ذو حس أمني فعال, خبير برصف الكلمات مع دقة في التعبير, والأهم من هذا كله ملاحظة المصلحة الأمنية والوطنية وإعطائها الأولوية فوق كل الاعتبارات والانتماءات الحزبية والطائفية والقومية.  




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=19417
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 07 / 13
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18