بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على أشرف خلقه محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
وتتلخص أهم مقاصد النبي صلى الله عليه وآله في خطبة الغدير بالأمور التالية:
المقصد الأول: ضمان استمرار خط النبوة وعدم ضياع ثمرات أتعاب النبي صلى الله عليه وآله خلال ثلاث وعشرين عاماً في إبلاغ الرسالة الإلهية وإنشاء الأمة وجهاد أعدائها. وذلك بتعيين من يتولى حَمل الأمانة وإدامة المسيرة النبوية.
المقصد الثاني: بيان النبي صلى الله عليه وآله للأمة أن مسؤولية حفظ الإسلام وأمته تقع على عاتق خلفاء النبوة الذين اختارهم الله تعالى، والذين لهم الكفاءة التامة لأداء مهمَّتهم.
المقصد الثالث: تعيين الخليفة تعييناً رسمياً على سنة الله في أنبيائه عليهم السلام، وسنة الأمم الراقية في تعيين خليفة قائدها.
المقصد الرابع: اتمام الحجة على المخالفين، المقصرين منهم والمعاندين.
هذه الأهداف السامية والمقاصد العالية هي التي أعطت يوم الغدير بُعده الخالد، وجعلته حادثة فريدة في تاريخ الإسلام. ومن أجل هذا كان تأكيد النبي صلى الله عليه وآله عليه كبيراً، وكما قال الإمام الباقر عليه السلام: "لم يناد بشيء ما نودى بالولاية يوم الغدير".
واقترن إبلاغ النبي صلى الله عليه وآله للأمة ولاية علي عليه السلام بظروف ومميزات خاصة، مثل الاجتماع الكبير، والأسلوب الخاص في البيان، والمنبر الخاص الذي تفرَّدت به هذه الواقعة التاريخية، وأنها تزامنت مع وداع النبي صلى الله عليه وآله لأمته. وهي خصوصيات فريدة تدل على حرص النبي صلى الله عليه وآله على تحصين الإسلام به من أي تحريف داخلي أو عدوان خارجي.
ولم يطرح النبي صلى الله عليه وآله قضية الإمامة في يوم الغدير بصورة توجيهات ونصيحة، بل بصورة حكم إلهي وأمر نبوي، ولذلك اقترن إعلانها بأخذ البيعة لعلي عليه السلام من جميع المسلمين.
تميَّز إعلان الغدير بظرفه الجغرافي في ملتقى الطرق في الجحفة قبل أن يتفرق المسلمون في طريق عودتهم إلى أوطانهم، وبالصيف الحار الذي كان في تلك الأيام الثلاثة في تلك الصحراء الملتهبة.
والظرف الزماني لبيعة الغدير ووقوعها في موسم الحج الذي هو أعظم تجمع جماهيري للمسلمين.
وكذلك إعلان النبي صلى الله عليه وآله فيها عن قرب رحيله، فإنه صلى الله عليه وآله رحل من هذه الدنيا بعد سبعين يوماً من إلقائه هذه الخطبة.
نزول الخطاب الإلهي الخاص للنبي صلى الله عليه وآله بهذا الأمر: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾، وهو خطاب يختلف عن سائر الخطابات الإلهية للرسول صلى الله عليه وآله، وضمن إبلاغ هذا الحكم الإلهي أبدى النبي صلى الله عليه وآله توجُّسه وخوفه من مؤامرات المنافقين في تلك المرحلة، وتأكيده على أن هذه البيعة هي الضمان لمستقبل الأمة الإسلامية، ورافق إعلان النبي صلى الله عليه وآله لإمامة علي والعترة عليهم السلام، الوعد الإلهي بعصمته وحفظه من كيد الأعداء المعترضين. وهما ضمان وعصمة لا نجدهما طيلة عمر النبي صلى الله عليه وآله وتبليغه الرسالة! حيث تميَّزت خطبة الغدير وبيعة الغدير بمفاهيم سامية ومعانٍ عميقة في مقام الولاية للعترة النبوية الطاهرة عليهم السلام.
وأيضاً تميَّزت بمراسمها الخاصة قبل الخطبة وبعدها، مثل إهداء النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام عمامته الخاصة، وأمره المسلمين بتهنئته وبيعته.
وكذلك تميَّز يوم الغدير بنزول الخطاب الإلهي الخاص بعد بيعة الأمة لعلي عليه السلام: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾، وهو خطاب لا مثيل له في الخطابات الإلهية السابقة.
حيث تميَّزت هذه البيعة باهتمام خاص من أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم في كل الأجيال. فقد صعد المنبر أمير المؤمنين عليه السلام في خلافته وطلب من الصحابة أن يؤدوا شهاداتهم في بيعة الغدير، ليعرف ذلك المسلمون الذين لم يحضروها. وكذلك الصديقة فاطمة الزهراء سلام الله عليها حيث قالت: "ما علمت أن رسـول الله صلى الله عليه وآله ترك يوم الغديـر لأحد حجـة ولا لقائل مقالا"، وكذلك بقية الأئمة المعصومين عليهم السلام، كما اهتم علماء مذهب أهل البيت عليهم السلام برواية هذه الواقعة ونشرها والتأليف فيها بصورة مفصلة، لأنها تمثِّل محور العقيدة بالإمامة، وتجسِّد وفاء الأمة لنبيها في أهل بيته، ومن مميزات حديث الغدير كثرة أسانيده من الصحابة والتابعين، وأن كبار الحفاظ والعلماء ألفوا في أسانيده وأثبتوا تواتر أحاديثه، على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم.
وعليه هذه الميزات الضخمة تدل على الأهمية العظيمة للغدير في ثقافة الإسلام، وتثير فينا روح الغيرة على الإسلام لكي نحافظ على هذا الأصل العقائدي الرباني النبوي، وندافع عنه بكل كياننا.
وآخر دعونا أ، الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.