في عيد الفطر الفائت كانت الناس بشكل عام مأخوذة ومشدوهة بما يحصل في قطاع غزة من مذبحة (صبرا وشاتيلا) يومية وإبادة لا مثيل لها بتاريخنا منذ النكبة عام 1948م في قطاع غزة المكلوم، وبشكل مصغّر بمايحدث بالضفة الغربية وخاصة مخيمات الشمال.
ولأن الجماهير مأخوذة ومصدومة، والعيد ارتبط برمضان، كنت ترى قليل من التحفظ بالتعبير عن الفرح أو السعادة بالعيد. رغم وجود مجموعة من التماسيح لم تأخذها ب(مجون الفرح) لومة لائم!
(قوله تعالى في قصة قارون: "إن الله لا يحب الفرحين" بمعنى: الفرح الذي يصحبه الكِبر، والبغي، والعدوان على الناس، وهنا نضيف الفرح المرتبط أيضًا بالتمسحة وبانعدام الاحساس والكذب ما بين التنظير والواقع).
عدد من الفلسطينيين مما رأيت، وسمعت عنهم وهم اولئك على الأقل بالضفة الغربية وفي البلد العزيز المجاور ينخرطون في التعامل مع العدوان الفاشي على غزة وكأنهم بعيدين عن حرارة العدوان! رغم أنه يطالهم في الضفة الغربية حتى أبواب بيوتهم! فالقتل اليومي والإبادة والتهجير متواصل هنا وهناك مع اختلاف الكثافة والشدة والتوحش.
ضمن جمع احتفالي قالت لي سيدة مرموقة معبّرة عن فرحتها الغريزية بوضعها: الحمد لله أننا بعيدون عن الحرب!؟ وهي تقيم على بعد بضعة كيلومترات من غزة هنا بالضفة! وهي وأمثالها ممن أقمن وأقاموا الاحتفالات ترحيبًا ب"المقا.و.مة" بمعنى العمل الم.سلح. وصمود أهل غزة!؟
علمت لاحقًا أن هذه المجموعة-ومثلها تجد بأماكن أخرى- التي لا ترى الأذى الا إذ دخل بيتها أو عائلتها تمثل فئة تعيش التناقض بين الحث على ودعم موت الآخرين! بادعاء أنه شهادة قدرية "يُحضَ" عليها؟! ولا يجوز التقلت منها! حتى أن هذه المجموعة المتكاثرة من الرجال والنساء تستشيط غضبًا حين تجد أحد أبناء قطاع غزة قد نجا من الحرب!؟ فالنجاة مرفوضة والموت المجاني يصبح واجبًا عليهم! لا يجوز النجاة منه!؟
(شهيد الدنيا والآخرة: هو الذي يُقتل في قتال مع الكفار، لتكون كلمة الله هي العليا، مقبلا غير مدبر، مبتغيا بذلك وجه الله تعالى، أما شهيد الآخرة: فهو المقتول ظلما من غير قتال...وأصناف أخرى، ليس منها من يتم دعوته للاستسلام للموت المجاني بالقصف غير القابل للرد)
خطب أحدهم موبخًا من يطالب بوقف الحرب على غزة ومسلسل القتل والإبادة للعُزّل من المدنيين؟ قائلًا -بلّيّ عنق الآيات- إن الموت في سبيل الله أقصى أمانينا! (من المفترض المقصود هنا هم المبادرون من المقا..ومين الثو..ار المكا.فحين بكل الوسائل وليس الشعب الأعزل) فقام له من قال: إذهب أنت وأولادك الى غزة يا شيخ لتحقق أغلى أمانيك؟! فسكت وأصبح الموضوع فضائل العيد!
في الضفة الفلسطينية وفي البلد العزيز المجاور لنا تجد ، أمثال هذه التماسيح التي ليس لها من الاحساس الا اللهم جنّبنا الفتن! وكأن العدوان الفاشي في غزة لا يصيبه، أو كأنه ليس أشد من الفتنة الآن؟! وبدلًا من تجنبه يطالب بتعميقه ليكثر عدد الشهداء الذاهبين الى الجنة، على شرط ألا يكون هو وأولاده منهم!؟
في عيد الأضحى الحالي عندما تجولت بالبلد-ما يتاح لنا صهيونيًا الحركة في حدوده-ووجدت الأعداد التمساحية تتزايد في المقاهي والمطاعم ومراكز التسوق بنهم عجيب!
ووجدت راكبي الدراجات النارية المتهورين يتكاثرون كما ذباب الصيف، وكذلك التماسيح التي أدمنت البكاء الظاهري على الضحايا-بعيدًا عنهم-كما أدمنت دعم الكفا.ح المسل.ح وأيضًا دون أن يكون أي منها فيه!
وكل منهم يضحك ويقهقه بصوت عالٍ حتى إنني نظرت في وجه أحدهم يمارس تنظيراته الثور..ية وشعاره الكبير (لاعيد بلا غزة!) وهو بين مجموعة من أسرته الممتدة في أحد المطاعم فانتبه لي متفاجئًا وقطّب جبينه وأدار رأسه بالاتجاه الآخر! كأنه لم يراني وهو أحد أبطال تنظيرات الشها..دة والنصر. والثو.رة، والصمو.د بمعنى واجب الموت المجاني، دون خجل أوإحساس أو رادع أخلاقي ذاتي.
أرسلت للمذكور-والتماسيح أمثاله- على أحد وسائل التواصل الاجتماعي أقول: ضمن واقع الناس اليومي بالعيد وجدت عدم الاحساس "التمسحة" لحد القرف! في التعامل مع كارثة جريمة إباد.ة مذبحة (غزة وصبرا) اليومية في غز.ة، وكأن هذه التماسيح قد استعاضت عن دعم غز.ة، أو على الأقل الاحساس العملي بآلام وفجائع شعبنا البطل هناك بدعوتها الغزيين للمو.ت تحت إدعاء (الشهادة) وكأن قدرهم هو القتل المجانيّ!؟ ليستسلموا له، فأراحوا أنفسهم وتمسحوا. وكما قال أحدهم: لم لا تضعوا أنفسكم أنتم مكانهم و"تستشهدوا" أنتم وأولادكم في تبادل أدوار!؟
كل الدعوة لوقف نزيف العدوا.ن الفاشي اليوم قبل غدًا. فشعبنا في غزة بطل وعظيم نعم، ويحب الحياة بالتأكيد كما تحبها حتى التماسيح.