• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الائتلافات .... لقاءات بلا تلاقي .
                          • الكاتب : حمزة علي البدري .

الائتلافات .... لقاءات بلا تلاقي

إن الراصد والمتتبع للمشهد السياسي العراقي يجده مشحونا بالائتلافات والتحالفات والأحزاب التي تطرح برامجا متنوعة وتمتلك جاذبية كبيرة ومغناطيسية براقة من اجل الكسب والتكسب الجماهيري , ولكنها في جوهرها تتسابق وتتألف من اجل مصالحها الضيقة ومنافعها الخاصة , وتغلف هذا الواقع المعاش باسم الشعب والحرص على مصالحه ومستقبله , ولكن الحقيقة الناطقة كما هو مكشوف اللهاث وراء المغانم والمكاسب التي يبتغي كل مكون الاستحواذ عليها .. فالتسابق المحموم بين الائتلافات لا يرتكز على نوايا صادقة ولا على مشروع وطني موحد ولا على مرتكزات يقينية راسخة من الثقة والديمقراطية والوطنية الحقة التي تجعل مصلحة الوطن فوق كل مصلحة وأعلى من كل اعتبار . إن تصاعد وتيرة الائتلافات والتحالفات والاتحادات رغم الاختلافات الظاهرية والمستورة من اجل المصالح الشخصية والحزبية فإنها مطلية بطلاء اسم الشعب الصابر المبتلى , وان ظاهرة التخوف والتوجس والشكوك مهيمنة على الجميع بانعدام التوحد الفكري والمبدئي والوطني بينهم .. فنجد أن اللقاءات بين المكونات متفاقمة , ولكن التلاقي الصادق على المشتركات والأهداف المصيرية يبدو ضئيلا وشاحبا لشحوب وضآلة النوايا الحسنة والتوافق والانسجام المتين , فلا احد يصدق بان صدق التلاحم والتواؤم والانسجام قائم بثقة وأمانة بين المكونات , فكل مكون يظهر غير ما هو مخبأ وفق حساباته ومصالحه الذاتية , لذا فان تشكيل الحكومة المرتقب يحتاج إلى خيمة أوكسجين والى ولادة قسرية وقاسية وقد يخرج الوليد المنتظر كسيحا مشلولا ومعرضا للموت والفناء في كل يوم .
 
فلا نرى ولا نتوقع أن يتم تلاق واقعي بين الائتلافات لاختلاف الرؤى والأفكار والقناعات والمصالح , بيد أن هذه اللقاءات العقيمة قد تتواصل لمدة ليست بالقصيرة , ولكن الذي نتوقعه أننا نجد تجمعا بلا إجماع , ووعودا بلا تعهدات , وتصريحات بلا إجراءات , ومزايدات بلا زيادة للشحن الوطني والشعبي , فان اليأس يكاد يطبق على الواقع المتفجر والمتطور , والذي يعاني الاختناق والتخندق والتمزق والتمزيق لانعدام وحدة الرأي والموقف والنظرية السياسية الوطنية الحقيقية الحريصة على مستقبل الشعب والوطن , الذي ظل عرضة للعواصف والزوابع والمفاجئات الغريبة الرهيبة والتي ما تزال تفت عضد الوطن الذي يرتقب التغيير المنقذ من هذا الواقع المؤلم المحطم الضائع في لجج الأنانيات , والحسابات الانتهازية , والأفكار المبتورة والموتورة , فالاحتقان الطائفي والعنصري , والمزايدات النفعية الذاتية , بدأت تعود من جديد وتلبد سماء العراق بغيوم داكنة قد تمطر الويل والثبور والتمزق على هذا الوطن الجريح , فالصراع على المناصب والحقائب قد دمر جسور المصلحة الوطنية , ومزق وحدة الصف الوطني , و أغرق البلد بطوفان هائل من التناقضات المحتدمة , والتنافس الشرس , وأصبحت الغاية المبتغاة ليس بناء الدولة بل بناء المصالح والمنافع القاتلة , لذا فإننا لا نجد ولا نسمع بحوار جدي , ومناقشات مثمرة , ونتائج ملموسة عن تلك اللقاءات التي لن تتوقف ولكن بدون جدوى , فمنظومة العلاقات السياسية بين السياسيين معرضة للأمزجة والتقلبات والمصالح التي ما تزال تفتك وتنخر جسم الشعب والوطن , وبؤساء هم المخدوعون بالشعارات الخداعة والمكررة , في سوق الدجل و النفاق الذي لا تحده حدود ويبدو أن السدود لا توقفه , ولكن الشعب لن يخدع , ولكن إذا خدع فلمرة واحدة , ولكنه ينتفض كالمارد الجبار ويتسلح بوعي مستديم ولن تنطلي عليه مرة أخرى الوعود المعسولة والتبجحات المصبوغة بالزيف والتزيف والمبرقعة ببراقع الوطنية والقومية والدين , فالتاريخ لن يرجع إلى الوراء ولن يعيد نفسه , فالشعب قد يسكت ويتحمل سلبيات السلطة ولكن ليس سكوته وتحمله للسلبيات والمنغصات دليل على جبنه واستسلامه للظلم المؤبد , ولكن يعيش في ترقب وانتظار ويظل في حالة تذمر وتحد وتعبئة وغليان إلى أن تختمر في نفسه وتنمو في ضميره شروط الانفجار والتغيير الذي قد يأتي بصورة تدريجية وتصاعدية عبر الزمن ووفق المتغيرات ووفق الطرق السلمية التي تتجسد عبر الانتخابات , وقد عشنا هذا التصاعد في التغيير الايجابي , حيث شاهدنا أن نتائج التغيير المدهش في الانتخابات الجديدة أفضل بكثير من الانتخابات السابقة عام 2005 حيث اختفت وانحسرت الطائفية والعنصرية والعشائرية إلى درجة كبيرة وملموسة , وساد الشعور الوطني الجلي وهذه ظاهرة صحية تبشر بالخير والانفتاح والانفراج , فالوعي الجماهيري بدا يتزايد ويتصاعد بفاعلية فاعلة حيث الملفت للنظر أن البرلمان السابق كان يضم 275 عضوا ولم يفز منهم في الانتخابات الحالية سوى 62 عضوا وقسم منهم فاز بالكاد والمشقة , وستكون الانتخابات القادمة أكثر وطنية ومسؤولية ونقاء ومع كل مرحلة انتخابية جديدة ستتهاوى وتتلاشى رموز وكتل وتبرز قيادات جديدة تتمسك بوحدة الوطن ومستقبل الشعب اليقظ المتيقظ لكل المتغيرات المرتقبة سلبا وإيجابا .
 
إن سياسة الإقصاء والتهميش وابتلاع الاخر لهي سياسة تعود على الشعب بالمزيد المتزايد من التمزق والاندحار , فلا مستقبل لأي شعب أو امة تعيش تحت كوابيس التمزق والتناحر والمصالح النفعية الأنانية والخلاف والاختلاف الذي لن نحصد منه سوى المرارة والندم والعدم والضياع , فالمواطنون البؤساء هم أمانة أودعها الله تعالى في أعناق الحاكمين والمتحكمين وان الله يختبرهم ويصبر عليهم , وإذا استمروا بظلمهم وغيهم فسوف تكون نهايتهم أسوء من نهاية الطاغية المقبور صدام حسين . وان اللبيب هو من يتعظ بالآخرين , وان الظلم لم ولن يدوم وان دام دمر , وان العدل يدوم وان دام عمر وخير الناس من يلتزم بالعبر ويتعظ بالتجارب والأحداث .
 
إن الظاهرة السائدة الآن هي عقد الصفقات والاتفاقات من اجل المصالح الخاصة , ولا نداء ولا ظلال فيها لهذا الشعب المبتلى المقهور الذي لا تسره ولا تفيده اللقاءات المتكررة والمستمرة بين المكونات , بل يبتغي ويريد التلاقي المبني على الصدق والموضوعية ومصلحة الشعب والوطن , فقد شبع حتى التخمة , وغرق حتى الأذنين بالشعارات والتبجحات والمناقشات العقيمة والأفكار السقيمة , وان غياب التلاقي الجدي المثمر المنشود بين الائتلافات ناتج بسبب التناحر الظاهر والمبطن , وحب الأنا والأنانية , والتهافت واللهاث وراء المكاسب الأكثر والمنافع الأوفر. وان مما يزيد الطين بلة , والقلب علة هو انعدام صدق النوايا والانصراف عن بناء الدولة , وضياع الحرص والمسؤولية الوطنية , وتزايد شهوة وشهية النفع والكسب والاغتراف , وفقدان الاندفاع الجدي من اجل الوحدة الوطنية الصميمية , كما إن سياسة إحراز المواقع المتقدمة في الدولة يضع العصا في عجلة التوحد وتشكيل الحكومة التي أضحت هي الشغل الشاغل لكل أبناء الشعب المتوحد , ولكن التفرقة متأتية من المسؤولين والسياسيين الذين يتمسكون وبقوة بالكراسي العليا ولا ينظرون لهذا الشعب الذي يتضور ألما على هذه الأنشطة السياسية المبعثرة . إن من يريد عراقا موحدا شامخا قويا يجب عليه أن يتحلى بروح المبادرة الايجابية والتضحية الفذة ويلتزم بالإيثار وينأى عن مستنقع الأثرة , فهذه الاشتراطات هي التي تبني الوطن وتحقق الحياة الحرة الكريمة , وان كل الأحزاب والمكونات الآن في امتحان , فطوبى ومرحى لمن يجتاز امتحان القيم والمبادئ والمثل بنجاح باهر وبمسؤولية وطنية صادقة , والويل والثبور لكل من يعيق التشكيل الوزاري المنتظر من منطلقات فئوية أو حزبية أو عنصرية أو مصلحية فالشعب باق والحكام زائلون .. وان النبوءات على لائحة الواقع تشير ان اللقاءات المكثفة لن تفضي ولن تؤدي الى نتائج ايجابية تمتلك الإجماع الحقيقي على حقيقتها مادامت النوايا ممزقة والإرادة الوطنية مشلولة , والحرص المنشود مشتت , فان التلاقي الحقيقي لم تتكشف معالمه ولحد الآن , ثم ان المتوقع المر سيكشف ان هذه الائتلافات تحمل فايروسات الفناء بين احشائها فقد تتمزق قبل ان يتم تشكيل الحكومة , او قد تتحطم بصورة مكشوفة وحادة عند تشكيل الحكومة من اجل الحصص التي يبتغيها او يطمع بها كل مكون يبتغي زيادة حصته من الوزارات , وياليت هذا التوقع والتخوف لن يحدث مطلقا فاننا نريد حكومة تمتلك الإجماع والنوايا الصادقة والتطابق او التماثل في الارادة والقناعات وان يحل التلاقي الحقيقي محل التجافي ويحل الوفاق الدائم بدل الفراق القائم , ونتمنى ان كل ائتلاف او حزب يمتلك المصداقية والتوحد فيما يضمر ويعلن وان الله العظيم من وراء القصد. 
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=1943
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 12 / 19
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28